No Result
View All Result
المشاهدات 2
مصطفى بالي_
يقول عزيز نيسين: (يمشي الكلب في ظل العربة، فيظن أن ظلها هو ظله)، هي مقولة لا تختلف من حيث جوهرها ومغزاها عما توصلت إليه مباحث علم النفس والسايكولوجيا الاجتماعية عن الأمراض النفسية، التي قد تعتري الأفراد أو المجتمعات، وتؤثر في أنماط التفكير وتقولب تلك الأنماط في المشهد الاجتماعي العام بسهولة، مثلما تتقولب الأنماط الذوقية المتعلقة بالموضة مثلاً أو بمعلبات الكونسروة المحفوظة على رفوف المحلات الفاخرة، أو حتى مثل الذائقة السمعية التي كانت قبل عقدين أو ثلاثة لا تسترخي من يوم عمل مجهد إلا بالاستماع إلى فيروز مثلاً، فأصبحت لا تحتاج اليوم – بعد يوم بطالة طويل – إلا برؤية خصر إحداهن من المتهمات بالفن والغناء، فيطلق العنان لثوران الغرائز معتقداً أنه يتفاعل مع الفن.
من مفارقات البؤس المثير للشفقة بالنسبة للافتراضي المتذاكي الذي يسير في ظل العالم الافتراضي، أنه يجهل أساساً بأن هذا العالم الافتراضي قد ألغى الظل عندما ألغى العربة، وبالتالي فإنه مكشوف في العراء، وكل ما يكتبه ضد الإدارة، هي ظل وهمي لعربة وهمية قرر هو أن يستظل بظلها.
مما لا شك فيه، هو أن هذه الإدارة، بكل مكوناتها، بكل هيكليتها، بكل أشخاصها، بكل مؤسساتها، هي مغامرة عظيمة، وكبرى في هذا الخضم المتلاطم، وهي أمام تحديات كبرى تحتاج إلى الكثير من الصبر، الدراية، الحكمة والهدوء والرزانة، الاتعاظ، التحمل والمكابرة، الإمساك بجمرة النار لكي لا تنطفئ الجذوة، وهي وسط كل هذه المصاعب والتحديات، الحصار المحكم عليها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، ووسط هذا التحول اليومي والتغير اليومي في خارطة التحالفات والتوازنات الدولية والإقليمية والمحلية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تبني ثابتاً على أرضية غير مستقرة – هكذا تقول الفيزياء – وعليه فمن الطبيعي أن أداء هذه الإدارة، سياسياً، عسكرياً، اقتصادياً، واجتماعياً سيعتريه الكثير من الإرباك، والخلل والأخطاء، والمتذاكي الافتراضي الذي يكتشف الخطأ وكأنه اكتشف انشطار الذرة يريد أن يقنعنا أنه ما كان لأحد أن يكتشف هذا الخطأ لولا صفحته الفيسبوكية العظيمة، وشهادته الأكاديمية التي حصل عليها في أوقات فراغه وهو يتاجر على بسطته، التي فتحها له والده عندما استقطع رأسمالها من رزق إخوته، وأرسلها له إلى مهجره.
حقيقة هذه الإدارة بكل مفاصلها تُخطِئ، تخطئ كثيراً، تُخطئ يومياً، وكذلك الأشخاص الذين انخرطوا في مفاصل هذه الإدارة أيضاً يخطؤون، هم بشر، بعضهم أقوياء، بعضهم ضعاف، بعضهم أحرق كل سفنه وراهن بكل حياته وعائلته على سفينة هذه الإدارة، بعضهم ترك لنفسه ولعائلته هامشاً للمناورة وأبقى على بعض خياراته، بعضهم نزيه لدرجة التخمة وكأنه يملك الحياة بما فيها وبعضهم ما زالت ندوب أنظمة الحكم غائرة في طبيعة تفكيره، فيضعف أمام إغراءات المال والسلطة، بالعموم، هذه الإدارة ومن ينخرط فيها، أو حتى من يعيش تحت ظلها، هنا في هذه البلاد هم في حلم جميل، ورغبة جامحة تستحق منهم جميعاً هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر والتحديات والأخطاء.
الإشارة إلى الخطأ ومكامنه، جزء من تصحيح الخطأ وتصويب المسار، لا شك في ذلك، وكنت سأصدق وأحترم أولئك المستلقين في ظل العربة لو تلمست منهم مثلاً ولو لمرة واحدة الإشارة إلى إيجابية واحدة فقط في الإدارة، ذلك أنه حتى الساعة المتوقفة تكون صحيحة مرتين على الأقل في اليوم، لكن أن تترك كل شيء وأنت مستلقٍ في ظل عربتك لتتساقط كل أخطاء هذه الإدارة، وتحاول أن تشوه كل ما يصدر عنها بحجة أنك أكاديمي، حر، مستقل، أو غيرها من الأكاذيب، فصدقني عندما تتحرك العربة ستدهسك ولكن لن تملك الطاقة حتى للنباح لكي تلفت أنظار سائق العربة لأنك ستكون قد استنفذت كل طاقتك للنباح.
نصيحتي – وكانت النصيحة بجمل – أعمل ما قد يُفيدك، لأن الذين أسسوا هذه الإدارة منذ أكثر من أربعة عقود، لم يعوقهم أي صوت، دائماً لوحدهم، فكروا قالوا فعلوا، والآن سيبقى الأمر كذلك كل ما في الأمر أنك تستهلك طاقتك التي ستلزمك ذات يوم فيما إذا قررت أن تنبح من أجل نفسك.
No Result
View All Result