بعد مرور خمس سنوات على تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم الجزيرة؛ ما الأعمال والمشاريع التي أنجزتها، وما بقي قيد التنفيذ، وما تأخر إنجازه، وما هي مشاريعها وخططها المستقبلية في المراحل المقبلة؟!. هذه الأسئلة كانت محاور الحوار التي أجرته صحيفتنا “روناهي” مع الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي في إقليم الجزيرة عبد الكريم صاروخان حيث قال: “نجحت الإدارة الذاتية بأن تكون محل ثقة لجميع شعوب المنطقة، وبعد الإعلان مباشرةً باشرت المؤسسات والهيئات عملها وعلى جميع المستويات والمجالات، وأصبحت كخلية نحلٍ عملت ليلاً ونهاراً ومنذ التأسيس وحتى يومنا هذا”.
وأكد صاروخان بأنهم وعلى مدار الخمس سنوات الماضية قدموا آلاف الشهداء في سبيل إنجاح المشروع الديمقراطي الذي حافظ على النسيج الوطني السوري، وأن الجزء الأكبر من المشاريع والخطط قد نفذت وهناك ما بقي من دون تنفيذ؛ نتيجة الظروف المحيطة التي أدت إلى عدم تنفيذها. وأضاف: “حققت الإدارة الذاتية قفزات نوعية في الكثير من المجالات، والمشروع الأساسي في هذه المرحلة هو تأمين المتطلبات والتدابير اللازمة للوقوف في وجه الأطماع والتهديدات التركية”.
وهذا هو نص الحوار:
ـ الآن وقد دخلنا العام السادس من عمر الإدارة الذاتية الديمقراطية، هل بإمكانكم التحدث بإيجاز عن هذه التجربة الرائدة؟
في الحقيقة يمكنني القول بأن الإعلان عن الإدارة الذاتية لم يأتِ من فراغ؛ لأنه وقبل هذا التاريخ كان هناك تحضيرات كبيرة في تنظيم الجماهير ومن جميع النواحي، وكان تاريخ 2014 هو التاريخ المناسب للإعلان عنها. والإدارة الذاتية وخلال السنوات الخمس الماضية عملت على القيام بالمهام كافة التي أوكلت إليها، ونجحت بأن تكون محل ثقة لجميع شعوب المنطقة وفي جميع المجالات، واعتمدت على مبدأ الأمة الديمقراطية التي بالأساس لا تفرق بين مكونات المنطقة من حيث الحقوق والواجبات. وبعد الإعلان مباشرةً باشرت المؤسسات والهيئات التي أحدثت عملها وعلى جميع المستويات والمجالات، الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والتدريب والتربية والعسكرية وغيرها، حيث أصبحت كخلية نحلٍ عملت ليلاً ونهاراً منذ التأسيس وحتى يومنا هذا. وعلينا ألا ننسى المجال الحقوقي وقيام المحاكم التي تُعنى بحل جميع القضايا الحقوقية، وكيفية الحفاظ على حقوق الأهالي وحقوق المكونات والأفراد، وأخذت بعين الاعتبار القوانين والمواثيق الدولية الخاصة بذلك، أما من الناحية السياسية فكان هناك الكثير من العمل وبخاصة في تعريف المجتمع، بما يخطط ضدنا من مؤامرات ومخططات من قبل الأعداء، وكيفية الجاهزية للتصدي لتلك المخططات بحيث لم يعد خافياً على الأهالي كل ما يجري حوله من أمور. وفي المجال الثقافي والتعريف بثقافة شعوب المنطقة وتاريخها، تلك الشعوب التي تعرضت للكثير من الانحلال نتيجة التسلط ومحاربة تاريخ وثقافة شعوب المنطقة، من قبل الأنظمة الحاكمة الاستبدادية التي فرضت عليها، وبقيام الإدارة الذاتية كسر ذلك الجدار وبات الكل يتمتع بالتعليم بلغته الأم، وبالتعريف بثقافته وتاريخه. يمكننا القول بأنها المرة الأولى على مستوى الدول العربية التي تقوم بها الشعوب في المنطقة بإدارة نفسها بنفسها، وعن طريق المؤسسات الخدمية والاجتماعية والحقوقية التي أحدثت من أجل ذلك، حيث أصبحت جميع الشعوب في الشمال السوري أصحاب هذه التجربة؛ نتيجة المشاركة الفعالة في جميع مفاصلها ومن جميع المكونات والأديان. ولهذا؛ رأى الجميع بأنهم يُمثلون ضمن هذه الإدارة. وهذه الإدارة الذاتية أصبحت البديل عن الأنظمة القمعية والفئوية والديكتاتورية التي حكمت المنطقة بالحديد والنار، من خلال تطبيقها سياسة قيادة المجتمع للمرحلة القادمة، بحيث يكون فيها القيادة للشعب. ولذلك؛ أعتقد أن الإدارة الذاتية تجربة ناجحة بكل المقاييس وبإمكانها أن تتعمم على كامل الجغرافيا السورية.
