تحقيق/ حسن ظاظا –
مؤشرات الحرب القادمة
المستجدات السياسية والعسكرية المتسارعة في الشرق الأوسط، والتغيرات المتقلبة في مواقف الدول الإقليمية والدولية، هي مؤشر واضح لنشوب حرب عالمية ثالثة كبرى وهو أمر حتمي، في ظل التغيرات والصراعات الدولية تزداد حدة. وتضارب المصالح بين القوى العالمية قد تجاوزت الحرب الباردة والشواهد عديدة، كالأزمة الكورية والتنافس في بحر الصين الجنوبي، مروراً بالأزمة الأوكرانية والحروب التجارية وما تمثله على الاقتصاد العالمي، وصولاً إلى الأزمة السورية والطموحات النووية الإيرانية. وكان المركز الكندي قد نشر مقابلة مع وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر حول تطور احتمالات نشوب حرب عالمية كبرى قال فيها: «إذا كنت غير قادر على سماع طبول الحرب فأنت أصم»، مؤكداً بأن الحرب القادمة ستكون عنيفة والقوى العظمى هي من ستكون الرابحة فيها. وفي إطار الواقع يقول (يكولاس جفوسديف) من كلية الحرب البحرية الأمريكية، أنه بعد مرور مئة عام من بدء الحرب العالمية الأولى؛ من الممكن التأكيد على أوجه الشبه اليوم مع عام 1914 والتي توضح أن الحرب يمكن أن تبدأ من خلال نتائج غير مقصودة، وألا يمنع تبادل المنافع اقتصادياً حدوثها، وهو الأمر نفسه الذي أوضحه (هارولد جيمس) من جامعة برينستون الأمريكية. أن احتمال قيام حرب عالمية ثالثة أصبح الآن تهديداً جدياً، وأن السنوات التي سبقت الحربين العالميتين الأولى والثانية كانت شبيهة جداً بمشهد العالم اليوم، وأن انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يشيران إلى أن الناس فقدت الثقة بالعولمة، وأن ذلك ربما يُسفِر عن صراع عالمي جديد. وبشكل عام هناك من السوابق التاريخية ما يؤيد هذا الافتراض، حيث أن الوضع الراهن يُشبه على نحو مقلق ما حدث منذ أكثر من قرن عندما حدث اتفاق بين روسيا وبريطانيا وفرنسا، لمواجهة ألمانيا وإيطاليا والنمسا والمجر، الحرب التي دامت أربع سنوات تخللتها نتائج مدمرة. وتعكس القوى العالمية حالة نظام التحالف العدائي اليوم، وهو ما أشار إليه (هال براندز) من جامعة (جون هوبكنز) في واشنطن، من أن الخصومة المتجددة بين أقوى الدول العظمى أصبحت مرةً أخرى سمةً مميزة للسياسة العالمية.
القوى العظمى وصراع الهيمنة
فبعد التوترات على الصعيد التاريخي؛ فأن القوى الرجعية أي الصين وروسيا، تختبر النظام الليبرالي الدولي على نحو متزايد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعني أنهم يسعون إلى انتقاء مجالات نفوذ متميزة والهيمنة على الحدود الاستراتيجية للدول الليبرالية العظمى، وبهذا يخترقون القوانين الدولية مثل حرية الملاحة وعدم الاعتداء، واستخدام وسائل غير مشروعة تتفاوت من تحرض وإرهاب وقمع عسكري؛ لجعل الأجواء الدولية أكثر استجابة لطموحاتهم. وفي هذا الصدد يقول (جون برينان) مدير وكالة الاستخبارات الامريكية السابق لشبكة (سي إن إن)، عندما تنظر إلى جميع مناطق النزاع وترى الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهي القوى الكبرى في العالم يدعم كل منها جهة أو أخرى، فإن القلق يزداد من أن يقود هذا الأمر إلى نشوب حرب عالمية ثالثة. وبناءً عليه فإن نتيجة تنافس القوى العظمى الناشئ بين روسيا تحت قيادة بوتين والصين الطموحة اقتصادياً، والولايات المتحدة في عهد ترامب سيحول هذه المنافسة إلى صراعات ناشئة في جميع أنحاء العالم، وغالباً ما ستجد القوى العظمى نفسها علاقة في نزاع دبلوماسي وصراع وحر بين دول أصغر، سواءً كان ذلك من أجل زيادة توسيع وتعزيز نفوذها أو جراء التزاماتها موجب المعاهدات، كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وعلى