روناهي/ منبج ـ لا تزال أسواق مدينة منبج وريفها تشهد حالة من عدم المبالاة بالمخاطر المحتملة لانتشار فيروس كورونا الذي تخطى حدود المعقول، وبات بؤرة خطرة لانتشار الوباء دون أي التزام بأدنى المعايير الصحية، بل يلجأ بعض السكان إلى تجاهل الأثر الملموس لخطاب التوعية الذي تطالب به الجهات المعنية.
يبدو أن العيد لم يرسم ويحمل الفرحة والبهجة كعادته لدى سكان مناطق شمال وشرق سوريا والذي انقضى منذ أيام قليلة، بعد أن كشفت تقارير أن أعداد المصابين بمرض فيروس كورونا بتزايد مستمر. كما وبدت التساؤلات تتزايد أيضاً عن تهاون السكان بتطبيق الإجراءات الوقائية تحسباً لمخاطر انتشار جائحة كورونا إلى جانب حالة من الذهول والاندهاش والارتياب عن مدى التساهل الكبير في عدم تطبيق الإجراءات الصحية المطلوبة.
يواصل سكان منبج ممارسة أنماط حياتهم من زيارات وتجمعات دون الالتفات والاكتراث للتنبيهات المتكررة بعدم الانجرار خلف هذه الأمور الخطرة، وعلى الرغم من أن المجلس التنفيذي لمدينة منبج وريفها قد أصدر في وقت لاحق من الشهر الجاري جملة من القرارات أهمها؛ ارتداء الكمامات الوقائية، واحترام مسافة الأمان، إلا أنّ الغالبية لم يطبقوا ذلك، وعوضَ أن يلزمَ كل واحد ذلك، لا تزال تنتشر ظاهرة الالتصاق الجسدي بكثرة.
انتشار فيروس كورونا؛ مرده الملل وقلة الحرص
وعادةً ما يلجأ سكان مدينة منبج وريفها إلى السوق المغطى أو السوق المسقوف – كما يعرف- لشراء احتياجاتهم المعيشية، حيث يعد هذا السوق من أكثر الأسواق ارتياداً للسكان بحكم وقوعه في وسط المدينة إلى جانب تنوعه بكافة أصناف البضائع، يضاف إلى ذلك قدمه التاريخي الذي يزيد عن المئة عام.
ويحتوي السوق المسقوف على محال تجارية وصناعية مختلفة قد تتجاوز الألفين وما ميزه عن سواه ممراته الكثيرة الضيقة وقرب المحال من بعضها البعض الأمر الذي كان قبل فترة قليلة حلقة اجتماعية مترابطة. ولكن؛ مع انتشار فيروس كورونا في شمال وشرق سوريا بات هذا السوق بؤرة لانتشار المرض؛ نتيجة تجاهلهم للمطالبات التوعوية الخاصة بارتداء الكمامة والاهتمام بالنظافة الشخصية فيما يتعلق بتعقيم الأيدي والحد من التباعد الاجتماعي، وهذا سببه؛ قلة الحرص بإتباع الإجراءات الوقائية الصحية التي اتخذت خلال فترة وجيزة شكل الحجر الصحي.
ومع دخول عيد الأضحى الفائت ساعاته الأولى، حتى أطلقت عدة أقاليم في مناطق شمال وشرق سوريا حزمة من القرارات تتضمن؛ منع الدخول والخروج باستثناء الحالات المرضية الحرجة إلى جانب منع التجمعات في الصالات المخصصة للأعراس والصالات الرياضية والمقاهي والكافتيريات والحدائق العامة.
وسجلت في فترة الأسبوع الفائت مناطق شمال وشرق سوريا أعداد كثيرة مصابة بفيروس كورونا، وعلى الرغم أن منبج وريفها لم تسجل أي إصابة بفيروس كورونا حتى إعداد هذا التقرير؛ وإصدار المجلس التنفيذي حزمة من التدابير الوقائية منها؛ ضرورة الالتزام بتدابير الوقائية الصحية بارتداء الكمامات والكفوف إلى جانب منع التتفل بين منبج وبقية المقاطعات، يضاف إلى ذلك منع التجمعات والازدحام، إلا أن المراقب للحراك السكاني الاجتماعي في الشوارع والأماكن العامة في هذه الآونة، سيصاب بالدهشة والذهول؛ نتيجة التّجول بحرية مطلقة، دون الأخذ بعين الاعتبار تدابير الوقاية الصحية.
الإدارة الذاتية، تطبق إجراءات الوقاية الصحية
وأمام تعاظم خطر انتشار فيروس كورونا في مناطق شمال وشرق سوريا بشكل مخيف، لجأت الإدارة المدنية الديمقراطية بمنبج وريفها إلى اتخاذ حزمة من القرارات والتدابير الصحية ضماناً لسلامة السكان.
وفي هذا الصدد، أشار مدير التثقيف الصحي في الهلال الأحمر الكردي؛ قصي شحاذة، أن هناك تجاوباً من العاملين في الإدارة الذاتية إلى الآن بضرورة التقيد بالقرارات الصادرة من المجلس التنفيذي التي تتضمن ضرورة التزام العاملين في الإدارة المدنية الديمقراطية بمنبج وريفها بتدابير الوقاية الصحية الشخصية والتباعد الاجتماعي وترك مسافة أمان بين الأشخاص. وبالتالي، يمكن ملاحظة أن العاملين عبروا عن انخراطهم التام وتعاونهم البناء لبذل المزيد من الجهود لتطويق رقعة انتشار هذا الوباء، وذلك بما يمتثل للتوجيهات والتدابير الاحترازية المقررة في هذا الشأن. وأضاف: “لكن الكثير من الأهالي لم يبدو أي اهتمام بمخاطر انتشار وباء كورونا وذلك لقلة الوعي والثقافة الصحية، ولم يأخذوا هذا الأمر على محمل الجد؛ الأمر الذي يفسر عدم التزامهم بطرق الوقاية الصحية وبضرورة التباعد الاجتماعي”.
