No Result
View All Result
المشاهدات 1
إذا ما قمنا بقراءة الوضع السياسي في منطقة الشرق الأوسط عن كثب سنجد أنَّ هناك صراعاً دولياً فظيعاً، فالعلاقة المتأزِّمة بين دولتين من الناتو، تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، والعراق العاجز عن تشكيل حكومة وكذلك الوضع المتأزِّم في لبنان قبل وبعد الانتخابات وإيران التي تعيش أزمة فوق أزمة، مصر المتقوقعة على نفسها وما تعيشه من أزمة اقتصادية وانكماش سياسي كله يعني أنَّ المنطقة تُواجه تدخُّلاً جديداً من قبل القوى المهيمنة بقيادة كلٍّ من روسيا والولايات المتحدة. على الرغم من أنه يتم التهرب من تسميتها بشكل مباشر إلا أنها بالفعل حرب عالمية جديدة وبطرق جديدة ومركزها هو منطقتنا، فالدول القوموية التي أسسوها في أوائل وأواسط القرن الماضي يبدو أنَّها لم تعد تقوم بدورها المرسوم لها وهي بحاجة إلى ترميم أو تقسيم وتشتيت أكثر، والأنظمة التي كانت تتهافت على العمالة لهذه القوى قد أفلست ولم يعد لديها شيء سوى الانتحار، تماماً مثلما حصل لصدام الحائر الذي لم يكن يعرف كيف يتصرف إلى أن أودى بحكمه وحياته، فتعليق صدام على حبل المشنقة لم يكن ناتجاً عن سياسة الغرب فقط إنما عن سياساته أيضاً، زرع الموت في بلاده فجنى الإعدام.
وها هو أردوغان أيضا، صدام العصر، يقوم بالانتهاكات نفسها التي كان يمارسها صدام، فأعلن نفسه حامياً للإسلام والمنطقة وحامياً لفلسطين في حين أن ما يقوم به لا يتعدى محاولة إنقاذ نفسه لأنه يعلم جيداً أنَّ تربيته وعقليته لا تسمحان له أن يسير على غير هذا المسار ولذا سيكون محكوماً بالنتائج نفسها عاجلاً أم آجلاً، فإما أن يقبل بتقليم جناحيه ويتعقَّل أو أن ينتهي به الأمر إلى ما انتهى إليه الكثير من الرؤساء في المنطقة. أُورد أردوغان هنا كمثال يقوم بهذا الدور بشكل جلي، إلا أن هناك دول أخرى في المنطقة تعيش الحالة نفسها أيضاً. إذ أنهم يشبهون بعضهم البعض، فالوحش النائم في وجدانهم جميعاً هو الدولة الواحدة، واللغة الواحدة، والدين الواحد، والعلم الواحد، التي تعني النمطية وما النمطية إلا طريق سائر نحو الفاشية، فيعلنون الحرب ضد بلادهم أولاً وبعدها الحرب ضد الجميع.
لكن أين موقع سوريا في هذه اللوحة القاتمة؟ هل يمكن أن نتحدث عن استقرار في سوريا وعن حلٍّ في ظل ما تعيشه المنطقة؟ أعتقد أنه من الصعب جداً التفكير بالوضع في سوريا بشكل منفصل عما يدور في المنطقة، ذلك أن سوريا هي بشكل ما جزء من هذه المعادلة وهي مرتبطة وبحبل السرة بما يدور في المنطقة ولا يمكن لنا أن نفصلها عنها بأي شكل من الأشكال ومن يرى العكس فإنه يلعب دور النعامة التي تدفن رأسها في الرمل وتعتقد أن لا أحد يراها. سوريا في مركز كل هذه الصراعات، الصراع التركي- الأمريكي، والصراع الأمريكي – الروسي، والصراع الأمريكي- الإيراني، والصراع السعودي – الإيراني، هذا بالإضافة إلى وضع إدلب ووضع المناطق المحتلة من قبل تركيا، فهي كلها قنابل موقوتة ويمكن أن تنفجر في أية لحظة.
كل ما سبق يؤكد على أنَّ الحل في سوريا بعيد جداً وأن ما يتم القيام به من حوارات هي اختبارات بين الأطراف لجسِّ النبض بين بعضهم البعض حتى يتوقَّعوا السقف الذي يمكن أن يتعاملوا وفقه. البدء بمحادثات لا يعني أبداً البدء بمفاوضات، وقطعاً لا يعني الحلَّ. فالمفاوضات عادة تكون بين طرفين مقتنعين بأن هناك قضايا تحتاج إلى حل، أما إذا كان هناك طرفٌ يريد حلاً وطرف آخر يتعامل مع الأمر وكأن شيئاً لم يكن، فلن يتمَّ الوصول إلى أي نتيجة؛ فمحادثات جنيف استمرت لسنين لكن دون جدوى، ذلك أن إبداءَ الرغبة بالمحادثات شيء والدخول في مفاوضات شيء آخر.
في النهاية أرى أنه يجب بذل قصارى جهدنا للوصول إلى حل سلمي في سوريا ولكن يجب أن نتيقن أنَّ الحل ليس بهذا اليسر وأنَّ سوريا ستستمر في الأزمة كونها ساحة صراع دولية لعدة سنين أخرى.
توقُّع الحلول السريعة يؤدي إلى الإحباط في حال لم تتحقَّق النتيجة المرجوة. لذا؛ يجب أن نكون صبورين؛ ذلك أن تحقيق السلام والاستقرار في سوريا يشبه كثيراً سباق الماراثون الذي يتطلب جلداً وصبراً ودراية كبيرة وبخاصة في ظل هذه المعمعة الدائرة في المنطقة.
No Result
View All Result