جرائم ومذابح كثيرة جرت بحق شعوب وأقوام مختلفة على مر التاريخ، لكن ما جرى بحق الإيزيديين، يختلف كليا عن بقية المذابح من حيث عددها، الذي وصل إلى 74 مع مذبحة الثالث من آب 2014.
فعلى الرغم من أن المجتمع الإيزيدي مسالم، لكن ذلك لم يشفع له، بل على العكس من ذلك أصبح وجهة مفضّلة للغزاة والطغاة عبر التاريخ. وما أكثر الفرمانات التي صدرت ضد الإيزيديين سواء من جانب السلاطين العثمانيين وخلفائهم الأتراك، هذه الفرمانات التي كانت ضوء أخضر لارتكاب المجازر الوحشية بحق الإيزيديين دون أدنى سبب، فقط لكونهم إيزيديين. فهل هناك جريمة أبشع وأفظع من ذلك؟ أن تنتهك الحرمات وتشرع في إبادة مجتمع فقط لأنه مختلف عنك!
المجتمع الإيزيدي المسالم
المجتمع الإيزيدي بأصوله العرقية، مجتمع كردي بامتياز يعيش منذ آلاف السنين في كردستان. بينما يعود بأصوله الدينية إلى الديانة المانوية والمزدكية، التي ظهرت في كردستان خلال القرن الثالث الميلادي. هذه الديانة التوحيدية، التي من شعائرها السلام والمحبة والتآلف بين أبناء المجتمع، وحماية المرأة وغيرها من القيم النبيلة، اجتمع الإيزيديون حولها، وحافظوا عليها بكل طاقتهم. بنوا مجتمعاً مسالماً، يحافظ على الروابط الأسرية والتعاليم الدينية ويعيشون حياة بسيطة بعيدة كل البعد عن تعقيدات “الحضارة” ومحافظين على نقاء مجتمعهم من أبناء الأديان والمذاهب والطوائف الأخرى.
هجوم الوحوش البشرية
ارتكب آخر فرمان بحق الإيزيدين في شنكال في الثالث من آب 2014، حيث هدرت الدماء قتلاً وأمام مرأى ذويهم، وسُبيت النساء وبيعت في أسواق النخاسة، وغيرها من الانتهاكات والجرائم اللاإنسانية، التي ارتكبتها مرتزقة داعش بحق الإيزيديين.
فجراً بدأ الهجوم على منطقة شنكال والمجتمع الإيزيدي المسالم فتم قصف قرية “كرزرك” بالهاون واندلعت اشتباكات قوية هناك، ومن ثم هاجمت مجاميع مرتزقة داعش قرية سيبا شيخ خضر، وحاول الأهالي التصدي للهجوم، ولكن بسبب عدم التكافؤ وانسحاب قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي المتواجدة هناك، بدأ الأهالي البحث عن طرق للخروج، بجميع أطفالهم ونسائهم والخروج من البلدة باتجاه جبل شنكال سواء بالسيارات أو سيراً على الأقدام. وبسبب ارتفاع الحرارة، تدهورت أوضاع العوائل، وخاصة الأطفال، حيث فقد في الطريق العشرات، وربما المئات من الأطفال والشيوخ حياتهم عطشاً.
لدى وصول مرتزقة داعش إلى مدينة شنكال، بدؤوا على الفور بارتكاب مجازر وحشية بحق الإيزيديين ونهب وسرقة ممتلكاتهم، واختطاف وسبي النساء الإيزيديات، وبيعهن كالجواري في أسواق الموصل العراقية، والرقة السورية.
المجزرة وداعموها
لم تكن مرتزقة داعش مرتكب الجريمة فقط، بل كان هناك من يدعمها في ذلك، وخان أهالي شنكال، فجميعنا شاهد عبر شاشات التلفزة كيف كانت بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني والمكلفة بحماية شنكال تهرب من شنكال. هذا الأمر كان واضحاً وضوح الشمس وقد تحدثت الأميرة “عروبة بايزيد إسماعيل بك“، حفيدة زعيم الطائفة الأسبق وأميرها إسماعيل بك، عن “داعش” واحتلالهم شنكال وخيانة الديمقراطي الكردستاني لأهالي المنطقة: هربت العوائل الإيزيدية بسبب رعبها من هول ما يحدث على سفوح جبل شنكال، وافترشت الأرض بساطا لها، والتحفت السماء غطاء لها، لأنها لم “تستطع أن تأخذ معها أي شيء فدخول داعش كان مفاجأة لنا؛ لأن البيشمركة (التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني)، كانت هي من تحرس المنطقة، وقد تعهدوا للناس على أنهم قادرون وعلى أتم الاستعداد لمواجهة داعش، إذا حاولوا أن يدخلوا أراضينا، ولكنهم وللأسف كانوا أول من هرب، وسلموا المنطقة على طبق من ذهب لداعش”.
أهوال وفظائع الإرهاب
ما قامت به جحافل الوحوش البشرية؛ مرتزقة داعش بحق المجتمع الإيزيدي يفوق الوصف وتعجز الكلمات عن شرحه، أهوال وفظائع لا يتحملها العقل البشري. إعدامات جماعية ورميهم ضمن مقابر جماعية، سبي النساء واغتصابهن وبيعهن في أسواق النخاسة كالعبيد، فصل الأطفال والبنات عن النساء الكبار بالسن، جرائم اغتصاب جماعي، إبادة جماعية تعدُّ جريمة حرب بحق الإنسانية.
