مع تصاعد الصراع في الشرق الأوسط بين إسرائيل من جهة، وحزب الله وحماس وخلفهما إيران من جهة أخرى، وفي خضم هذه الصراعات، تأثرت الساحة السورية بشكل كبير، وباتت بحاجة لحل سياسي يرضي الأطراف المتداخلة في سوريا.
في السياق أجرت صحيفتنا، حوارا مع السياسي السوري، والمستشار العام لحزب الوطن السوري، عبد القادر الموحد، وفيما يلي نص الحوار:
ـ إلى أي مدى تؤثر التطورات الأخيرة في المنطقة على دفع أو تأجيل الحل في سوريا؟ وكيف تقرؤون المشهد؟
التطورات الأخيرة في المنطقة تؤثر بشكل كبير على مسار الحل في سوريا، حيث أن التحولات في التحالفات الإقليمية والدور الدولي، مثل تقارب السعودية وإيران، وتغير سياسات تركيا، قد تفتح فرصًا للحوار أو تعقدها، حسب التفاهمات الجديدة.
الوضع الداخلي المتدهور في سوريا، مع الضغط الاقتصادي والمشاكل الاجتماعية، قد يدفع حكومة دمشق نحو التفاوض، أو يزيد من تمسكه بالحل العسكري، المشهد معقد للغاية ويعتمد على التوازن بين هذه العوامل، وفي هذا المشهد يكون الحل السياسي غير واضح في المدى القريب، رغم وجود فرص للتغيير، وستكون لنتائج الحرب الإسرائيلية دور حاسم في مسار الحل السياسي.
ـ بماذا توحي التحركات الإسرائيلية بدعم غربي بإزاحة الدور الإيراني في سوريا؟
التحركات الإسرائيلية المتزايدة في سوريا، سواء عبر الغارات الجوية أو العمليات الاستخباراتية، تعكس رغبة إسرائيل في تقليص النفوذ الإيراني، هذه التحركات تبدو وكأنها تحظى بغطاء غربي أمريكي، حيث تشترك الولايات المتحدة مع إسرائيل، أن إيران تهديد إقليمي.
إلا أن إزاحة الدور الإيراني بالكامل تبدو معقدة للغاية، نظرًا للوجود العميق والمتشابك لإيران في سوريا، سواء عبر الميليشيات المدعومة منها، أو النفوذ السياسي والاقتصادي، التحركات الإسرائيلية تهدف على الأرجح إلى احتواء وتقليص النفوذ الإيراني، وليس بالضرورة إلى إزالته تمامًا.
الدعم الغربي لإسرائيل يركز على الحد من القدرات العسكرية الإيرانية في سوريا، خصوصًا تلك التي تهدد إسرائيل مباشرة، لكن لا يبدو أن هناك استراتيجية غربية واضحة لإخراج إيران بالكامل من الساحة السورية، إيران، من جهتها، تستمر في تعزيز وجودها في تحالفاتها الإقليمية؛ ما يعني أن المواجهة حول دورها في سوريا قد تستمر لفترة طويلة.
ـ أين يقف المحتل التركي من الوضع في الشمال السوري مع تحشد عناصر هيئة تحرير الشام هناك؟
تركيا تلعب دورًا رئيسيًا، وخاصة في إدلب والمناطق المحاذية لحدودها، حيث تتحكم في التوازنات بين المجموعات المرتزقة هناك، تحشيد مرتزقة هيئة تحرير الشام، يمثل تحديًا لتركيا، رغم وجود علاقات جيدة بين الطرفين، ولها نفوذ عسكري كبير، رغم أن الهيئة مصنفة على قائمة الإرهاب العالمية.
مع ذلك، تركيا تتبنى سياسة التعامل مع هيئة تحرير الشام، ولها محاولات لبقاء الهيئة تحت سيطرتها، تحشيد مرتزقة هيئة تحرير الشام، محاولة لتعزيز نفوذها أو استعداد لمواجهة أي تدخل محتمل، سواء من قوات حكومة دمشق، أو القوات الروسية.
وتركيا تعمل على ضمان حماية حدودها ومنع تدفق اللاجئين، ولها أيضا هدف استراتيجي، لضرب الإدارة الذاتية، خاصة في مناطق مثل منبج، وتل رفعت، لذلك، تسعى لمحاربة الإدارة الذاتية، والتعامل مع هيئة تحرير الشام كقوة فاعلة على الأرض، لتحقيق مصالحها، مع الحفاظ على علاقتها مع روسيا ضمن إطار “اتفاقيات وقف إطلاق النار” في إدلب.
