سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ضفاف المعرفة/ الرواية: صدى صرخات إيزيدية ميتة/ الكاتبة: ثناء يوسف حاجي

عبدالرحمن محمد –

تتباين الآراء والثقافات، وقد تتلاقي وتتشابه في بعض الأوقات وفي مجالات معينة، لكنها في كل الثقافات المجتمعية التي ازدهرت وتزدهر اليوم تجتمع على إن الانسان هو القيمة الأغلى والكائن الأسمى بين الكائنات لأنه الكائن العاقل الوحيد.
وفي كل الحضارات التي مرت وتمر بها البشرية كانت المرأة صاحبة الحضور اللافت برغم تباين دورها ومكانتها في الحضارات المتلاحقة وتعاقبها، وإن كانت المرأة من أسباب وأساس الوجود وهي من كانت الإله الأول والمعبودة والمربيَّة والمتدبرة، ومن ثم الحاكمة والإمبراطورة، ومن ثم سُرقت مكانتها ودورها، وتم إبعادها عن عالمها الحقيقي ودورها الريادي في المجتمع وتهميشها، ومن ثم جعلها أداة وسبباً من أسباب المتعة وجانباً من جوانب الامتلاك والسلطة وابقائها في دور هامشي لا يليق بها، وهي التي بنت الحضارة ونالت مراتب الألوهية والقداسة.
 وفي وقت عادت فيه المرأة إلى دورها الريادي ومكانتها في تقاسم الدور مع الرجل والوقوف معه ليتكامل الدور الحقيقي لهما في بعض المجتمعات كما هو حال مجتمعنا في ظل الدعوة إلى أمة ديمقراطية وثقافة إخوّة الشعوب والعيش المشترك، إلا أن جماعات واتجاهات ومرتزقة جدد أرادوا لها أن تعود إلى عهود الظلام والعبودية والجهل، ومن خلال تهميشها واستغلالها ضُربت فئات المجتمع بالكامل، وكانت مرتزقة داعش من أشد اعداء المرأة بما ارتكبوه من جرائم بحقها وبحق باقي فئات المجتمع.
في رواية “صدى صرخات إيزيدية ميتة” نموذج حي وشهادة صادقة وموثوقة تسوقها الكاتبة “ثناء يوسف حاجي” إلينا لتوضح لنا جانباً وقصة من آلاف القصص التي عاناها الإيزيديون بشكل عام والمرأة الإيزيدية بشكل خاص، ومن خلال بطلة روايتها “شذى سالم بشار” في قصة ورواية موثوقة وأحداث حقيقية مشوقة تكاد ترتقي لقصص الخيال لولا شخوصها الحقيقيين، والاحداث الموثقة والروايات المشابهة، التي يندى لها جبين البشرية، وهي تترك خلفها عقدين من الزمن في القرن الحادي والعشرين، في جريمة من آلاف الجرائم التي ارتكبت بحق الإيزيديين والمرأة الإيزيدية بشكل خاص.
تتحدث ثناء بداية عن “شنكال” وما حباها الله من جمال منقطع النظير، وتفردها بالمكانة المقدسة التي تتجلى في “لالش” قبل الإيزيديين ومعبدهم، وما تمثله من مكانة لدى الكرد بجميع أطيافهم واتجاهاتهم، فشنكال رمز للتكوين والانبعاث واندماج الروح الكردية مع الجبال والأرض وتوحدهم بها، وجمال أرضها بسهولها وجبالها وينابيعها النورانية، أما “لالش” المعبد فهي كما تعرفه الكاتبة:
 “معبد خاص بالإيزيديين وحسب الميثولوجيا الإيزيدية يعتبر أول موقع استقرت فيه الملائكة وهو بمثابة خميرة الكون، ويبعد حوالي 12 كم شمال غرب قضاء شيخان، وهو من أقدس المعابد الإيزيدية وفيه يقام سنوياً مراسم عيد –جما- ويتوافد إليه الإيزيديون على مدار العام ومن جميع أنحاء العالم”.