ـ ما الأسباب التي أدت إلى قيام الإدارة الذاتية الديمقراطية في عام 2014؟
بعد قيام ثورة التاسع عشر من تموز في عام 2012، حدث فراغ أمني ومؤسساتي في جميع المناطق بشمال سوريا؛ نتيجة تخلي الحكومة السورية عنها وفرارها من تلك المناطق. ولذلك؛ كان لا بد من ملئ هذا الفراغ بإيجاد البديل الذي يمكنه الحفاظ على العمل المؤسساتي، والحفاظ على الأمن والأمان بما يتناسب مع الضرورات الحياتية للأهالي، وبعد قيام ربيع الشعوب في الشرق الأوسط؛ شاركنا فيها. ولكن؛ على طريقتنا الخاصة بانتهاجنا الخط الثالث، الذي يقف مع مطالب شعوبنا ويحقق الأمن والاستقرار، بعيداً عما فكر به الآخرون الذين انجروا خلف أجندات الآخرين وعسكروا الثورة والنتيجة كانت الخراب والدمار والقتل والنزوح بالملايين. وعلى مدار الخمس سنوات الماضية؛ قدمنا الآلاف من الشهداء، في سبيل إنجاح هذا المشروع الديمقراطي الذي حافظ على النسيج الوطني السوري، وحافظ على بقاء مناطقنا بعيدة عن الحرب الدائرة على عموم الأراضي السورية. والإدارة الذاتية عرفت كيف تدافع عن نفسها ضد الإرهاب المتمثل بداعش وداعميه، وأن تُبقي على مناطقها آمنة، وتوفير معظم متطلبات الحياة اليومية للمواطنين، وسبب نجاحها هو الاعتماد على مبدأ الأمة الديمقراطية التي تعطي الحقوق لأصحابها دون تمييز أو إقصاء أو تهميش لأحد.
