الترحال نمط حياة يعيشها مربي المواشي الرحل، ولكن ضمن ظروف الحرب التي يشهدها سوريا بشكل عام يعانون الكثير من الصعوبات الأمر الذي يؤدي إلى تقييدهم والحد من ممارسة عملهم هذا.
وكالة نورث بريس أخذت صورة عن حياة مربي المواشي الرحل في ظل الظروف الراهنة ومن خلالها نستنتج بأن الحرب السورية أثرت بشكل كبير على حياتهم في الترحال وقيدت نشاطهم.
في خيمة مصنوعة من أكياس الخيش ومبطنة بأقمشة قطنية يتوسطها عمودٌ خشبي، يعيش حمدان الرزاق، وهو أحد مربي المواشي الذين حافظوا على عادة الترحال في الربيع، برفقة عائلته في قرية “أم ميال” أقصى جنوب غرب مدينة منبج، شمالي سوريا، حتى يستطيع تخفيف مصاريف تعليف أغنامه من خلال رعيها في حقول وأراضي المنطقة.
تنتمي عائلة حمدان الرزاق (40 عاماً) إلى عشيرة العكيدات “الأبرز”، وهم من سكان قرية “جب مخزوم” شرق مدينة الباب، وكثيراً ما تشبه حياتهم بنمط عيش العرب الرحّل أو “الكواجر” وفق التعبير الدارج محلياً، حيث يعتمدون في مصدر رزقهم على تربية المواشي، بينما يعمل قسم صغير منهم في زراعة البساتين والحبوب.
“حياتنا كلها ترحال بترحال”
وتبدأ رحلة الرعي الربيعية منذ بداية نيسان/ أبريل وتنتهي بحلول شهر أيلول من كل عام، يتجولون خلالها بين مراعي المنطقة، يقول الرزاق: “حياتنا كلها ترحال بترحال فالمراعي توفر علينا الكثير”.
وأثرت ظروف الحرب في سوريا خلال السنوات السابقة على مربي المواشي الرحّل من حيث تقلص المساحة التي يمكن لهم ارتيادها نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية ومخاطر الابتعاد في رحلة بعيدة، بالإضافة لصعوبة تأمين مياه الشرب للمواشي وحمايتها من السرقة.
وكان هؤلاء المربون، لا سيما من منطقة الباب، شرق حلب، يجوبون قبل الحرب المناطق السورية كالجزيرة ومسكنة في ريف منبج الجنوبي والرقة وبادية السخنة بريف حمص ومنطقة تدمر بحثاً عن المراعي والأراضي الزراعية التي حصدت محاصيلها.
ويضيف “الرزاق” لوكالة “نورث برس”: “قبل الحرب كنا نتجول كثيراً، ولكن اختلف الوضع بعد الحرب، حيث لا يمكننا الابتعاد كثيراً عن منطقتنا خشيةً على أنفسنا من القتل أو سرقة مواشينا”.
ويعيل حمدان الرزاق عائلة من عشرة أفراد، من ضمنهم والدته وابن أخيه الذي يساعده في أعمال رعي الأغنام وسقايتها، فيما تقوم زوجته بحلب الأغنام وتحضير الحليب، الجبن والزبدة التي يبيعونها لتغطية المصاريف المعيشية وتأمين مستلزمات تربية الأغنام من أعلاف وأدوية وضمان زروع.
الاعتماد على الأعلاف سيكلفهم مبالغ طائلة
وتسوّق تلك المنتجات عبر تجار محليين ينقلونها في كل صباح إلى مدينة منبج لبيعها، حيث يدفع التاجر /1800/ ليرة سورية للكيلو الواحد من الأجبان.
ويقول “الرزاق” الذي يملك قطيعاً يضم /200/ رأس غنم، إن الاعتماد على الأعلاف طوال العام سيكلفهم مبالغ طائلة، الأمر الذي لن يمكّنه من جني أرباح مناسبة، وإن “الأمر مكلف جداً دون الرعي، فقد أحتاج إلى شراء الأعلاف بتكلفة /75/ ألف ليرة يومياً، لذا نضطر إلى المغادرة من منطقة لأخرى بحثاً عن المرعى والماء”.
وتستهلك المواشي التي يملكها قرابة /30/ برميلاً من الماء يومياً، يتدبرها من سكان القرية بشكلٍ مجاني، في حين يلجأ مربون آخرون إلى شراء المياه لتأمين حاجة مواشيهم منها.
وقال محمد الحمد (39 عاماً)، وهو أحد مزارعي قرية “أم ميال” جنوب مدينة منبج، إن “الكواجر” يأتون كل عام إلى المنطقة، ويستأجرون الأراضي ذاتها معظم الأعوام، وإن الأوضاع هذا العام لا تختلف كثيراً عن سابقه.
وأضاف أن أسعار “ضمان الأراضي” لم ترتفع كثيراً، فكل عام يتم تحديدها بما يتناسب مع التكاليف التي يدفعها المزارعون، ويقول: “أملك مساحة هكتارين أعطيها كل عام للأشخاص أنفسهم سواءً ضمان زرع أم فراز(أرض محصودة)، ولا نفرق في السعر بين مربي المواشي من منطقتنا والكواجر القادمين من أرياف أخرى”.
لكن بعض مربي المواشي الوافدين إلى المنطقة اشتكوا من ارتفاع أجور الأراضي الزراعية التي يتم استئجارها من المزارعين للرعي فيها سواء قبل الحصاد أو بعده عبر اتفاق يسمّى “ضمان الأرض”، بالإضافة لمساحة لنصب خيمة لإقامة العائلة وسقاية المواشي وتجميعها فيها ليلاً.
“الأمر استغلال”
وبلغت أجرة هكتار واحد من الأرض غير المزروعة “البور” /43/ ألف ليرة سورية لإقامة العائلة وقطيعها، في حين كان “ضمان” هكتار واحد مزروع بمحصول الشعير حوالي /55/ ألف ليرة، بينما كلّف استئجار الأراضي المحصودة “الفراز” /12/ ألف ليرة للهكتار الواحد.
ويقول مربي الماشية: “الأمر استغلال، فهم يعرفون حق المعرفة أننا مضطرون للرعي ولا نستطيع التوجه إلى منطقة أخرى”، متمنياً أن تعود تلك الأيام التي كانوا يجوبون فيها المناطق والمحافظات السورية دون قيد أو شرط.
بينما قال عمار العلي، وهو مزارع من ريف منبج، إن السبب في رفع تسعيرة “ضمان الأرض” يعود لرداءة المحصول وخسارة المزارعين هذا العام، الأمر الذي دفعهم للتفكير في كل شيء يخفف خسارتهم.
وأضاف: “هكتار الأرض لم ينتج هذا العام إلا قرابة عشرة أكياس من الحبوب، الأمر الذي لم يمكن المزارعين من تغطية نفقات زراعتهم”.