No Result
View All Result
المشاهدات 0
عبد الرحمن محمد –
“اطلب العلم من المهد إلى اللحد”، العلم نور” أمثال وحكم طالما سمعناه وسمعنا بالكثير غيرها، عن فضل وأهمية العلم في حياة الإنسان، ولا أحد يستطيع نكران ذلك، فالعلم والمعرفة سلاح الإنسان الأبدي في كل الأوقات والأماكن ولا يمكن لاثنين أن يختلفا عليه.
ولأن طلب العلم لدى الكثيرين كان يقتصر على سنوات عدة يحصل فيها بعضاً من المعرفة والتنوُّر ويثبت كفاءاته بشهادة ما، فإن البعض يرى أن طلب العلم قائم ما دمنا نعيش ولعل الأستاذ الجليل طارق علوان كان من هؤلاء الذين طلبوا العلم من المهد إلى اللحد.
طارق جاسم علوان الزميل والمربي والمدقق اللغوي في صحيفتنا “روناهي” عرفناه على مدى سنوات ثلاث، إن شئنا أن نحسب السنوات بأيامها وتواريخها، لكنها كانت سنوات وسنوات في عمل يحتاج إلى ذهن متفتح وفكر متيقظ وثقافة عالية واطلاع واسع.
ليس من باب المدح أو الوصف ما أقول، عرفنا في الزميل طارق علوان روح التعاون والتشارك والثقافة والاطلاع الواسع وسعة المعرفة، والدقة المتناهية في العمل، هذا من الجانب المهني وفيما يخص عمله كمدقق لغوي وبخاصة أنه كان ممن عمل في البحث في مجال النحو والإعراب والصرف في اللغة العربية، وأصدر عدة كتب في ذلك.
في مجال التقارب الفكري كانت الناحية الأهم، فالزميل طارق كان من المكون العربي ومن مواليد دير الزور، التي تتميز بخصوصيتها العربية، ودرس وتثقف وتَعلَّم وعلَّم العربية في مجتمع عربي، لكنه كان متفتحاً متقبلاً للآخر، ورغم اختلافات التوجه الثقافي والسياسي والإعلامي عن محيطه السابق – نوعاً ما- إلا أنه كان سريع التأقلم مع المحيط الجديد واستطاع أن يجد مكانه وأن تكون له مكانته ودوره في الصحيفة، ولتمكنه ودراسته وأبحاثه في اللغة العربية فقد كان عمله كمدقق للغة العربية ما أضفى رونقاً وجمالاً وتمكناً من نواصي اللغة العربية من حيث اللغة التي تتبناها الصحيفة كمفردات منتقاة تستطيع من خلالها الوصول إلى شرائح القراء كافة من أكاديميين ودارسين وممن يجيدون القراءة والكتابة فقط، لتكون لغة بيضاء مقروءة ومفهومة من الجميع.
أما في التواصل والتعامل اليومي فقد عرفناه مثال الأخ الأكبر الناصح الغيور، والجَلد والصبر والتعاون، واحتواء الأصغر منه سناً، ومشورة الأصدقاء والزملاء، والثقافة الواسعة التي نهل منها، ولم يبخل بها على زملائه وكان كمرجع لنا في كل ما يخص اللغة العربية من صرف ونحو وقواعد.
الفقيد والزميل طارق علوان الإنسان كان مفعماً بالإنسانية عطوفاً ومسالماً، كثيراً ما كنا نتناقش؛ إذ يرى مشهداً مؤلماً أو يسمع خبراً موجعاً في مكان ما، ويقول: “إن الإنسانية تكاد تموت، والأخلاق والحضارات والمبادئ تحتضر، إنه زيف السياسة ورعونة السياسيين ومزادات المتسلطين”، وفي آخر زياراته إلى مسقط رأسه دير الزور كان تأثره شديداً ولم يكن بقادر على كتمان غيظه وحنقه، وفي اتصال هاتفي من بيته الذي دُمَّر نصفه ونهب النصف الآخر حدثني قائلاً: “ما رأيته لن يوصف أبداً مهما تحدثت عنه ومهما كتبت، الدمار والوجع والدم في كل مكان، وفي بيتي نصف المدمر، تتجسد كل مأساة الوطن، بعضه مدمر، وبعضه منهوب، حتى أحلامي وآمالي وأعمالي التي أنجزتها طيلة عمري نهبت وسرقت وأحرقت”، وعندما عاد كانت هديته لنا بعض نسخ من كتبه التي نجت من براثن المرتزقة.
الفقيد كان من مواليد دير الزور عام 1946م، وحاصل على ماجستير في اللغة العربية، عمل مدرساً للغة العربية في دير الزور ودمشق ومن ثم سافر إلى السعودية ليعمل فيها مدرساً للغة العربية لثلاثة عشر عاماً، عاد إلى سوريا وإلى التدريس، له ستة عشر عملاً أدبياً مطبوعاً في الشعر والنحو والإعراب وقواعد اللغة العربية، متزوج وله ولد وثلاث بنات، غادر دير الزور بعد اشتداد المعارك فيها بين مختلف الفصائل المسلحة والنظام، فقصد حلب ومنها إلى قامشلو عام 2012م، وعمل في صحيفة روناهي كمدقق للغة العربية منذ عام 2015م.
أستاذ فاضل، وزميل ناصح وشخصية ثقافية، يتركنا ويرحل بجسده، لكنه يترك فينا الكثير من الحب والتقدير له، ووعداً بالمثابرة ودعاءً له بالرحمة والخلود والصبر والسلوان لأهله وذويه ومحبيه، لنقول له:
” قالوا رحلتَ…
ثكلى دواويني
يا صاحب السلوى
من ذا يواسيني
ما زال ظلك
في الأنحاء يبتسم
ونبض كلماتك
يجوب شراييني
يا صاحب الحرف
الموشى بالذهب
في العين ملح
وفي القلب ثارت
كل البراكين…”.
No Result
View All Result