ـ لكل إدارة خطط وبرامج وأنتم خلال فترة الخمس سنوات الماضية؛ ماذا نفذتم من تلك الخطط والبرامج؟
في الخمس سنوات الماضية كانت لدينا الكثير من الخطط والبرامج، وأستطيع القول بأن الجزء الأكبر من هذه الخطط نفذت بالتمام والكمال، وأيضاً هناك جزء آخر لم نستطع تنفيذه، وهذا يعود إلى عدة أسباب ومنها عامل الوقت الذي لم يسعفنا، وأيضاً الإمكانات المادية التي لم تكن بالشكل المطلوب، والهجمات التي تستهدفنا والمؤامرات التي تحاك ضد الإدارة الذاتية، وهناك صعوبات أخرى وقفت عائقاً أمام تنفيذ الخطط بالشكل المطلوب؛ ومع ذلك بإمكاننا القول إننا في الإدارة الذاتية؛ استطعنا أن ننجز الكثير من الأعمال الكبيرة، ولعل من أهمها تدريب المجتمع وتنظيمه والتعريف بمبدأ الأمة الديمقراطية، وشرحها وتعليم مبادئها للأجيال القادمة لتكون الأساس في البناء والتقدم وإخوّة الشعوب، وفي جميع المراحل الدراسية كانت هناك قفزات نوعية بدءاً من المراحل الابتدائية وصولاً إلى المراحل الجامعية، وسنرى خلال السنوات القليلة القادمة بأنه سيكون هناك جيل كامل من خريجي الجامعات والمعاهد في روج آفا وشمال سوريا، ممن درسوا أصول مبدأ الأمة الديمقراطية وكيفية إدارة شؤون المنطقة على أسس الديمقراطية والمحبة والتعايش المشترك، وهذه ناحية هامة جداً بالنسبة لنا كإدارة ذاتية. والأرقام كبيرة جداً في هذا المجال مثلاً هناك أكثر من ثلاثمئة ألف من الطلاب، وتخطى عدد المعلمين والمعلمات الثلاثين ألفاً، وتجاوز عدد المدارس الثلاثة آلاف مدرسة، وطُبعت الملايين من الكتب ولجميع المراحل الدراسية، وهذه لوحدها ثورة إذا ما شرحنا مفهوم الثورة الحقيقية، بالإضافة إلى تحقيق الكثير من التقدم في المجالات الأخرى، كافتتاح المشافي والنقاط الطبية، وفي المجال الثقافي والفني، ولا ننسى المجال الأمني والدفاعي وفي هذا المجال كانت هناك مؤسسات قائمة بذاتها حافظت على الأمن والاستقرار ودافعت عن هذه المناطق من جميع الأخطار المحدقة بنا، هذا بالإضافة إلى المحاكم وعملها، وأعمال البلديات التي أنجزت مهاماً كبيرة على مستوى الخدمات الأساسية التي قدمت لشعوب المنطقة. ومن الخطوات الهامة التي حدثت من عمر هذه الإدارة الانتخابات الديمقراطية وللمرة الأولى في هذه المناطق، والتي جرت بكل حرية لينتخب الشعب ممثليه بكل حرية، وهذه كانت خطوة هامة في هذا المجال بدءاً من الكومين وصولاً إلى المجلس، وفي الحقيقة كانت تجربة ناجحة بكل المقاييس.
ـ ما المشاريع المستقبلية التي تودون القيام بها خلال العام الحالي وما مدى إمكانية تحقيقها؟
المشاريع الأساسية في هذه المرحلة هي التدابير اللازمة للحماية من التهديدات التي نتعرض لها من قبل الدولة التركية، وتأمين ما يتطلب في مثل هذه الحالات الطارئة ونحن نعمل ليل نهار في هذا الجانب، وبالتوازي معها سنهدف إلى تحقيق ما بقي من مشاريع لم تنفذ سابقاً؛ لأن الحياة يجب أن تستمر. ومن الأمور الهامة التي سنأخذها بالاعتبار مطالب الشعب وتأمين الخدمات والحياة الحرة الكريمة، وسنسعى إلى تحقيق قفزة نوعية في مجال الصحة وتأمين كل ما يتطلب لذلك، كما أن هناك خطة لمتابعة العملية التعليمية وإكمالها عبر المناهج الجديدة لصفوف الحادي عشر والبكلوريا، لتكون عملية كاملة وناجحة، وهناك مشاريع أخرى سنحاول إنجازها وحسب الظروف والإمكانيات المتوفرة.
