قال جيمس إم دورسي، الزميل البارز في الجامعة الوطنية، معهد الشرق الأوسط في سنغافورة ” إن تركيا ربما سعت إلى إصلاح العلاقات مع القوى الإقليمية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، لكن سياستها الخارجية المعنونة (صفر مشاكل مع الجيران) التي تم التباهي بها ذات يوم، أصبحت الآن حلما بعيد المنال، فالآن تحتل تركيا أراضي جيرانها في سوريا والعراق وقبرص، وتنخرط في حرب كلامية مكثفة مع اليونان زميلتها في عضوية حلف الناتو”.
تهديدات مستمرة لضرب الاستقرار في المنطقة
وقال دورسي في صحيفة (أوراسيا ريفيو) يوم الأربعاء في السابع من الشهر المنصرم، “إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يهدد أيضا بشن عملية عسكرية ضد الكرد في سوريا، وتحويل البحر الأسود في شمال تركيا إلى منطقة حرب”، وجاء في المقال ” لا تكاد مصالح تركيا لكل من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل، تفعل شيئا يذكر لإعادة البلد إلى سياسة (صفر مشاكل مع جيرانها) التي كانت قد أُعلنت منذ تولي أردوغان للسلطة، قبل أكثر من عقد من الزمان، ومما لاشك فيه أن تركيا قد نجحت، على الرغم من هشاشتها، في تخفيف حدة التوتر مع دول الخليج عندما تخلى رجب طيب أردوغان فعليا عن هذه السياسة، التي كان قد انتهجها من خلال دعم الثورات الشعبية العربية في العام 2011ودعم ( الإخوان المسلمين) وتقديم المساعدة لقطر خلال فترة المقاطعة الدبلوماسية، والاقتصادية، التي قادتها السعودية للدولة الخليجية، وقيامه بتحميل السعودية المسؤولية عن مقتل الصحفي (جمال خاشقجي) في قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول في العام 2018 “.
إصرار على خلق الأزمات
ويتابع دورسي “في الآونة الأخيرة، أعادت تركيا العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد أكثر من عقد من التوترات، التي اندلعت في العام 2010 عندما قتلت القوات الخاصة الإسرائيلية، عشرة نشطاء أتراك على متن سفينة المساعدات التركية (مافي مرمرة) في محاولة لكسر الحصار على غزة، ومع ذلك وعلى الرغم من التوتر الحاصل، وعدم حل المشكلة الفلسطينية، التي تشكل قنبلة موقوته في العلاقات مع إسرائيل، أصرت تركيا على أن إعادة العلاقات مع إسرائيل لا تعني أنها قد تخلت عن دعمها للفلسطينيين”، ويوضح الصحفي جيمس دورسي بأن مشكلة تركيا تكمن في أنها حسنت علاقاتها مع القوى الإقليمية، التي لا تقع أي منها على حدودها، وعلى النقيض من ذلك ما تزال علاقتها مع أربعة من جيرانها الثمانية، الذين تشترك معهم في الحدود البرية (العراق، وسوريا، والكرد، واليونان ) في حالة من الانحدار مع بقاء شبح الصراع المسلح معلقا في الهواء، وحتى الآن أصرت تركيا على حقها في التدخل عسكريا مرة أخرى في شمال سوريا، لكنها أوقفت شن الهجوم بسبب المعارضة الروسية والإيرانية، وبدلا من ذلك تستشف تركيا برعاية روسية طريقة مؤقته للتعامل مع رئيس حكومة دمشق بشار الأسد، الذي طالبه أردوغان بالرحيل عن السلطة قبل سنوات.
تأجيج للحرائق
ويشير دورسي في مقالته قائلاً: “بدلا من تخفيف التوترات، كان أردوغان ورفاقه يؤججون الحرائق، وفي آخر بيان صريح ، بدا وزير داخلية أردوغان (سليمان صويلو)، وكأنه ينطق بلسان إيران، التي سعت لعقود إلى إجبار الولايات المتحدة الأمريكية إلى الانسحاب من الشرق الأوسط، واتهم صويلو(حزب الشعوب الديمقراطي) المؤيد للقضية الكردية في تركيا بتأييد الإرهاب، والوقوف إلى جانب (حزب العمال الكردستاني) الذي يخوض كفاحا مسلحا ضد تركيا منذ عقود بأنه مدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية”، وفي موضع آخر ذكر دورسي ” لقد تسببت العمليات العسكرية التركية في توتير العلاقات مع حكومة بغداد، فأين سياسة صفر مشاكل”؟ وعلى المنوال نفسه، قال أردوغان مؤخرا مهددا اليونان الزميلة في حلف شمال الأطلسي، بعد أن اتهمت تركيا اليونان بمضايقة الطائرات التركية في مهمة استطلاع باستخدام نظام دفاع جوي روسي الصنع من طراز إس 300 “القوا نظرة على التاريخ، إذا ذهبت اليونان أبعد من ذلك فسوف تدفع ثمنا باهظاً” وكان يشير أردوغان على ما يبدو إلى التطهير العرقي بحق اليونانيين في العام 1923عنما أجبرت السلطات التركية الشعب اليوناني على مغادرة تركيا، ويقول أردوغان بحسب ما ورده دورسي في مقاله: “إنه لو كان رئيسا خلال الحرب العالمية الثانية، فإن تركيا كانت ستقاتل الألمان، والبريطانيين والروس جميعا، في الوقت نفسه”، وتأييدا لما جاء في المقال “أين هي سياسة صفر مشاكل، التي يريد أردوغان، وحزبه إظهارها أمام العالم؟ وجيوشه وطائراته تفتك يمنة ويسرة، وترتكب المجازر تلو الأخرى في (باشور كردستان وشمال وشرق سوريا) وتهدد بإحراق اليونان، فبوجود رجل دكتاتوري على رأس هرم السلطة في تركيا، لا يؤمن سوى بسياسة سحق الشعوب، تبقى معادلة صفر مشاكل مجرد شعار يطلق في المناسبات.