لم يعلم يزن الظاهر (14 عاماً) أنه وبمجرد عودته مع عائلته إلى منزلهم في مدينة منبج، شمالي سوريا، بعد نزوح دام نحو شهرين ونصف، أن مجرى حياته سيتغير من جديد.
كان أول ما تفقده الظاهر بعد دخوله المنزل هو الحديقة الصغيرة في منزلهم، ولم يخطر بباله أن يكون متطرفي (داعش) قد زرعوا ألغاماً، حيث كانت عائلته تزرع الورود.
وكانت العائلة قد نزحت من مدينة منبج، أثناء اشتداد المعارك التي دارت بين قوات سوريا الديمقراطية ومرتزقة (داعش) إلى الريف الغربي للمدينة عام 2016، ليعودوا إليها بعد نحو شهرين ونصف، بعد تحرير المنطقة من المرتزقة في آب من العام ذاته.
ويأمل يزن الظاهر (14 عاماً) منذ قرابة أربعة أعوام، استعادة بصره كما كانت حاله قبل العام 2016، إلا أنه لم يحدث أن طرقت واحدة من المنظمات المعنية بمساعدة ضحايا الألغام باب منزلهم من قبل، رغم أن الكثيرين من المتضررين من الألغام تلقوا المساعدة في إجراء عمليات وتلقي العلاج.
/12/ ألف ضحية في شمال وشرق سوريا
يقول “الظاهر”، الابن البكر لأبويه لوكالة نورث برس: “لا أستطيع التحرك لوحدي إطلاقاً، حتى عند ذهابي إلى المرحاض أكون بحاجة إلى شخص يأخذني ويعيدني إلى غرفتي، اللغم غيّر حياتي”.
ويبلغ عدد الضحايا من المتوفين والمصابين في مناطق شمال وشرقي سوريا بسبب الألغام حتى الآن حوالي/12/ ألف شخص، “المناطق التي سجلت أكبر عدد من الضحايا هي مدينة الرقة وريفها”، بحسب مدير منظمة روج لإزالة الألغام عدنان حسن.
ووجد الابن نفسه بعد انفجار اللغم به في أحد مشافي مدينته، جميع الألوان كانت سوداء في نظره، حيث قال: “بعد انفجار اللغم سقطت على الأرض مغمياً عليَّ، فقام أبي والجيران بنقلي إلى مشفى الفرات في مدينة منبج، وبسبب صعوبة حالتي تم نقلي إلى مشفى الأمل في كوباني لكن لم يستطع الأطباء تقديم أي نوع من العلاج لحالتي”.
ونُقل بعدها إلى مشافي قامشلو للعلاج ليتم نقله إلى العاصمة دمشق، وتابع بالقول: “انتهى بي المطاف في مدينة دمشق بمشفى المواساة التابعة للحكومة السورية، حيث تم تقديم العلاج اللازم لي، لكني لم أرَ أحداً، لا والدي ولا والدتي، ولا حديقة منزلي بعدها”.
ولصعوبة الوضع المادي للعائلة، اضطر والده أن يبيعا كامل بضاعة محله للوازم “الستالايت”، من أجل تأمين تكاليف علاج ابنه، تكاليف رحلة العلاج كلها كانت على حساب والده بدءاً من انطلاقهم من مدينة منبج وحتى وصولهم إلى دمشق، ولأن والده لم يملك القدرة المالية لمتابعة علاجه، توجهوا حينها إلى مشفى المواساة المجاني.
“كنتُ أحلم أن أصبح لاعب كرة قدم”
في التشخيص الأول لحالته، أخبر الأطباء في مشفى المواساة والده، أن الشظايا اخترقت عيناه ومزقت الشبكية وأنه لا يوجد أمل في أن يعود كما كان سابقاً، وأن كل ما بوسعهم فعله هو وضع عينين اصطناعيتين كنوع من التجميل لكنهما لن تُفيداه في الرؤيا.
