سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

 شنكال… الجرح الغائر في الذاكرة الكردية ـ2ـ

دجوار أحمد أغا

حوّل الإيزيديون معاناتهم قوة وإرادة واجهوا بها المتآمرون عليها من الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي خانهم بداية بتركهم فريسة بيد مرتزقة داعش، وكذلك بيد دولة الاحتلال التركي التي تدفع الأول للمزيد من التدخلات في إدارة شنكال، ناهيك عن قصفها وهجماتها، كل ذلك يحدث أمام مرأى المجتمع الدولي الذي لازم الصمت، بغض طرفه عن الاعتراف بهذه الجريمة على أنها إبادة.

لم يقف الإيزيديون مكتوفي الأيدي جراء ما حصل لهم بعد الفرمان الأخير 74، حيث تعلموا من تجاربهم بضرورة حماية أنفسهم بأنفسهم خاصة بعد ما شهدوا على فرار القوى الحامية لهم، وخانتهم بيشمركة حزب الديمقراطي الكردستاني، لذا وجد أهالي شنكال ضرورة تشكيل وحدات حماية خاصة بهم ومن أبنائهم، وبناتهم، حتى لا تُكرر المجازر بحقهم.

تشكيل وحدات مقاومة شنكال YBŞ

منذ اللحظة الأولى لنزول أسود الجبال إلى شنكال، بدؤوا في تجميع صفوف الشباب الإيزيدي القادر على حمل السلاح وتدريبهم على كيفية استخدامه في مواجهة مرتزقة داعش. وبمساعدة مباشرة من قوات الدفاع الشعبي HPG الذين قضوا سنوات طويلة من حياتهم في الجبال ومقارعة المحتل التركي الغاشم؛ تم بناء وتنظيم وحدات مقاومة شنكال  YBŞوكذلك وحدات المرأة في شنكالYJŞ  التي أصبحت الضمانة لحماية أبناء المجتمع الإيزيدي.

يعود الفضل في ذلك للقادة الكبار أمثال (الشهداء مام زكي، وعكيد جفيان، ودلشير هركول، وسعيد حسن، وبرخدان، زردشت، وغيرهم)، الغراس الأولى للنضال من أجل تحرير شنكال من رجس الإرهاب. كما واستند المجتمع الإيزيدي إلى قول القائد والمفكر العظيم عبد الله أوجلان الذي يقول: “إن الشعب الذي لا يعتمد على قوة حمايته الجوهرية، فإنه معرض للانقراض والزوال”. وبالفعل أثبتت الأيام صحة هذه المقولة من خلال الدور الكبير، الذي تقوم به هذه الوحدات في حماية المجتمع الإيزيدي، من تهديدات وهجمات دولة الاحتلال التركي، وكذلك من المؤامرات، التي تحبك ضدهم في مسعى إلى إفشال المنجزات، التي حققوها بإرادة مجتمعية حرة.

الإدارة الذاتية لشنكال

 بعد تحرير شنكال من براثن مرتزقة داعش، على أيدي قوات الدفاع الشعبي ووحدات المرأة الحرة ووحدات مقاومة شنكال ووحدات المرأة الإيزيدية، كان لا بد من تنظيم أمور المجتمع الإيزيدي، الذي عانى الكتيمان

الأهوال والويلات. ونتيجة للجهود المكثفة، استطاعوا أن يأسسوا نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية لشنكال، والذي يُعدّ إنجازاً استراتيجياً تم تحقيقه بحيث يعمل وفق مبدأ إدارة المجتمع نفسه بنفسه، ويضع الحلول للمشكلات، التي تواجه أبناءه بأسرع وقت ممكن. فتم الإعلان عن نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية تحت اسم المجلس التأسيسي لشنكال في 15 كانون الأول 2015 بحضور قادة المجتمع الإيزيدي، أمثال: الشهيد مام زكي شنكالي، الشهيد سعيد حسن، والشهيد برخدان. وقد حققت هذه الإدارة أهدافاً كبيرة وتوسعت في أنشطتها فدخلت مجالسها الشعبية المدن والأحياء، وتم تقديم الخدمات من خلال المؤسسات الخدمية، التي تم تفعيلها.

وعدّ نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية الحل للمشاكل والقضايا العالقة، وخاصة إنها تعتمد على القاعدة والرؤية الشعبية في إدارة المنطقة بمجالات الحياة، فبات من الضروري تعزيز هذا النظام بشكل أعمق، فكانت ولا زالت وسيلة لإحياء إرادة الفرد والنضال من أجل حياة متساوية وحرة.

آسايش يزيدان

 إلى جانب القوات العسكرية في المنطقة، وأيضاً بعد تأسيس الإدارة الذاتية، كان لا بد من وجود قوات حماية للأمن الداخلي لتحافظ على أمن واستقرار المجتمع الإيزيدي خاصة بعد تحرير شنكال وعودة أبنائها، لذا تكاتف المجتمع الإيزيدي لإعادة بناء شنكال من جديد، ونتيجة جهود كبيرة مبذولة، تشكلت قوات أسايش إيزيدخان في العام 2016 التي أخذت على عاتقها مهمة حماية مجتمعها وضبط الجوانب الأمنية في الداخل بالإضافة إلى مشاركة وحدات مقاومة شنكال في التصدي لأي اعتداء خارجي على المجتمع الإيزيدي.