الشحاذة أكد بالقول: “يقوم السكان في كثير من الدول المتقدمة إلى مخالفة أي قرار أو تدبير جماعي، بل إلى خرقه عموماً، ولا شك في أن السكان بمناطقنا لا يبالون بكافة الإجراءات الصحية لأنهم محكومون بأسباب الحصول على مصادر أرزاقهم أو بالأحرى معيشتهم، وكان هناك وجود تراخٍ كبير عندما يتعلق الأمر بالامتثال للمصلحة العامة. ويميل الغالبية من السكان إلى عدم التصديق بوجود الفيروس ويعتبرونه نوعاً من الحرب الرأسمالية، على الرغم من الإحصاءات والأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية للجائحة. هنالك شك وغياب الثقة الكاملة في الخطاب وهو الذي يولد الاستهتار للسكان ما أدى إلى تفشي التهاون فيما بينهم واتساع مدى الوباء”.
تراخ ملحوظ والتزام منشود
بعد تزايد أعداد المصابين في مناطق شمال وشرق سوريا مع احتمالية انتشاره كوباء على نطاق واسع يقابله تهاون في تطبيق التدابير الصحية.
وفي السياق ذاته أشار المواطن؛ محمد علي الموسى إلى أن السكان لا سيما في الأسواق والأماكن العامة لا يمتثلون إلى تطبيق الإجراءات الصحية التي أقرت من قبل خلية الأزمة بمدينة منبج وريفها، بل يلجأ الغالبية إلى مخالفتها كونهم يرونها تقلل من تعاملهم بحياتهم بشكل طبيعي. وأردف بالقول: “ربما الاعتقاد السائد لدى السكان أنهم لا يستطيعون التّأقلم مع الوضع الجديد الذي فرضه انتشار وباء كورونا من خلال ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي؛ لأن ذلك يتعارض مع رغبتهم بالاستمرار بحياتهم الطبيعة على نحو حسن ويزيد من العبء في ممارسة مشاغلهم اليومية”.
واختتم المواطن محمد علي الموسى حديثه بأن لا شك بأنه ليس بإمكان السكان ترك مشاغلهم ومحالهم التجارية التي يعملون بها لتأمين مصدر قوتهم اليومي لقاء إتباع حزمة من القرارات لا تأخذ بعين الاعتبار من قبل الغالبية لأنهم غير مبالين بما يتم الإعلان عنه تعليمات صادرة من منظمة الصحة العالمية حول طرق الوقاية المعتمدة، خاصةً في الدول المتقدمة التي لم يشفع لها تفوقها التكنولوجي والمعرفي، وقال: “وبالتالي، ينبغي الاقتناع أن هنالك خطر على حياتنا للتقيد التام بالتعليمات، ما يجعلني لا أصافح أحداً ما”.
بينما نوه المواطن؛ محمد علي بأنّ السكان في الأسواق لا يلتزمون بالتباعد الاجتماعي لأن ذلك منبعه أن السلوك البشري قلما يتقيد بالقوانين الصادرة من جهة ما، ويرفض تطبيقها لأنها تتعارض مع الطبيعة البشرية الحرة، وهذا يعني أن لا مجال للتقيد بالتعليمات والتدابير الصحية وعلى هذا المنوال، فإن نجاح تطبيق الإجراءات الصحية لن يكون ناجعاً ما لم يكن هناك عقوبات تعزيرية تفرض على مرتكبي التجاوزات بالإجراءات الصحية.
وتابع بأن نسبة كبيرة من السكان لا يبالون باحترام التباعد الجسدي على الرغم من النداءات المتكررة؛ بضرورة الالتزام بالتدابير الصحية، حيث لا يزال السوق يكتظ بالسكان دون ارتداء الكمامة والكفوف، وهذا الأمر ناتج عن غياب الوعي والتراخي الملحوظ إلى جانب عوامل اجتماعية؛ كالمصافحة والالتصاق الجسدي. وقال المواطن محمد علي في ختام حديثه: “ينبغي التفكير بطرق أكثر قناعة من أجل حث السكان على تطبيق الإجراءات الصحية”.
“مساعي حثيثة من الإدارة للسيطرة على الفيروس”
أما المواطن لؤي سلامة، فأعرب عن ثقته بأن “مجتمعنا ببساطته المعروفة قادر على تجاوز الجائحة بمزيد من الأمل والعمل المتواصل لدرء خطرها”، وأكد قائلاً: “قام الهلال الأحمر الكردي ولجنة الصحة ببذل جهود جبارة على الحدود إلى جانب تجهيز حجر صحي بكل مستلزماتها في أكثر من منطقة تحسباً لأعداد كبيرة محتملة. لا شك هناك تهاون من قبل السكان بالالتزام بإجراءات كورونا؛ بسبب قلة الوعي لكن هناك مساعي حثيثة من الإدارة لحصار المعابر، وبالتالي السيطرة على فيروس كورونا”.
واختتم المواطن لؤي سلامة حديثه بالقول: “بالطبع، كلنا أمل أن يتقيد السكان بكافة الإجراءات الصحية؛ باعتبارها السبيل الوحيد للوقاية من مخاطر انتشار كورونا. ومن هنا ينبغي أن يتكاتف السكان مع بعضهم البعض للخروج من هذه الجائحة بأقل الأضرار”.