سبيل المثال في بحر الصين الجنوبي تلتزم الولايات المتحدة بحماية السالمة الإقليمية لحلفائها، مثل الفليبين واليابان وتايوان ضد التحركات التي تبذلها الصين من أجل ضم جزر متنازع عليها لتعيدها لسيادتها، والتي تشمل جهوداً عسكرية ودبلوماسية ما قد يؤدي إلى دخولها في صراع مباشر مع بكين، للحد الذي جعل (روبرت كابلان) يصف في مجلة فورين بوليسي المنطقة بأنها مستقبل الصراع، ويذكر (روبرت فارلي) في مجلة ذي نايشنال إنترست، المناطق الخمس القادرة على التحول إلى مركز لنشوب الحرب العالمية الثالثة. وهي كوريا الشمالية، تايوان، أوكرانيا، تركيا والخليج العربي، فيما حدد العالم الجيوستراتيجي (نيكولاس سبايكمان) ثلاث مناطق أسماها نقاط الارتطام وهي سوريا، شرقي أوروبا وبحر الصين الجنوبي. ومن ناحيةٍ أخرى يستمر التنافس والصراع الوضح في كل قارة تقريباً، فيما لا تزال الصين وروسيا تتنافسان على بسط نفوذهما في جمهوريات آسيا الوسطى في فترة الاتحاد السوفييتي، في حين يدعم كل منهما فنزويلا في مقاومة العقوبات الأمريكية والحصار الدبلوماسي.
الشرق الأوسط الساحة
الأكثر ترجيحاً
وتهدد روسيا بشكلٍ متزايد حلفاء أمريكا في حلف شمال الأطلسي في كل من أوروبا الوسطى والشرقية، على الصعيدين العسكري والثقافي، بينما تسعى الصين إلى توسيع نفوذها في إفريقيا على حساب الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن تورط القوى العظمى في نزاعات إقليمية خارج حدودها بات واقعاً عالمياً، فأنه لا يوجد شك في ان النزاع في الشرق الأوسط هو الأكثر خطورة في كونه الأكثر ترجيحاً، أن يتطور إلى حرب كبرى، وهو ما خلص إليه (بول ستيرز) عضو مجلس العلاقات الخارجية، من أن أزمات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قد ولدت المزيد من القلق أكثر من تلك الموجودة في أي منطقة أخرى، حيث تم تقييم المواجهة بين إيران والولايات المتحدة أو أحد حلفائها أولوية خلال عام 2019. سيكون بلا شك الصدام بين إيران ووكلائها والتحالف الذي تسعى أمريكا إلى إقامته في المنطقة، أو مع إسرائيل بشكل منفرد، وذلك وسط تورطها في النزاعات الإقليمية الدائرة في اليمن وسوريا والعراق، والتي تنطوي على أبعاد تتجاوز الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط، إلى الصراع بين القوى العالمية، فضلاً عن وجود ديناميكيات إقليمية أخرى تبعث على القلق أيضاً، مثل احتمال تصاعد الأحداث بين حليفي الناتو تركيا وأمريكا، ليصل الصدام في شمال سوريا حول القضية الكردية. ويعد السيناريو الأكثر ترجيحاً لنشوب صراع بين القوى العظمى في الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة، هو حدوث مواجهة بين إسرائيل وإيران أو أيٍ من حلفائهما، بما في ذلك حزب الله ما يشجع الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية وحزب الله في سوريا، وربما في العراق أيضاً. وهي هذا الصدد يقول كل من (نداف بين حور ومايكل آيزنشتات) من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن الحرب القادمة ستكون على الجبهة الشمالية لإسرائيل، سواء بدأت في لبنان أو سوريا، ستكون أكثر تدميراً من حرب 2006، وهذه الحرب ستشمل على الأرجح العديد من الجهات الفاعلة، مع مسرح عمليات أوسع وتحديات غير مسبوقة لإدارة التصعيد، وإمكانية حدوث انفجار إقليمي تشارك فيها نيابةً عن روسيا الإيرانيين، والولايات المتحدة عن إسرائيل. ومن الواضح أن الديناميكيات المتداخلة لقضايا الصراع المنتشرة في العالم، وعودة حالة المنافسة بين القوى العظمى في فترةٍ ما بعد الحرب الباردة، قد ولّدت وضعاً قابلاً للاشتعال يمكن فيه توقع حدوث حرب عالمية أخرى.
