(من جديد إلى سليمان الحلبى وشمبليون، حيث أجل الحديث بشأنهما بسبب أحداث بيروت)
أحسب أن الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون)، ليس كأي رئيس سابق لفرنسا، خصوصاً هؤلاء أصحاب الفكر الاستعماري، إذ لم أجد رئيس دولة، يهب على الفور بنفسه لنجدة بيروت، وهو سلوك لم يقم بمثله أصحاب (الجلالة والفخامة والسمو) من دولنا الشقيقة، تمت زيارته لبيروت، ودخان حريقها لم يكن قد انقشع بعد، وما قد يشكل ذلك من خطورة على سلامته الشخصية، ولسلوكه النبيل هذا، فإنني أتوجه إليه بهذا المطلب آملاً في تحقيقه على يديه.
فسليمان الحلبى قاتل كليبر، الموجودة جمجمته في متحف باريسي، ومعنونة بالمجرم القاتل، والحقيقة أنه ليس كذلك، قياساً على ما حدث لرفات أبطال التحرير الجزائرية، نتمنى عودة رفاة سليمان الحلبي، ليدفن في مصر، التي يحمل أحد شوارعها اسمه، وقد يقول قائل، هذا حلبي سوري عفريني وهذه مصر، وما قام به لا يمكن أن يوصف بالنضال، كما حدث في الحالة الجزائرية. لكن؛ سليمان هاله ما فعله كليبر في مشايخه وتدنيسه الأزهر، وهذا معناه أنه توحد مع مصر في محنتها، فقام بقتل كليبر، جزاء وفاقاً لما أجرمه في حق مصر، فمن حق مصر عليه، ومن حق الكرد علينا، أن نطالب بعودة رفاته، ليكون رمزاً للعلاقات التاريخية (مع رموز أخرى) بين مصر والكرد.
طلب آخر يتعلق بقضية وضع تمثال عالم المصريات الفرنسي شمبليون حذاءه على رأس تمثال للملك الفرعوني (تحتمس الثالث)، وذلك في فناء (الكولاج دو فرانس) في باريس، هذا التمثال من أعمال المثال الفرنسي الشهير «فريدريك بارتولدى»، الذى نحت تمثال الحرية الشهير القائم في مدخل مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد تصاعدت في الآونة الأخيرة مطالب مكثفة، تطالب بـرد الاعتبار لمصر، والحضارة المصرية القديمة؛ بسبب هذه الإهانة، وقد دشنت إحدى الجمعيات المهتمة بالتراث المصري، حملة شعبية لإزالة حذاء (شامبليون) من فوق رأس الملك الفرعوني بفرنسا، ورفعت تلك الجمعية، مذكرة للرئيس الفرنسي وقع عليها مئات المثقفين، مطالبين برفع هذه الإهانة عن مصر وحضارتها، وأن العجيب أن ذلك يحدث في فرنسا التي تقدر الحضارة الإنسانية، ولحضارة مصر بالذات مكانة خاصة لديها، وأكدت المذكرة أن مصر تعترف بإنجاز شامبليون في فك طلاسم اللغة المصرية، وبالتالي مكن البشرية جمعاء من معرفة التاريخ الفرعوني، ولذلك كرمته مصر. لكن؛ تجد فرنسا طريقة أخرى لتكريم وإحياء ذكرى ما أنجزه عالمها، سوى عرضه تمثاله بحذائه على رأس فرعون مصر، وتساءل الموقعون على العريضة، (ماذا يعنى وضع قدم على رأس ملك؟!، إنه في جميع ثقافات ولغات العالم إهانة واحتقار تجاه هذا الملك وبلده، ومن المؤكد أن شامبليون نفسه كان سيرفض ذلك ويسخطه، وهو المتعلق والمنبهر بمصر)، واستطردت العريضة لتطالب الرئيس الفرنسي (بالتدخل لإزالة هذا التمثال الذى يقوض صورة فرنسا، التي تتمتع هيبتها الثقافية بمكانة في مصر، ونحن على ثقة في تصورنا بأنكم حريصون على الحفاظ على نظرة المصريين تجاه فرنسا).
وما فعله ماركون بشأن بيروت، ومن قبله إعادة الاعتبار لأبطال التحرير الجزائري، يجعلني أثق في أنه سيعيد الاعتبار فرنسياً لسليمان الحلبى العفريني، ويزيل المهانة التي لحقت بملك مصر تحتمس الثالث، فهي وإن كانت إهانة لتاريخ مصر، فهي أيضاّ إهانة لصورة فرنسا المدافعة عن الحضارة الإنسانية.