تشهد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر الصراعات الجيوسياسية تعقيداً في العالم، حيث تتقاطع المصالح الإقليمية والدولية في مشهد مُعقد من التحالفات والتنافسات، وفي خضم هذه الأجندات والتنافسات المتضاربة حيناً والمتناقضة حيناً آخر، تقف كردستان في وضع جيوسياسي واستراتيجي حساس، حيث أصبحت أراضيها ساحة لصراعات متعددة وتدخّلات لا حصر لها من قبل قوى إقليمية ودولية كبرى.
تتنوع الأجندات التي تحكم تحركات هذه القوى، لكنها غالبًا ما تتعارض مع طموحات الشعب الكردستاني وتطلعاته، فبدلاً من السعي إلى حل عادل وشامل للقضية الكردستانية، نجد أن هذه القوى تستخدم القضية كأداة لتحقيق مصالحها الخاصة. وفي ظل هذه الديناميكيات، تحاول تلك القوی أن تصبح القضية الكردستانية، رهينة لأجندات خارجية لا تتماشى مع الحقوق والتطلعات الكردستانية، بل تُسهم في تعميق أزمتهم.
تتجاوز تأثيرات هذه الصراعات حدود المنطقة (الشرق الأوسط)، لتصبح جزءًا من اللعبة السياسية العالمية، فعلى الرغم من أن بعض القوى الدولية لا تعارض جوهريًا حقوق الشعب الكردستاني، إلا أنها غالبًا ما تستغل القضیة الكردستانية لتحقيق أهدافها. هذا الاستغلال لا يتجسّد في تقديم حلول حقيقية أو دعم ملموس لحركة التحرر الكردستانية، بل يُستخدم كوسيلة لتعزيز مصالح تلك القوى الأجنبية، مما يُعقد مسار الحلول ويزيد من تفاقم الأزمة.
في السياق الإقليمي، تتمحور سياسات الدول المحتلة لكردستان حول استراتيجية تصفية كل ما تم تحقيقه من تقدّم على الساحة الكردستانية، هذه الدول تستخدم كافة الوسائل المتاحة للحد من النفوذ الكردستاني، على المستوى الوطني أو الدولي، فإن الحركة الوطنية التحررية الكردستانية تجد نفسها في موقف تواجه صعوبة في التعامل مع هذه الصراعات والأجندات المختلفة على أرض كردستان؛ فهي غير قادرة على إبعاد هذه القوى أو التوصل إلى تفاهمات تصب في مصلحة الشعب الكردستاني.
الأحزاب الكردستانية الكلاسيكية، التي تعاني من عقلية إقطاعية متخلفة، تُشكل جزءًا من المشكلة أيضًا، فهي تفتقر إلى الإرادة الحرة للتحرر من الاحتلال، وتستغل القضية الكردستانية لخدمة مصالحها الطبقية الضيقة، هذه الأحزاب لا تزال أسيرة للعقلية الأمنية والحلول التي تفرضها الدول المحتلة لكردستان، إن أنظمة الدول المحتلة لكردستان تستخدم، التهدئة المؤقتة كوسيلة للاستعداد لجولات جديدة من القمع والاضطهاد.
ورغم كل هذه العوائق؛ فإن هناك قوى كردستانية تعمل بكلِّ عزم وإصرار لحماية مصالح شعبها والدفاع عن أرض كردستان، وتواجه هذه القوى مقاومة عنيفة وهجمات شرسة من قبل جيوش الدول المحتلة لكردستان وعلى رأسها تركيا وإيران وبمباركة من مراكز القوى الدولية التي لا ترى في القضية الكردستانية إلا عائقاً أمام تحقيق مصالحها ومواصلة تنفيذ اتفاقية لوزان، المُبرمة في ٢٤ تموز ١٩٢٣.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيتمكن الشعب الكردستاني من تحقيق طموحاته في ظل هذه التعقيدات، أم ستظل قضيته عالقة بين مصالح القوى الكبرى؟
حتماً، والذين يراهنون على قوة السلاح والقمع، وعليهم أن يعلموا أن الحرية تأتي من فوهة بنادق الثوار الكرد. النصر سيكون حليف من يبقى مخلصًا لإرادة شعبه، بينما الهزيمة ستكون من نصيب المحتلين ومن یخدم أجنداتهم.