وتعرفنا الكاتبة ببعض من الاختصار ببطلتنا العشرينية التي كانت من أحد ضحايا داعش وهي ابنة عائلة كبيرة تضم ما يقارب الخمسة عشر فرداً، ثم تقع في قبضة مرتزقة داعش وهي البنت البتول التي لا تعرف من الدنيا سوى السلام والطمأنينة والبراءة، وليس لها من الأحلام إلا لقاءً يتجدد مع الشاب الذي أحبته من اللقاء الأول لهما في معبد “لالش” المبارك لعل ذلك يبارك حبها ويرمز لنقائه وعفته، ثم تتبدل حياتها رأساً على عقب بعد وقوعها بيد المرتزقة وتورد الكاتبة أولى أشكال تلك المصيبة التي تبدأ بالسبي:
“إلى أن وقعت الكارثة، التي قتلت كل الآمال والوعود، والأحلام، غربان سود بل وحوش بشرية ضالة، ألقت بظلالها على أبناء هذا الشعب، تركتهم ما بين اسرى وقتلى، لم يسلم الصغير ولا الكبير فيهم، حيث أصبحت مع أقرانها بين ليلة وضحاها أسيرة، لتطلق عليهن صفة السبايا التي يحلل بيعها وشراءها”.
تلك بداية القصة المأساوية التي تمر كل يوم صفحة منها، وتطوي معها وجعاً وتضيف أوجاعاً اخرى، ومآسي بلون جديد، فهي تنتقل من مكان لآخر وتباع وتشترى وتستباح، وما من رادع، وهي التي رأت كيف أن داعش أطلقت جام حقدها على العشرات ممن جمعتهم في صفوف لتقتلهم بالرصاص بدم بارد، ثم ساقتها مع مثيلات لها إلى إوكار قذرة كقذارة داعش لتغتصب فيها الحرائر وتصف بدقة ذاك المشهد المقيت:
“أخرجوا الفتيات واقتادوهن لأحد أوكارهم المعدة لممارسة فحشهم، المجهزة مسبقاً لأداء طقوسهم اللا أخلاقية، وقد تجمهر فيه العشرات منهم ضمن غرفة هُيأت خصيصاً لقضاء شهواتهم، ووضعوا السبايا كقطعان خِراف تُساق للذئاب، وأمروهن بالاغتسال ولبس ثياب خاصة تُلبس لِلّيالي الداعرة…”
هي تفاصيل ربما كانت موجعة ومنفّرة بل ومقزّزة، لكنها حقيقة ما اُرتكب بحق الإنسانية من جرائم سوداء، تجلت في أسواق النخاسة الحديثة أيضاً وكأنها مزاداً للبشر، نظمها أشباه البشر، وقتلوا بها الإنسانية واغتصبوها.
تستمر “ثناء” في سرد تفاصيل المأساة التي تلوح في نهايتها خيوط أمل طالما انتظرتها “شذى” والمئات غيرها حين تصل طلائع أبناء الشمس إلى شنكال والعديد من المناطق التي لوثتها داعش وتحررها وتحرر شذى التي ترى الحياة من جديد بتحريرها و ترسم تلك اللوحة بقولها:
“لاح أمام ناظرها خيالات لمقاتلين، ميزت بينهم فتيات يرتدين الزي العسكري، مما جعلها تنتفض وتدب فيها الروح، وهي ما تزال تقف عند الحاجز العسكري التابع للقوات الكردية، هنا كالمعتاد عيناها سبقا لسانها، دموع تذرف وتجمع ما بين فرح وألم، فقد كان بالنسبة لشذى اللقاء العظيم”.
هي قصة المرأة والإنسان وقصة الظلام والنور، والبطولة والإصرار على الحياة في رواية جاءت في مئة وأربعين صفحة من القطع المتوسط، ومن منشورات الشهيدة “جيندا” التي ينشرها “مركز شوبدارن روجيه للثقافة”، وللكاتبة الشابة “ثناء يوسف حاجي” العضوة في المركز، وهي الطبعة الأولى لعام 2018 التي طبعت في “دار شلير” بقامشلو.