هيفيدار خالد
“إذا تحدَّث التركيُّ عن السلام؛ فاعلم بأنَّ الحرب قادمة”، مثلٌ يوناني قديم؛ إلا أنه يجسِّد واقعَ الحال في ظل المستجدات التي شهدتها شمال كردستان وتركيا، وذلك بعد تصريحات أدلى بها رئيسُ حزب الحركة القومية المتحالف مع حزب العدالة والتنمية في تركيا دولت بخجلي فيما يخصُّ القضيةَ الكردية ودعوتَه للقائد عبد الله أوجلان للحديث أمام البرلمان.
تلت التصريحات التركية هذه، حملةُ قصفٍ عنيفة على مدن ومناطق في شمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى إقليم كردستان، وبعدها أقدمت وزارةُ الداخلية في النظام التركي وبأوامر من أردوغان على إقالة رؤساء ثلاث بلديات كردية منتخبين في المدن الكردية ميردين وخلفتي وباطمان، بعد أن أقدمت الشرطة على محاصرتها، توجَّه الشعب إلى البلديات التي تمَّ الاستيلاء عليها والوقوف في وجه الانقلاب الفاشي؛ لتندلعَ في إثرها احتجاجات شعبية غاضبة في أرجاء المدن الكردية، عبَّروا من خلالها عن سَخَطهم في وجه سياسيات الدولة التركية الفاشية والذهنية الناهبة والممارسات القمعية للسلطة الحاكمة.
واحتلتِ المرأةُ الكردية مكانتَها فجاءت بالصفوف الأمامية في هذه الاحتجاجات وواجهت عناصرَ الشرطة التركية في الميادين والساحات، وحوَّلت تلك المناضلاتُ المدنَ إلى ساحاتٍ للمقاومة، وصرخْنَ بملء حناجرهِنَّ ضدَّ سياسات حزب العدالة والتنمية وناشدْنَ الجميعَ لتحمُّل المسؤولية والتحرُّك من أجل طرد الأوصياء من بلدياتهم التي انتخبوها بأصواتهم ونضالهم مع الوقوف في وجه الذهنية الاستبدادية.
فسلبُ الإرادة باتَ سلاحاً بالنسبة إلى الفاشية التركية بعد أن تكسرت كل أسلحته على صخرة إرادة الشعب الكردي، فالسلطة الحاكمة تلك ليس لديها أي عهد أو وعد تقطعه من أجل المجتمع في وقتنا الحالي، سوى ذهنية القتل والموت والزج بالمعارضين في السجون ومصادرة إرادة الشعب.
إلا أنَّ هذا الشعب الكردي أبدى موقفاً قوياً وانتفضَ في وجه الذهنية الفاشية، وأظهر للجميع عزيمتَه ومدى تعلُّقه بأرضه ومكتسباته التي حقَّقها بنفسه ومساعيه اللامحدودة من أجل حماية مقدَّساته ونضاله الديمقراطي، وذلك كلُّه فداءً لخلقِ مجتمعٍ تسوده المساواة والعدالة الحقيقية وليست (المزيفة)، والعمل بشكلٍ دؤوب من أجل التصدي لآلة القمع والذهنية الدكتاتورية.
ولليوم الثالث على التوالي ما زال الأهالي يواصلون الوقفاتِ الاحتجاجية والاعتصاماتِ ضد محاولات سلب الإرادة والذهنية الانقلابية والعمليات الإجرامية التي يمارسونها بحق الشعب الكردي ويؤكدون على النضال من أجل استعادة بلدياتهم من لصوص الدولة والناهبين لقيم الشعب ومكتسباته.
هذه التطوراتُ التي شهدتها شمال كردستان وتركيا والتي شابتها اعتقالات وسياسات قمع واستبداد وقعت عندما تحدَّث مسؤولون أتراك عن عملية السلام مع الكُرد، فماذا لو تحدَّثوا عن الحرب إذاً، ماذا الذي سيحصل أكثر؟! وهم الذين امتلأت جُعبهم غدراً وسلباً واغتصاباً للأرض وقتلاً وتدميراً.
إنَّ الشعب الكردي مُصِرٌّ على النضال والمقاومة في وجه الفاشية، ولم ولن يرضخ للسياسات التي تستهدف كيانه ووجوده، فلقد رأينا بأم أعيننا الموقفَ النسائي القوي في وجه آلة القمع التي مُورست بحقهنَّ والشجاعة التي تحليْنَ بها في وجه الشرطة التركية، فكُلُّنا أمل بأنَّ المقاومة هي الخيار الوحيد الذي يستطيع من خلاله الشعب الوقوف في وجه سياسات الإبادة السياسية التي تمارسها الفاشية التركية.