سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

صباح الخير يا بثينة!

فرهاد شامي –

كتبت بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري مقالاً مطولاً في موقع “الميادين” نت موجهاً للدول العربية بعنوان “التاريخ يعيد نفسه” في إشارة إلى أطماع أردوغان وحلمه في الوصول إلى حدود الإمبراطورية العثمانية الزائلة، حيث تعرج -شعبان- مرة على يمينها لتتحدث مطوّلاً عن أطماع أردوغان الذي شبّهته بهتلر، ومرة على يسارها لتناشد العرب بترك خلافاتهم ومواجهة “العثمانيين الجدد”، قبل أن تختتم المقال بسؤال المحصور المستغيث “فهل من مجيب؟”.
مقال بثينة، الذي يعبّر بوضوح عن إدراكها لخطورة الخطط والأفعال التركية على الأراضي السورية بعد سنين طويلة من التجاهل والرهان على الحواجز الروسية التي تحولت إلى معابر رسمية للمدرعات والدبابات التركية المارة بشكلٍ يومي إلى العمق السوري، بعدما كان بوتين ولمدة جيدة فارساً مهيباً لأحلام النظام السوري الذي يبادله إشارات الإنقاذ من السقوط قبل أن يطالب أركانه بدفع ثمن تلك الإشارة ودخانها الأسود الذي لم يرتفع سوى في سماء دمشق، ويذهب بعيداً مع أردوغان لمداعبة مصالحهما الاقتصادية.
ربما، يحصل مقال بثينة على بعض الإعجاب في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن على الأرض ومن داخل سوريا، ثمة أكثر من ألفي فوهة مدفعية ودبابة تركية موجهة إلى حلب وحماة واللاذقية، ومثلها، موجهة إلى الرقة والحسكة. هناك، خمسون ألف جندي تركي يقضون حاجاتهم على آثار وأنهار سوريا وسيادتها، هناك، ثمة جدار فاصل بين عفرين وشمال حلب وخط أحمر في شمال إدلب واللاذقية وريف حلب الغربي والشرقي وفي تل أبيض ورأس العين، هناك أجواء مفتوحة للطيران التركي في الشمال الشرقي والغربي لا تقبل بالروسي أو السوري حتى وإن كانوا ضيوفاً، وهناك لواء إسكندرون ثانٍ وثالث ورابع وخامس يتم التفاوض عليه مع الروس، وهناك شعب يسحله الفقر وتشتته شوفينية النظام وقصر نظره بمواجهة نظام موحّد كنظام العثماني أردوغان!.
إبان الغزو التركي لعفرين، كنت اختلس السمع لحديث ضابط من النظام وصل توّاً للمدينة برفقة مائة من عناصر (القوات الشعبية) مع أحد قادته على التلفون، وكان واضحاً عليه التعب من طلبات ذاك القائد الذي كان جلّ اهتمامه (رفع العينين الخضراوين النائمين – علم النظام- ) وسط عفرين، بينما كان يبحث إعلامي موالٍ عن نصر وهمي برفع صورة رئيسه في ساحة آزادي، وضابط آخر وجد أفضل طريقة لمواجهة غزو الاحتلال التركي من خلال التزمير بشوارع عفرين أمام عدسات تلفزيون النظام، في الوقت الذي كانت وحدات حماية الشعب والمرأة تقاوم لوحدها أكثر من مائة طائرة حربية واستطلاع تركية وأكثر من أربعين ألف جندي ومرتزق تركي. حينها، لم يخفِ أحد الضباط الخارجين عن إجماع النظام (من أبناء المنطقة الشرقية) ما تفكر به خلية النظام العسكرية والاستخباراتية في دمشق، قالها صراحة: “النظام متّفق تماماً مع خطة روسيا وتركيا في القضاء على مشروع الإدارة الذاتية في عفرين، ووجود عناصره في المنطقة لا يُبقي ولا يذر أمام غزو الأتراك، حتى جنودنا يعتقدون بأنهم ضلوا الطريق هنا، يعتقد النظام أن بإمكانه الاعتماد على روسيا لطرد تركيا باللجوء للقانون الدولي متى ما أراد”.
ويتكرر الخطأ ذاته، فبدل أن تقوده التحشيدات والتدخلات التركية بسرعة إلى بلورة فعلٍ وطني حقيقي لإزالة صورته المدنّسة في أذهاننا، والوصول سوياً إلى تشكيل جبهة داخلية لمواجهة الغزو التركي المتصاعد، يلجأ نظام بثينة شعبان مرة أخرى إلى المكر والشكّ الخسيس بمطالب السوريين المحقّة في شمال شرق البلاد، وإلصاق أفظع التهم بتضحياتهم، ومحاولة إضعاف قواتهم التي حاربت ولا تزال لوحدها الاحتلال التركي الذي يُزعج شعبان أيضاً، والحمد لله على نعمة الانزعاج ولو كان درامياً!.
وبدل، أن تكرر على مسامعنا سرد وقائع وأخطار معروفة وواضحة، كان لا بد أن يدفع موقع السّيدة بثينة في الرئاسة السورية إلى إصدار توجيهات حازمة لجيش نظامها بضرب التركي بيد من حديد. لم يكن عليها تكرار الأسطوانة القديمة بل إبداء فعلٍ مغايرٍ لتاريخ نظامها الذي لم يطلق طلقة واحدة باتجاه الجنود الأتراك الذين يحتلون ومنذ مائة عام إسكندرونها. وبدل الشكوى من مدافع الأتراك ودباباتهم، ومباطحتهم بمقال أو بتصريح كان يتوجب عليها استخدام ثلث ما استخدمته من قوّة بحقّ شعبها ضد ما أسمته العثماني الإخواني.
أجل أنها العثمانية الجديدة وحدودها حلب والموصل وكركوك، وشريط يمتد من سواحل اللاذقية إلى حدود إيران، وآخر إلى سواحل ليبيا والصومال والسودان.
فصباح الخير يا بثينة!.