لم تفلح الأنظمة المحتلة لكردستان، من القضاء على اللغة الكردية، بالرغم من مساعيها المتعددة في صهر اللغة الكردية، ضمن ثقافاتها، وبالتالي انحلالها، وإبادتها، غير أن اللغة الكردية حافظت على أصالتها، وأبت الاندثار، وباتت من اللغات الحية، التي صانت هويتها بشتى الطرق، حيث سعت تلك الأنظمة إلى تقويض اللغة الكردية، ومنع الشعب الكردي، وسائر الشعوب الكردستانية في التحدث بلغاتهم الأم، في محاولة لصهر اللغات الأم لشعوب المنطقة، بلغات دولهم؛ متبعين سياسة “اللغة الواحدة، والعلم الواحد، والقومية الواحدة” وفي مقدمة تلك الأنظمة؛ دولة الاحتلال التركي، التي لم تكتف بفرض اللغة التركية على الشعب الكردي، وحسب، بل ومنع التحدث بلغتهم الأم داخل المنزل، وكذلك التعليم باللغة التركية فقط؛ مهمشة بذلك اللغات الأم الأخرى، ليس في باكور كردستان، وتركيا، فقط، بل وفي المناطق السورية المحتلة، مثل كري سبي، وسري كانيه، وعفرين، حيث عملت على سياسة تتريك المنطقة، وفرض اللغة التركية في المدارس، وعلى غرارها سار النظام السوري أيضاً، حيث جعل اللغة العربية، اللغة الوحيدة في المدارس، وفي الدوائر الرسمية؛ مهمشاً بذلك سائر لغات شعوب المنطقة.
حافظت اللغة الكردية على أصالتها، وعلى هويتها بالرغم من الهجمات الرامية إلى إبادتها؛ حيث رفضت الاندثار، بإصرار أهلها، وتكاتفهم حول حروفها، ودلالات معانيها، وكلماتها من خلال التحدث بها، والحفاظ على ثقافة عناصرها عبر القصص والأساطير، والأمثال الشعبية، التي ما فتئ المتحدثون بها من استخدام تلك القصص والموروث الشعبي جيلا بعد آخر، والتي انتقلت تلك المعاني وقواعد اللغة من الأجداد إلى الأحفاد، ولا يجب أن نغفل عن لغات المنطقة الأخرى، التي صانت نفسها من الاندثار، والصهر، ومن هجمات الأنظمة المهيمنة كاللغات السريانية، الأرمنية، والشركسية.
واليوم؛ ونتيجة لتطبيق فكر الأمة الديمقراطية، الذي حثّ عليه القائد عبد الله أوجلان في مرافعاته؛ تعيش مناطق شمال وشرق سوريا، حالة مغايرة تماماً، لفكر الأنظمة الاستبدادية في ترك الحرية لشعوب المنطقة في التحدث بلغاتهم الأم، والتعلم بها، وجعل اللغات الثلاث الأساسية: الكردية، العربية، والسريانية، لغات رسمية في مؤسسات الإدارة الذاتية، علاوة على صدور مناهج باللغات الثلاث، في مسعى بتعلم الطلبة بلغاتهم الأم.
وبمناسبة اليوم العالمي للغة الأمّ، ينبغي على شعوب شمال وشرق سوريا، اتخاذ نهج الحماية في هذا الشأن، وذلك بالمحافظة على أصالة لغاتهم، ومنع انصهارها، أو بإدراج كلمات دخيلة عليها، أو بتهميش لغاتهم في عدم التحدث بها، وعدم تطويرها، وينبغي النضال من أجل بقائها حية مدى الحياة.