ويكرر الفتى اليافع تحسره على حلمه بأن يصبح لاعباً محترفاً بكرة القدم وعدم تمكنه من متابعة تعليمه “أعشق رياضة كرة القدم، كنت أحلم أن أصبح لاعب كرة قدم محترف وأصل لمستويات عالمية لكن كل أحلامي ذهبت سدىً بعد إصابتي”.
بعد إجراء عمليات تجميل لوجه “الظاهر” في مشفى المواساة وتشخيص حالته أكثر من مرة، أخبر الأطباء والده أن الظاهر سيتمكن من الرؤية مجدداً في حال أُجريت له عملية زراعة القرنية، وكان ذلك بداية أمل جديد.
لكن الظروف المعيشية الصعبة وتكاليف إجراء العملية خارج البلاد، تقف هذه المرة عائقاً أمام العائلة، فوالده يعمل حالياً سائق على سيارة أجرة قام أعمام الفتى بشرائها للأب حتى يعيل عائلته.
أضاف الظاهر: “يخرج والدي صبيحة كل يوم للعمل ليعود في المساء حاملاً معه الخبز والقليل من لوازم المنزل، وبسبب الغلاء استغنينا عن الكثير من المواد، فيومية والدي لا تتجاوز \4000\ ليرة كحد أقصى”.
وأصيب الوالد قبل سبعة أشهر بجلطة دماغية، ما أفقده النطق نسبياً، فهو لا يستطيع لفظ الكلمات وإن تحدث فأغلب كلامه غير مفهوم، وحول ذلك يقول الظاهر: “أشعر أن والدي أصيب بالجلطة نتيجة تفكيره بي وبحالتي”.
في مقر “جمعية نور المستقبل الخيرية” بمدينة منبج، التي قصدتها وكالة “نورث برس” للسؤال عن السبب في عدم تلقي مصابين من أمثال يزن الظاهر، المساعدة أو الرعاية من جانب المنظمات المعنية بمثل حالته، أبدى مدير الجمعية، خالد المحمد، بعد اطلاعه على وضع الطفل الصحي ومراجعة إضبارته الطبية الصادرة من مشفى المواساة في دمشق، استعداد جمعيتهم للتكفل بعلاجه في الخارج من أجل إجراء عملية زراعة قرنية له.
ويضيف: “سنعمل على إجراء عملية زرع القرنية للطفل يزن وسنتواصل مع بعض الأطباء السوريين في الخارج لنقل الحالة إليهم وتشخيصها وبعد الانتهاء من التشخيص، سيتم تحديد موعد لإجراء العمل الجراحي”، على حد قوله.
حلم الظاهر أن يعود النور إلى عينيه
وتبلغ نسبة نجاح عملية زرع القرنية للطفل يزن الظاهر قرابة /98/ بالمئة، بحسب ما أشار إليه الطبيب محمود حسو، الأخصائي بأمراض العيون وجراحتها في مدينة منبج: “سيستطيع الرؤية مجدداً لأن الشظايا أدت لاختراق القرنية فقط ولم تصل إلى الشبكية، وبالتالي العملية التي ستُجرى للظاهر هي عبارة عن عملية تحت مسمى رأب القرنية، حيث سيتم استبدال جزء من القرنية بأنسجة قرنية أخرى من متبرع”.
وتقول إدارة الجمعية إنها قامت بتقديم أطراف صناعية لستة أشخاص من مدينة منبج، كانوا قد فقدوا أجزاء من أجسادهم نتيجة انفجار ألغام وقصف طائرات.
ويبقى حلم الظاهر أن يعود النور إلى عينيه، ويردف بالقول: “أتمنى لو أنني أتمكن من الرؤية مجدداً لأرى عائلتي وحارتي، كيف أصبحوا وماذا تغير؟ ولألعب مع أصدقائي وأرتاد مدرستي التي كنت أحبها كثيراً”.