جرائم واسعة النطاق، ممنهجة بشكل مدروس وفق خطة مرسومة مسبقاً. ما قامت به مرتزقة داعش في مناطق شنكال، كان مخططاً له من جانب مرتزقة “داعش” الذين يهدفون إلى إبادة الكرد وقاموا بذلك من خلال الحلقة الأضعف، والتي هي المجتمع الإيزيدي المسالم والقابع في مدنه وقراه دون أي اعتداء ضد أحد.
نزول الأسود من الجبال
لدى سماع خبر هجوم مرتزقة داعش على شنكال، وطلب المجتمع الإيزيدي المساعدة من قوات الدفاع الشعبي في مناطق الدفاع المشروع، لبى أسود الجبال النداء وسارع 11 أسداً للقدوم على وجه السرعة إلى شنكال؛ من أجل تأمين الحماية للمجتمع الإيزيدي المهدد بالإبادة الجماعية.
قدمت قوات الدفاع الشعبي الكريلا دمها وروحها من أجل حماية المجتمع الإيزيدي من الإبادة الجماعية، وساعدت في تأمين وصول الآلاف من العوائل عبر جبل شنكال إلى بر الأمان في روج آفا بالإضافة إلى مهاجمة مرتزقة داعش، التي كانت تحاول قطع الطريق أمام هذه العوائل في مسعى لحجزهم وقتلهم.
YPG وفتح الممر الآمن
توجه عشرات الآلاف من أهالي شنكال إلى الجبل هرباً من الوقوع في قبضة مرتزقة داعش، التي ارتكبت الفظائع بحقهم، العديد من الأشخاص لم يتحمّلوا ما جرى لهم، حيث ألقوا أنفسهم من قمة الجبل. سارعت وحدات حماية الشعب YPG بناء على قرار القيادة العامة، التي أعطت تعليماتها بضرورة الوصول إلى شنكال بأي شكل من الأشكال، وفتح ممر آمن بين جبل شنكال ومناطق روج آفا. فسارعت الوحدات القريبة من الحدود أي مناطق ديرك، كركي لكي، جل آغا، بالتوجه صوب الجبل، وعملوا على فتح ممر إنساني بين شنكال وروج آفا. هذا الممر ساعد في إنقاذ ما يقرب من مائتين ألف شخص من عمليات الإعدام الجماعي، والسبي والحرق والاغتصاب. قدّم مقاتلو وحدات حماية الشعب الطعام والمياه التي كانت بحوزتهم للعوائل الهاربة من الجحيم، حملوا على أكتافهم الأطفال والعجائز وساروا بهم عشرات الكيلومترات للوصول إلى بر الأمان.
الاستقبال في روج آفا
بالرغم من تعرض مناطقهم إلى هجمات كبيرة من جانب مرتزقة داعش، لكن أهالي روج آفا بكردها وعربها وسريانها وآشوريها دون استثناء، قاموا بواجبهم الإنساني تجاه المجتمع الإيزيدي على أكمل وجه. أصحاب السيارات الكبيرة توجهوا نحو الحدود السورية العراقية وعبر الصحراء وحرارة شهر آب لنقل الإيزيديين الفارين من الموت عن طريق الممر الآمن، الذي فتحته وحدات حماية الشعب YPG البعض من هؤلاء السائقين وللأمانة لم يكونوا قد ارتاحوا بعد من عناء الطريق حتى كانوا يطلبون العودة مجدداً لنقل العوائل والأطفال الذين كانوا في حالة يُرثى لها. العشائر العربية والكردية والقوى السياسية السريانية والآشورية والفعاليات المجتمعية وأصحاب النخوة والعوائل لم يُقصروا وقدموا الطعام والمياه والملابس والأغطية للقادمين. الكل شارك في تقديم يد المساعدة وفق قدرته واستطاعته.
مخيم نوروز
الإدارة الذاتية في روج آفا لعبت هي الأخرى دوراً هاماً في القيام بمسؤولياتها تجاه الإيزيديين اللاجئين إليهم، ليؤمنوا لهم المأمن والاستقرار، حيث كانت الإدارة قد استبقت الأمور وأقامت مخيماً بهدف إيواء النازحين والمهجرين من مختلف مناطق ومدن سوريا، الذين هربوا من القتال الدائر بين المجموعات المرتزقة والفصائل المسلحة وحتى من بطش حكومة دمشق، والذي أودت بحياة الكثير من المواطنين وتوجه البقية نحو مناطق الإدارة الذاتية. المخيم تم تأسيسه في أواخر تموز 2014 في منطقة ديرك. ضم المخيم في بدايته 300 خيمة مقدّمة من الهلال الأحمر الكردستاني، وتم توزيع قسم من هذه الخيم على العوائل، التي التجأت للمخيم، حيث أشرفت هيئة العمل والشؤون الاجتماعية في الإدارة الذاتية لمقاطعة الجزيرة على تأمين المستلزمات الضرورية لاستقبال الإيزيديين.
لا يزال يقطن المخيم العديد من العوائل الإيزيدية بالإضافة إلى العوائل العربية الذين نزحوا من مناطق متفرقة من سوريا. ومع استقرار الإيزيديين في المخيم، بدؤوا بتنظيم حياتهم من خلال مجلس إدارة للمخيم بالإضافة إلى فتح العديد من المراكز الاجتماعية والخدمية مثل مركز الثقافة والفن، والمركز الصحي، والمدارس التعليمية، ومشغل للخياطة تعمل فيه النساء، ومركز المجلس التأسيسي الإيزيدي، ودار الشعب، ورابطة المرأة للتدريب والتوعية، ومجلس المرأة الإيزيدية، ومركز للشبيبة الإيزيدية، واستفادوا من التجارب، التي مروا بها ليستمروا بالحياة ضمن أسس تنظيمية في مجالات الحياة، ليكملوا قطار الحياة هناك، ريثما يحرروا شنكال، ويعودوا إليها بسلام.