تعمل أسايش إيزيدخان 24 ساعة بشكل متواصل على ضمان الأمن والسلامة للأهالي وهي تمثل في حقيقة الأمر الإرادة الحرة لشعب شنكال، وتحظى بدعم وتأييد كبير من المجتمع الإيزيدي.

اتفاق بغداد ـ هولير بخصوص شنكال

 بعد تحرير شنكال من جانب قوات الكريلا ومعها وحدات حماية شنكال ووحدات المرأة في شنكال بالإضافة إلى وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة من روج آفا، أراد الحزب الديمقراطي الكردستاني العودة مرة أخرى إلى شنكال وإحكام السيطرة عليها من خلال عقد اتفاقية مع الحكومة المركزية في بغداد بعيدا عن إرادة المجتمع الإيزيدي نفسه.

جاءت هذه الاتفاقية بدفع من دولة الاحتلال التركي التي تستخدم الحزب الديمقراطي الكردستاني لتحقيق مآربها، بتاريخ التاسع من تشرين الأول 2020 ولم يكن عبثاً اختيار هذا التاريخ، فهو اليوم الذي بدأت فيه المؤامرة الدولية بحق القائد عبد الله أوجلان سنة 1998، وهو اليوم الذي بدأت فيه دولة الاحتلال التركي مهاجمة روج آفا واحتلال سري كانيه، وكري سبي/ تل أبيض في العام 2019. الهدف من هذه الاتفاقية هو القضاء على إرادة المجتمع الإيزيدي، فقد نصت على “تشكيل إدارة مشتركة بالتعاون بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان” من خلالها تم وضع الترتيبات الأمنية، والتي توكلت فيها مهمة الأمن للشرطة الاتحادية بالتعاون مع إقليم كردستان عبر إرسال 2500 من عناصر قوى الأمن الداخلي وإنهاء وجود باقي القوى الأمنية الموجودة فيها. المقصود بالقوى الأمنية الأخرى (أسايش إيزيدخان، ووحدات مقاومة شنكال).

العدوان التركي المستمر

 ولأن الاتفاقية التي أبرمها حليف تركيا الحزب الديمقراطي الكردستاني مع حكومة بغداد لم تنجح على الرغم من مهاجمة الجيش العراقي نقاطاً للأسايش في شنكال ومراكز خانصور وسنوني، لأن آسايش إيزيدخان ومعها وحدات مقاومة شنكال تصدّت للمعتدين، وأجبرتهم على التراجع، هدد الطاغية أردوغان أهالي شنكال: “قد نأتي على حين غرة” كما يقول دوماً بخصوص روج آفا أيضاً، إلا أن الإرادة الشعبية انتصرت عليهم، فإن دولة الاحتلال التركي لم يهدأ لها بال، فقصفت ودمرت المنشآت الحيوية والبنية التحتية والمراكز الأمنية في شنكال بالإضافة إلى استهداف قيادات المجتمع الإيزيدي، سواء الأمنيون والعسكريون بالإضافة إلى المدنيين في هدف واضح وصريح، وهو القضاء على الإرادة الحرة للمجتمع الإيزيدي وإعادته إلى بيت الطاعة لخدمة أجنداتها التي ترفض وجود أي شكل من أشكال الإدارة الحرة لشعوب المنطقة وعلى وجه الخصوص الشعب الكردي.

الخاتمة

عشر سنوات مرّت على الإبادة، التي تعرض لها الإيزيديون وما زال المجتمع الدولي ساكتا عنها، تم الاعتراف بالإبادة الجماعية التي حصلت سنة 2014 من جانب بعض الدول مثل هولندا، وألمانيا، بريطانيا، ولكنها غير كافية. ما حصل في شنكال هو جريمة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية “الجينوسايد” وجريمة ضد الإنسانية، لا بد للمجتمع الدولي من الضغط على تركيا من أجل وقف اعتداءاتها المستمرة على شنكال، كذلك الضغط على الحكومة المركزية في بغداد من أجل تقديم الدعم والمساعدة للمجتمع الإيزيدي في إعادة البناء والعودة الآمنة للعوائل إلى مدمنهم وقراهم.

كما يجب على الأمم المتحدة الاعتراف الرسمي بالإبادة الجماعية، التي تعرض لها المجتمع الإيزيدي على يد مرتزقة “داعش” ومن خلفه داعمه الرئيسي والأساسي تركيا والجميع يعلم ذلك. لكنها؛ لعبة المصالح الدولية التي يكون ضحيتها دوماً شعوب بأكملها. ويجب احترام إرادة وقرار الإيزيديين العاملين من أجل تنظيم أنفسهم من ناحية الدفاع الذاتي لمنع تكرار ما حصل.