وأنا في طريقي إلى العمل، وقبل أن أغادر البيت في ساعات الصباح الباكر، كنت واقفة أمام الباب وإذا بصوت صياح عالٍ لرجل يصرخ ويوجه الشتائم لشخص ما، بكلمات وألفاظ مهينة، حسب ما فهمت من الصراخ الذي كانت كلماته وألفاظه واضحة جداً بالنسبة لي، في ذلك الصباح الذي كان الهدوء مهيمناً عليه، هو صراخ زوج على زوجته، لأنها ربما تأخرت قليلاً في إعداد الفطور له أو شيئاً آخر لم يكن يحتاج إلى كل هذا الصياح الذي ربما سمع به جميع المقيمين في المبنى الذي نسكن فيه. هذه الحادثة أثرت علي كثيراً وأنا في طريقي إلى العمل، فكرت بيني وبين نفسي برهةً من الوقت في هذه الحادثة المؤلمة، وقلت بصوت مسموع إلى متى سيطارد هذا العنف المرأة؟ إلى متى سنسمع صياح الرجال وهم يوجهون الشتائم للنساء لأسباب تافهة لا معنى لها؟ إلى متى سيمارس العنف ضد المرأة ونحن متفرجون حيال ذلك؟ كما حصل معي في ذلك اليوم.
رغم أنني تأثرت كثيراً وتثاقلت خطواتي على المشيء وتسارعت دقات قلبي وأنا أترك هذه المرأة تتعرض لكل هذا العنف اللفظي وأغادر المكان لأكمل دربي إلى حيث أنا ذاهبة. ولم يمضِ إلا وقت قليل.. بعد أن وصلت إلى مكان عملي، وإذ تنتظرني واقعة أخرى بعد التي تعرضت لها في الطريق. هي أول خبر تصفحته بعد أن فتحت جهاز الحاسوب للبدء بالعمل، كان عن جريمة مروعة ارتكبها رجل أردني بحق ثلاثة من شقيقاته. ربما لا تفصل بين سوريا والأردن سوى بعض أمتار من الحدود إلا أن العنف الممارس بحق المرأة اخترقت هذه الحدود وجمعت ما بين آلام ومعاناة هؤلاء النساء. حوادث العنف هذه والتي تكررت بشكل مستمر في منطقتنا ككل ناتجة عن الذهنية الذكورية المتسلطة التي جعلت المرأة خادمة وآلة للمتعة لا غير. في ظل عدم وجود قوانين صارمة تستطيع من خلالها المرأة حماية ذاتها من كل ما تتعرض له. العنف اللفظي الذي تعرضت له جارتي التي لا أعرفها، سوى أنني سمعت صوتها الحزين، وحادثة القتل التي ارتكبت بحق الشقيقات الأردنيات كلها حالات عنف ممنهجة ترتكب بحق النساء وتدخل في خدمة السياسات التي يمارسها النظام الذكوري بحق المرأة في القرن الواحد والعشرين الذي شهد تطوراً كبيراً في العديد من مجالات الحياة. على الرغم من أنني قررت ألا اكتب في هذا الشهر عن ظاهرة العنف المتفاقمة التي تتعرض لها النساء بكثرة في مجتمعاتنا، إلا أن الانتهاكات التي تواجهها المرأة بشكل يومي حالت دون حدوث ذلك، لذا قررت أن أكتب وبشكل مستمر عن كل ما تتعرض له النساء أينما كن للكشف عما يعانين رغم الجهود التي تبذلها العديد من المنظمات النسائية.