آراء تخالف نظرة الحرب العالمية
غير أنه لا يزال بعض المحللين يشكون في أن تتحول قضايا الصراع إلى حرب عالمية كبرى، في الغالب يشير هؤلاء إلى أن الرادع النووي يقف حائلاً أمام ظهور صراع جديد، وفي هذا الصدد يتوقع (مارك إف كانسيان) من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، عدم نشوب حرب بين قوتين نوويتين؛ لأنه إذا تم تصعيد الصراع من نطاق الحرب بالأسلحة التقليدية إلى الحرب باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية، فأن الدمار والخسائر في الأرواح قد تصل إلى مستويات غير مسبوقة، وما عزز من ذلك قول كيسنجر عام 2018 لا يمكننا التفكير في حدوث حرب بين الدول ذات التكنولوجيا الفائقة. إن تلك الحروب تنطوي على أحدث مستوى التأثير لنجزم بعدها أن العالم لن يكون هو نفسه مرةً أخرى. ومع ذلك لا يعد هذا الرادع؛ أي الخوف من التأثير النووي، ضمانة كافية في عدم اندلاع الحرب، فلم يكن قادة أي من دول العالم التي خاضت الحربين الأولى والثانية تدرك أن هذه الخطوات سوف تؤدي إلى حروب عالمية تمتد إلى سنوات، يسقط فيها ملايين القتلى ولو كانوا يتوقعون حجم الدمار لما أقدموا عليها. ولكن؛ الحروب الصغيرة قابلة إلى الاتساع والتدحرج حتى ينفلت زمامها كما أنه من غير المرجح أن يوقف هذا الرادع، الصراع المحتمل بين إيران وإسرائيل على سبيل المثال، وأن كان بعد بمثابة رادع للقوى العظمى، إلى جانب دول أصغر تمتلك أسلحة نووية مثل كوريا الشمالية وباكستان. ويمكن القول إن هنا عقبة أخرى تقف حائلاً أمام وقوع حرب عالمية كبرى، وهي استمرار الهيمنة العالمية الاقتصادية والعسكرية الأمريكية. وفي هذا الإطار ذكرت مجلة ذا إيكونوميست البريطانية أنه ليس بإمكان روسيا أو الصين القيام بمواجهة عسكرية مباشرة مع أمريكا، والتي من شأنها أن تخسرها في النهاية بكل تأكيد، فلا يخفى أن كلاً من بكين وموسكو يسعيان إلى تقويض وتحدي واشنطن وحلفائها، ألا أن ذلك لا يرتقي إلى حد شن هجوم، حيث تفتقر كل منهما إلى الشمولية نفسها التي تميز القوة الصلبة والناعمة للولايات المتحدة. رغم تمتع الصين بقدرات اقتصادية وعسكرية غير مسبوقة. لكنها؛ لا تستطيع التفوق على الولايات المتحدة من حيث القدرات التكنولوجية والموارد المتاحة، وعلى الجانب الآخر تعتبر روسيا أسوء حالاً، وعلى الرغم من عزمها استعادة مكانتها كقوة عسكرية متطورة وذات خبرة؛ لأنها تعاني من ضعف في اقتصادها وتفتقر إلى القدرة على المواجهة المستدامة، كما أن قوتها لا تكافئ قوة الولايات المتحدة إن كانت بالموارد أو بالقوى المتحالفة معها بعد أن تم استنزافها حالياً في سوريا، فضلاً عن نجاح واشنطن في ضم حلفاء سابقين لروسيا في شرقي أوروبا، ضمن الاتحاد الأوروبي في السنوات العشر الأخيرة من القرن الماضي. على العموم يتضح من دراسة ملامح الصراعات الدولية الراهنة أن حرباً عالمية بين أي من القوى العظمى، قد تكون احتمالاً قريباً لا سيما أن تلك الصراعات ما زالت مستمرة أو تظهر تباعاً في أنحاء العالم، ولعل التنافس المتزايد بين القوى العالمية جدير بتحويل هذه الصراعات إلى حرب عالمية، انطلاقاً من دعم تلك الدول لعدد من حلفائها وما يرتبط بذلك من التزامات واعتبارات استراتيجية، هذا فضلاً عن أن انتشار النزاعات الإقليمية المعقدة اليوم تبقى وقوع مثل تلك الحرب الكبرى إمكانيةً حقيقية.