منذ انطلاقة حركة التحرر الكردستانية في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، كانت الصحوة الكردية، التي جاءت بعد مرور ما يقارب الأربعين عاماً من آخر الانتفاضات الكردية، وأبشع الجرائم التركية التي اُرتكبت بحق الكرد على مدى تاريخ سلطنة الدم والمار وخلافة العار المزعومة، وكانت انتفاضة ديرسم آخر فصول المقاومة الكردية التي ظن ساسة الأتراك أنهم دفنوها إلى الأبد.
ولأن حركة التحرر الكردستانية ظهرت بالأساس من خلال يقظة فكر شباب مثقف واعٍ ومدرك لحقيقته وواقعه وساعياً إلى الخلاص، فإن تلك الحركة كانت وما زالت تتخذ من تحرير الفكر والعقل منطلقاً لها، لأنها ترى في حرية الفكر حرية للإنسان بكل إثنياته ومعتقداته وقومياته وبكل فئات المجتمع وطبقاته وشرائحه من شبيبة وطفل ومرأة ومثقفين وعمال وفلاحين.
ذلك الفكر المتفتح والمتنور والمتيقظ الذي رأى في التحرر الفكري هدفاً ومنطلقاً، كان يدرك إن لكل ثورة لابد من منطلق وقوة لدفعها للأمام أولاً، ومن ثم حمايتها والدفاع عنها، وبهذا كانت انطلاقة ثورة فكرية بعزيم الشبيبة وعقلانية المفكرين واعين، والاعتماد على مناضلين ثوريين بكل ما للمفهومين والمعنيين من حقائق لا بد لها لتحقيق النصر.
في كتابه “المسألة الشخصية في كردستان” والذي صدر باللغة التركية عام 1983 للقائد والمفكر عبدالله أوجلان ثم ترجم إلى العربية، والذي كان مجموعة من المحاضرات التي أُلقيت على المجموعات الأولى المنضمة إلى حزب العمال الكردستاني من قِبل القائد عبدالله لأوجلان خلال التدريبات، الكثير عن أهمية الخصال والخصائص التي يجب أن تتوافر في المناضل الثوري، ليكون على قدر تلك المهمة والمسؤولية العظيمة، ولذلك تم نشر ما يتعلق بخصائص المناضل الثوري في كتاب خاص لأهميته وما يتضمنه من أفكار ومعطيات، وما على المناضل الثوري أن يتمتع به من خصال وخصائص.
“ليس هناك أي سبب يمكنه أن يمنع حزباً يضم في صفوفه مناضلين ويستند إلى مثل هذا الأساس المتين، من تقاليد المقاومة من خلق النجاحات والانتصارات العظيمة في المستقبل، إن تقاليد المقاومة عندنا هي تقاليد نبيلة ومجيدة، نستطيع أن نذكر مئات الأمثلة المؤكدة لها، إنها مقاومة يبديها لا الشهداء فقط بل وأولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة في الداخل والخارج” من مقدمة الكتاب والذي أعدته ونشرته لجنة بحوث العلوم الاجتماعية، وهكذا يتوضح جزء يسير مما يضمه الكتاب في صفحاته.
وفي فصول عدة تضمنها الكتاب نقرأ أهم الخصائص والصفات التي يتمتع بها ويجب أن تتوافر في المناضل الثوري، والتي يراها القائد والمفكر أوجلان من خلال تجربته وحنكته ومعايشته للواقع المرير الذي تعيشه أجزاء كردستان والشعوب المقهورة الأخرى من جهة، ومن خلال مخالطته وعمله ونضاله مع رفاق الكفاح والنضال والسلاح، في الحراك والنضال الجبهوي الشعبي والكفاح المسلح في جبهات المقاومة:
“إن من لا يقاتل اليوم بوعي ومشاعر وطنية متأججة في جبال وطنه، ومن لا يدعم مثل هذا القتال من مكانه سواء في القرى أو المدن، في السهول والوديان، لا يمكن أن يكون وطنياً حقاً، ومن الطبيعي أن الموقف اللا وطني لا يستطيع أن يتحرر من الغرق في أوحال العمالة والخيانة”.
في قراءة ولو سريعة يبيّن لنا القائد اوجلان بكلمات قليلة ملخصة شرحاً ورأياً صريحاً لأشكال المقاومة والوقوف معها أو ضدها، وأن للمقاومة والنضال أشكال كما للعمالة والخيانة أشكالها.
في أعماق الكتاب وحيث الصفات والخصال الثورية تجذبنا الواحدة تلو الاخرى والتي يسردها القائد أوجلان بمنطقية ودراية وفي إحدى الصفات الأساسية للمناضل الثوري يقول: “يشكّل الإبداع إحدى السمات الهامة التي يتحلى بها المناضل، وهذه السمة تشكل أحد العوامل الأساسية لنجاح عمل الفرد”.
الكتاب من سلسلة الكتب الهامة التي نشرتها لجنة بحوث العلوم الاجتماعية، وجاء في 128 صفحة من القطع الصغير وطبع في مطبعة شلير بقامشلو، يأتي كقراءة لنظرة القائد أوجلان وخلاصة تجربة طويلة وعملية له في رؤيته لخصائص المناضل الثوري الذي يمكنه بحق قيادة وريادة مجتمع يرنو للحرية فكرياً وسياسياً واجتماعياً.