ـ هناك عوائق تعترض إمكانية تحقيق ما تصبون إليه، ما هي هذه العوائق؟
بالفعل هناك عوائق وبخاصة في مجال إدخال المواد التي تلزمنا لتحقيق المشاريع التي نخطط لها، ومن جميع الطرق التي تحيط بنا، فالحدود مع تركيا مغلقة وهي تنظر إلينا بعين العداوة، ومن طرف باشور كردستان هناك صعوبة في إدخالها، وحتى في الداخل السوري هناك الكثير من الصعوبات التي تعترضنا هذا من جهة، ومن الناحية الأخرى فمن الداخل نحن كإدارة ذاتية نواجه صعوبات من ناحية ضعف الموارد، والإمكانات المادية لا تزال قليلة. ولذلك؛ تعترضنا صعوبات لتحقيق كامل خططنا. والنقطة الأخرى الهامة إننا نعمل من أجل تغيير المفاهيم التي تؤدي إلى تسلط الفرد، وحب الذات لتغيرها، لتسود محلها مفهوم المشاركة وقبول الآخر وإدارة الشعب نفسه بنفسه، وفي هذا المجال كانت خطوات جيدة.
ـ هناك هِوة كبيرة بين الرواتب والأجور وغلاء الأسعار، هل لديكم كإدارة ذاتية خطة للتوازن بين الاثنين؟
كما قلنا هناك حصار على الإدارة الذاتية ومن جميع الجهات المحيطة بنا، وإمكاناتنا المادية قليلة وهي من مواردنا الداخلية، من أعمال البلديات وواردات الضرائب، وعن طريق هيئة المالية والمنافذ الحدودية وهي قليلة إذا ما قارناها بما يُتطلب القيام به. وليس هناك أي دعم مقدم من مؤسسات دولية أو حتى من دول قائمة بذاتها أو منظمات، ومع ذلك عملنا قدر الإمكان في الوصول إلى الراتب الذي نستطيع إعطائه. نعم أنا أتوافق معك بأن هذه الرواتب والأجور قد لا تفي بالغرض المطلوب، وبالمقارنة مع رواتب النظام فهي مرتفعة، ومع ذلك فهي لا تفي بالغرض؛ لأنها بالفعل لا تتناسب مع غلاء المواد في الأسواق، وعندما تسنح الفرصة وتُفتح الأبواب المغلقة ويُفتح التصدير والاستيراد، وتتحسن العلاقات مع الجوار. بالتأكيد ستكون واردات المنطقة كلها في خدمة الشعب وستصرف على تحقيق الحياة الحرة الكريمة.
ـ تأمين الكهرباء والماء والغاز وبعض المواد الأخرى من ضروريات استمرار الحياة؛ ما خططكم لتأمينها في المرحلة القادمة؟
بالطبع هناك خطة عمل لتأمين هذه المتطلبات الهامة، وبخاصة في مجال تأمين الكهرباء ونعمل الآن لوضع عنفات جديدة تعمل على الغاز، وهذا المشروع في طور الإنجاز والمراحل النهائية وفي الأشهر القليلة المقبلة ستكون جاهزة، وهذا سيحسن إمداد الكهرباء وسيزيد ساعاتها حتماً في المستقبل القريب، وحتى تأمين المواد في هذا الجانب صعبة للغاية، وسنسعى لتأمين جميع المتطلبات الحياتية وحسب الإمكانيات المتاحة.
ـ في نهاية حوارنا هذا؛ هل من كلمة أخيرة تختمون بها؟
الإدارة الذاتية دخلت عامها السادس ونأمل أن نكون عند حسن ظن الشعب، وسنسعى بكل إمكانياتنا في تأمين جميع مستلزمات الحياة، ونتقبل بكل رحابة صدر جميع الانتقادات التي تُوجه إلينا؛ لأننا في الحقيقة لم نكن قادرين على أن نكون بالمستوى المطلوب في تحقيق مطالبهم، ونحن نقر ونعترف بذلك، وسنحاول تفادي الأخطاء السابقة والعمل على تحقيق كل ما يطمح إليه شعبنا في المراحل المقبلة.