No Result
View All Result
المشاهدات 0
عبدالرحمن محمد –
لم تكن ثورة روج آفا محض صدفة؛ أو ردة فعل على أمر طارئ، بل كانت ثورة على الاستبداد والتفرد والانكار الذي كانت شعوب شمال وشرق سوريا؛ وبخاصة الكرد منهم يعانون الأمرّين منها، ولأن الثورة كانت صفعة للكثيرين ممن كانوا يريدون لهذه الشعوب مزيداً من التخلف والجهل، فقد انضم إليها الكثيرين ووقف في وجهها الكثيرين أيضاً، وكانوا لها بالمرصاد، فحاولوا النيل منها بالقول والفعل والسلاح، لكنها مضت إلى غايتها تاركة الكثيرين في غيهم وجهالتهم لتصل بكافة شعوبها إلى بر الأمان والسلام والحرية.
هذه الثورة فتحت الكثير من الآفاق والموضوعات والسبل لنوع جديد من الأدب والفكر، وجادت قريحة الكثيرين ممَّن أُجبرت أقلامهم على عدم البوح، وتاقت الصفحات إلى كلماتهم، وكانت الملاحم البطولية التي خاضها أبناء الشمس والنار، أحد أهم تلك المناهل التي سُطرت عنها آلاف الصفحات وما زالت الكثير منها تنتظر الوصول إلى العالم أجمع ليقرأها ويعرفها.
في كتاب “للشفق وقت آخر” نتعرف على وجه آخر من وجوه الأدب، أدب الحرب والمقاومة، والسِيَر الذاتية التي برع الكثير من الكتاب في كتابتها، ولاقت ولا تزال تلاقي الإقبال على قراءتها، وفي كتابنا هذا نقل دقيق لتفاصل ومجريات أحداث هامة عن البعض من الملاحم التي دارت فصولها في مناطق روج آفا وكان أبطالها من وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، ترويها الكاتبة التي عاشت فصولاً منها وجالست وخاطبت أبطال تلك الحملات والمعارك الدفاعية التي دارت رحاها في مناطق عدة من روج آفا، وبأسلوب شيق بعيد عن التصنع وكلمات بسيطة، ولغة أدبية رصينة، تطلعنا “حنان رشكو” على فصول من تلك الملاحم تارة، وتضعنا أمام افعال ورد فعل أولئك المقاتلين والمقاتلات، وحتى ما كان يختلج في نفوسهم أحياناً من خلجات، وحتى تلك التفاصيل الصغيرة.
تتحدث حنان بداية عن تلك الجماعات المرتزقة التي اختلفت تسمياتها وتوحدت أفعالها ومآربها وأعمالها الإجرامية بحق الإنسانية وليس بحق سكان روج آفا وحدها:
” رأيت بعض الغرباء بثيابهم غير المألوفة قد كانوا في زي مغاير لزي المنطقة، كانوا يتقدمون نحونا من على بعد كيلو متر، حينها أدركت أننا في مواجهة إحدى الفصائل الارهابية، لربما تكون جبهة النصرة لواء التوحيد، أحفاد الرسول أو أحفاد صلاح الدين، وإن اختلفت التسميات فهم في النهاية عدو أرضنا عدو بلدنا…”.
لا تمضي الكاتبة بعيداً حتى تسوق بعضاً من ردات الفعل الغاضبة، لترينا ما يختلج في صدور المقاتلين من غضب عارم وما يتحلون به من أخلاق نبيلة يندر وجود مثيلها في مقاتلين آخرين، وتورد قصة أحد المقاتلين مع أحد المصابين من المرتزقة:
“بينما كان رفيقان يحملان الجريح، أخرجت السائق من السيارة بكل قوتي، ومن شدة غضبي آنذاك أوشكت أن أُفرغ سلاحي في صدره، لكن سرعان ما أمسك هفال تكوشر بيدي ليمنعني دون أن يتكلم، محاولاً تهدئتي بصمته”.
ثم تتابع لتبرز الأخلاق العالية والروح الإنسانية في حوار مقتضب بينها وبين رفيقها:
” ـ إذاً أنت تريد أن يبقى حياً
ـ ليس من شيمنا أن نقتل عدواً حتى وإن كان أسيراً لدينا، لا عليك سيتلقى محاكمة عادلة.
فهمَّمت بالخروج، وقبل أن أغلق باب الغرفة خلفي تماماً ألقيت نظرة إلى الرفاق الموجودين علهم يوافقونني الرأي، وكأن هفال تكوشر فهم قصدي بأنني مصر على قتله، فنادى بصوت عالٍ: مقاتل YPGلا يقتل عدوه الأسير”.
تتجول بنا حنان رشكو في ساحات الشرف وخنادقها، وترينا الصورة تلو الأخرى، لوحات متعددة الألوان من المقاومة والبطولة والفداء، من تل كوجر إلى كر زيرو فسري كانية وربيعة وسليمة وتل حميس وغيرها، ونكاد نسمع صوت أزيز رصاص معارك الشرف وهمسات الشهداء ووصاياهم وهم يلقون النظرة الأخيرة على وطن رووّه بدمهم، وانضمام عشرات المقاتلين وهم يتنافسون على حمل سلاح الشهيد، والأهوال والعزيمة والتصميم على المقاومة حتى الرمق الأخير:
“كان أول يوم من بداية السنة الميلادية الجديدة، لم يستطع أحدنا ان يتفوه ولو بكلمة في تلك اللحظة، من هول المشهد الذي رأيناه، مشهد جثمان الشهيد ومن حوله ستة قتلى من العدو”.
هي مفردات ثورة، وأنفاس مقاتل يتربص بمن يحاول اغتيال ابتسامة أطفال وطنه، فيذود عنها بكل ما فيه من عزم وبطولة، مفردات تحكي الكثير عن بطولات ما زالت تسطر كلماتها في سجل التاريخ.
الكتاب صدر في طبعته الأولى لعام 2018م. عن دار شلير للنشر في قامشلو، ومن سلسلة منشورات الشهيدة جيندا، وجاء في 128 صفحة من القطع المتوسط.
أما الكاتبة الشابة حنان رشكو فهي من مواليد مقاطعة قامشلو، تحمل شهادة الحقوق وتعمل كعضوة في مركز شوبدارن روجه للثقافة، تكتب القصة والمقالة والرواية، ولها مشاركات في فعاليات المركز وفي العديد من الفعاليات الثقافية في شمال وشرق سوريا.
No Result
View All Result