بالتالي، تركيا تجد نفسها في موقف حساس، تحاول من خلاله موازنة نفوذها في الشمال السوري، دون التورط في مواجهة مفتوحة مع هيئة تحرير الشام، أو السماح للأوضاع بالانفجار بشكل يفقدها السيطرة على المنطقة.
ـ هل تتوقعون تحركا على جبهات إدلب وحلب عقب تحشيد عناصر مرتزقة جبهة النصرة هناك؟
هناك احتمال كبير لتحرك عسكري أو تكثيف الهجمات على تلك الجبهات، والعوامل التي تدفع بهذا الاتجاه هي:
– إدلب لا تزال آخر معاقل ما تسمى بالمعارضة المسلحة الكبيرة، وحكومة دمشق وحلفاؤها، خاصة روسيا، يعدُّون استعادتها هدفًا استراتيجيًا.
– تركيا تلعب دورًا مهمًا في تهدئة الأوضاع أو تأجيجها في الشمال السوري، إذا رأت تركيا أن مصالحها مهددة، سواء من دمشق، أو من تحركات هيئة تحرير الشام، فقد تحاول فرض سيطرتها بعمليات عدوانية أو دعم مباشر لبعض المجموعات المرتزقة.
– الضغط الدولي، مع تغيرات في الأوضاع الإقليمية والدولية، قد يكون هناك توافق جديد بين القوى الكبرى حول مستقبل إدلب، هذا قد يؤدي إلى تصعيد كبير في المنطقة لإعادة رسم خرائط النفوذ، أو إلى اتفاقيات جديدة لتهدئة الأوضاع، ولكن حتى الآن لا توجد مؤشرات واضحة على اتفاق دائم.
– إدلب تضم ملايين النازحين والمدنيين، وأي تصعيد قد يؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة، وهذا يزيد الضغط على الأطراف للتهدئة، ولكن، قد تكون هناك اشتباكات محدودة أو تصعيد كبير، خاصة إذا لم يتم التوصل إلى حلول سياسية أو اتفاقيات تهدئة جديدة.
– من له مصلحة في تحريك هذه الجبهات وفي هذا التوقيت بالذات؟
تحريك جبهات إدلب وحلب، يفتح الباب أمام أطراف عدة، قد تكون لها مصلحة في تكثيف الهجمات أو التحرك العسكري، وذلك لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية، وفيما يتعلق بمرتزقة هيئة تحرير الشام، وتحركاتها، من الممكن تحليل الوضع من خلال النظر إلى الدوافع والمصالح المتقاطعة لكل طرف:
– هيئة تحرير الشام، ترغب في تأكيد سيطرتها على إدلب، ومناطق نفوذها في الشمال الغربي، من خلال التحشيد العسكري، وقد تحاول منع أي محاولات خارجية للتدخل في إدارتها للمناطق، التي تسيطر عليها، ويمكن أن تكون رسالة للقوى الدولية والإقليمية بأنها لا تزال القوة الفاعلة في المنطقة، وهذا يمنحها نفوذًا أكبر في أي مفاوضات سياسية مستقبلية.
-إن حكومة دمشق تسعى لاستعادة السيطرة على إدلب، وهي المنطقة الوحيدة التي لا تزال خارج سيطرتها الكاملة، التصعيد في إدلب وحلب قد يكون في مصلحة حكومة دمشق وحلفائها، لفرض أمر واقع جديد، خاصة إذا تم تحريك العمليات العدوانية لتعزيز مواقعهم وتحقيق مكاسب على الأرض. ومن ناحية أخرى فإن روسيا، قد تضغط على تركيا لتقليص نفوذ المجموعات المرتزقة في إدلب، بما في ذلك مرتزقة هيئة تحرير الشام، من أجل تثبيت سيطرتها، وهناك تحشد من جانت قوات حكومة دمشق وروسيا، وهذا يخلق ديناميكية جديدة تفرض على تركيا اتخاذ موقف أكثر وضوحًا.
ـ وأخيراً، هناك جهات خارجية غير راضية عن الوضع القائم، وقد تدفع نحو التصعيد فهناك احتمال بأن بعض الجهات الخارجية، سواء من داعمي ما تسمى بالمعارضة، أو من القوى الإقليمية الأخرى، هي التي تدفع مرتزقة هيئة تحرير الشام، للتحشيد؛ بهدف تقويض التفاهمات الإقليمية والدولية حول إدلب، أو لإحراج تركيا وإضعاف نفوذها في المنطقة.
ـ أين وصل قطار التطبيع مع دمشق، سواء مع أنقرة أو مع الدول العربية؟
قطار التطبيع مع دمشق شهد تقدمًا ملحوظًا على مدار العامين الماضيين، سواء مع بعض الدول العربية أو مع تركيا، ومع ذلك، فإن عملية التطبيع لا تزال تواجه تعقيدات وتباينات في المواقف بين الأطراف المختلفة.
فمن ناحية الدول العربية، ما زالت القضايا التي تطالب الدول العربية بحلها قائمة، ولم تحرز أي تقدم مع حكومة دمشق، أما تركيا فإنها رغم الانفتاح النسبي، لا تزال قضايا حساسة قائمة تعيق التطبيع الكامل بين أنقرة ودمشق.
أبرزها أن جيش الاحتلال التركي يحتل مدناً عديدة في سوريا، ودعم أنقرة للمجموعات المرتزقة الموالية لها، بالإضافة إلى موقف تركيا من قضية الإدارة الذاتية، التي تعدُّها تهديدًا لأمنها القومي، دمشق تطالب بانسحاب تركيا من الأراضي السورية وهذا شرطها الأساسي للتطبيع، في حين أن أنقرة تركز على ضمانات بخصوص أمن حدودها وعودة اللاجئين.
وتبرز العقوبات الأمريكية والأوروبية على حكومة دمشق، خصوصًا عقوبات قيصر كأكبر التحديات أمام التطبيع الكامل، واستمرار هذه العقوبات تقيد بشدة أي تعامل اقتصادي أو استثماري مع دمشق، مما يجعل الدول التي تسعى للتطبيع تفكر كثيراً قبل الاستثمار أو التعاون الاقتصادي مع سوريا.
يضاف إلى هذا النفوذ الإيراني الكبير في سوريا، الذي تنظر إليه الدول العربية، وخاصة الخليجية، عقبة أمام تطبيع العلاقات بشكل كامل، رغم أن جزءًا من التطبيع العربي يهدف إلى تقليص هذا النفوذ، إلا أن استمرار الوجود الإيراني العسكري والاقتصادي يعقّد المعادلة.
ـ هل رصدتم أي تحرك جدي على الصعيد الدولي أو الإقليمي لحلحلة الأزمة السورية؟
هناك عدة تحركات دولية وإقليمية جرت خلال الفترة الأخيرة، لمحاولة حلحلة الأزمة السورية، ولكنها لا تزال في مراحلها الأولى، وتواجه العديد من التحديات، تتمثل أبرز هذه التحركات في:
ـ الدور العربي المتزايد عبر إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، والتي مثلت خطوة هامة نحو إعادة دمج سوريا في الإطار الإقليمي العربي، الهدف من هذه الخطوة هو إيجاد حل سياسي يشمل الأطراف السورية، بالإضافة إلى مواجهة التدخلات الإقليمية في سوريا، خاصة إيران وتركيا، وفي هذا السياق؛ فإن السعودية والإمارات تلعبان دورًا محوريًا في التقارب مع دمشق، فتحاولان الوصول إلى تسويات سياسية تُنهي الأزمة، هذا يشمل الحوار مع حكومة دمشق، حول قضايا مثل مكافحة تهريب المخدرات، وعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار.
ـ التقارب التركي ـ السوري، حيث أن روسيا تلعب دورًا كبيرًا في الوساطة بين أنقرة ودمشق، هناك محادثات أمنية وسياسية مستمرة بين الجانبين تهدف إلى إعادة ضبط العلاقات، خاصة فيما يتعلق بالقضايا العالقة مثل الوجود العسكري التركي واحتلاله الأراضي السورية، والقضية الكردية، وعودة اللاجئين السوريين، رغم أن التقارب بين تركيا وسوريا لا يزال بطيئًا، إلا أن المحادثات برعاية روسيا وإيران، تشير إلى احتمالات إيجاد حلول طويلة الأمد بين الطرفين، وهناك رغبة من الطرفين للتوصل إلى تفاهمات، خاصة بعد انتخابات تركيا الأخيرة، التي دفعت أنقرة للبحث عن استقرار إقليمي، يساعدها في حل مشكلاتها الداخلية المتعلقة باللاجئين والوضع الأمني على الحدود التركية السورية.
ـ وأخيرا على الرغم من أن الجهود الأممية لإيجاد حل سياسي، خاصة من خلال ما تسمى اللجنة الدستورية السورية، التي تشرف عليها الأمم المتحدة، لم تحقق تقدمًا في السنوات الماضية، لكن هناك جهود دولية مستمرة لإعادة إحياء هذه المفاوضات، بدعم من القوى الدولية مثل روسيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا، على خلفية الأزمة الأوكرانية، فإن هناك بعض التعاون المحدود حول الملف السوري، الطرفان يدعمان بشكل مختلف الجهود الدبلوماسية الأممية، ويعملان على منع تصعيد الصراع العسكري، خصوصًا في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا.