سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

سلسلة العشائر والقبائل في منبج (3)

إعداد/ آزاد الكردي –

تتعدد الروايات حول مفهوم العشيرة، التي أصلها المعاشرة والاجتماع، وحدد بعض علماء النسب العشيرة بالذين يتعاشرون معاً من أربعة أو خمسة أجداد، ولا يقتصر ذلك على أفراد العشيرة من الجد بل يشمل أيضاً الدخلاء على العشيرة.
وتصنف العشيرة بعد القبيلة والبطن وقبل الفخذ والعائلة، ولكل عشيرة شيخ لقيادتها، وفرسان لحمايتها، وتطور مفهوم العشيرة مع مرور الزمن ليدل إلى عدة أفخاذ، وهنا يظهر عدة شيوخ للعشيرة.
 ولا شك أن مدينة منبج وريفها تشكل لوحة فنية من العشائر والقبائل العربية، إضافة إلى المكونات الأخرى، وسنكمل في التقرير الثالث عن سلسلة العشائر العربية في لقاء خاص أجرته صحيفتنا “روناهي” مع الباحث؛ محمد حسام الشواخ.
عشيرة الهنادة، التسمية والأصل والتوزّع
يشير الباحث محمد حسام الشواخ عن عشيرة الهنادي بالقول: (إن عشيرة الهنادي نصف حضر من بقايا الأعراب المتطوعة في جيش إبراهيم باشا حينما استولى على مدينة حلب، وهؤلاء البقايا من عشائر مصرية مختلفة في الأصول والمنابت، ظلوا في البلاد التي احتلوها وتزوجوا وتناسلوا، وألفوا عشيرة سميت “بالهنادي”. ويقطنون في قضاء منبج في قريتي أبو قلقل وخربة العشرة، وهما من أملاك الدولة، أما مشيختهم؛ إسماعيل حسن الربيع).
“أما عشيرة الجعابرة فتعود جذورها إلى قبيلة ربيعة العدنانية، وهي قبيلة عربية من نسل كعب بن ربيعة التي تستوطن ديار ربيعة في منطقة الجزيرة الفراتية في بدايات القرن الخامس الهجري، عندما تمكن زعيمهم جعبر القشيري من الاستيلاء على قلعة تسمى دوسر وبعد أن استولى عليها غيّر اسمها لتحمل اسمه -قلعة جعبر- في خفية أبو قلقل.
بالنسبة لعشيرة العميرات؛ هم في قرى سقي الفرات، مثل دادا وخشخاشة الصغيرة وجوف الأحمر، وأفخاذها الخطاب والشاهر والمطرد والبو غازي والعميرية. أما عشيرة البو صلاح؛ هم في قرى كيارية وجب القهوة وجب فارس وحسرة وخفسه الصغيرة وخفسه الكبيرة ورسم عبود، وهذه العشيرة فخذ من البني سعيد. وبالنسبة لعشيرة المجادمة؛ هم في قرية خربة الشياب، ولكن أكثر هذه الفرقة في قضاء الباب، والمنكوبة وتل ياسطي، أما مشيختهم، فهو الشيخ محمد الحسن العلي.
عشائر الولدة والبو دبش
وعن عشيرة الولدة يقول الشواخ بقوله: “ترجع نسبتهم إلى حمير بن سبأ بن قحطان اليمن، وأكبر قراهم الخفسة الكبيرة، وهم يرجعون إلى البو شعبان، ومن أفخاذهم: فخذ الغانم والناصر: في قرى الحمر التي هي ملكهم بموجب إسناد تمليك، وفي قرى من أملاك الدولة؛ كخسفة الكبيرة وعارودة الكبيرة وعارودة الصغيرة وعين الشاطر وعين الجاموس وغيرها، وفخذ البو مسرة، ويتوزعون في قرى بابيري وحبوبة الصغيرة وخربة الحمرة ووردة، وفخذ الوردات وهذا الفخذ له أفخاذ أيضاً، ولكثرة أبناءه في ريف منبج، سنذكر من أفخاذهم؛ فخذ الجْمال، وفخذ الحمد العلي، وفخذ البدورات، وفخذ الراشد، وفخذ الوريدات وفخذ العمامير، وفخذ العلي الجاسم، وفخذ الراشد”.
وذكر أنهم ينتشرون في قرى جب خميس وجديدة المسطاحة وخربة برغوث (السيد) والسودة وكسرة وقرية الشجرة والكسرة، وفخذ الجعابات، ويتوزعون في حويجة إسحاق وزبن، وفخذ البو مانع في خربة عقلة ورجم الأقرع وعطشانة وملاح ووضحه. وفخذ البو حسن للشيخ خلف الفرج في ردة الكبيرة وردة الصغيرة. وفخذ التُرن في رسم الغزال، وفخذ الصعب للشيخ علي الأحمد في أم رسوم وسمومه، والعامر والعلي فارس.
ونوه أن عشيرة البو دبش: ويعودون إلى جدهم البو دبش أو عائلة الدبش، اسمه؛ الأمير علي ودبش كان لقباً وليس اسماً، أطلق على الأمير علي دبش من كثرة الإبل والحلال الذي يملكه أيضاً. ويعود الأمير علي الملقب (دبش) بن الأمير خضر أي يعودون إلى محمد الباقر علي زيد العابدين الحسين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
وبيّن أن عشيرة البو دبش من العشائر العربية وهي غنية عن التعريف، والمتواجدة في سوريا في مدينة الرقة في قرية حويجة شنان، وفي حلب منطقة منبج ودمشق وباقي المناطق، كما يتوزعون في مصر والأردن والسعودية، ويرجع نسبهم إلى آل البيت، وهم ساده حسينية هواشم عدنانيون النسب، وصرختهم في الحرب؛ أخوة مياحة، أي نخوتهم، ويقطنون في قرى الدندنية والجاموسية وجتال وإيران.
عشيرة الدمالخة؛ التسمية والتوزّع
وفي حديثه عن عشيرة الدمالخة، قال الباحث محمد حسام الشواخ: “يعود الدمالخة إلى (إبراهيم أول من لقب بالدملخي) وهو ابن أحمد ابن مصطفى ابن احمد ابن يونس ابن احمد اسد الدين ابن الشيخ علي بركه ابن السيد سليمان السبسبي الكبير دفين الخصيمة قرب مدينة سلميه؛ التابعة لمدينة حماه.
وذكر أن تاريخ هذا اللقب، يعود إلى عهد الحكم العثماني لبلاد الشام والسيد إبراهيم بن أحمد، حيث كانت هناك واقعة كانت سبباً لظهور هذا اللقب. أما الواقعة، فقد جرت بين فصيل من الجيش العثماني في وقتها وبين أخوة ثلاثة دافعوا فيها عن أخت لهم، حاول أحد الجنود الاعتداء عليها فقتلوه، فتقدم أخرون من رفاقه لنجدته، فتصدى لهم الأخوة الثلاثة ببسالتهم، وأوقعوا بهم، ومن ثم تقدم أيضاً أبناء عم الأخوة هؤلاء لنجدتهم أيضاً. وهنا حدثت معركة كبيرة كانت سبباً لقدوم قوات أكبر، مما أدى فيما بعد إلى تشتت السادة الدمالخة في أنحاء كثيرة مختلفة هرباً من بطش الحكام والباشاوات في ذلك الوقت.
وأردف قائلاً: “لقد ذكر المرحوم الشيخ؛ صالح البركاوي كبير السادة البر كاويه في حماه، أن سبب هذا اللقب (دملخي)، هو من كلمتين دم لخ أي من كثرة ما أريق من الدم في تلك المعركة حتى تلطخت ثياب المقاتلين بالكثير من الدم الذي صار ينقط من ثيابهم، وهناك تفسيراً آخر لأصل هذه الكلمة، وهو لا يبتعد كثيراً عن مضمون التفسير الأول، والتفسير الثاني الذي أقصده، ذكره محمد زيدان الدملخي حامل نسب السادة الدمالخة في مدينة حلب (النسخة القديمة والتي تعود لأكثر من أربعمائة سنة)، وبالطبع لا خلاف على أصل القصة ولكن كان تفسيره لكلمة (الدملخي) هو أنها جاءت من كلمتين هما (دمي- لأخي) ومن ثم صارت دملخي، وهي طبعاً تفيد استبسال أولئك الأخوة الذين حاول كل واحد منهم أن يفدي أخاه بدمه، وهو معنى نبيل ويسير في نفس السياق الأول. وهذه الحادثة على الأغلب جرت في دير جمال قرب حلب. ويتوزعون في قرى أم جلود وجب حسن آغا وخربة الشباب وكابر الكبيرة ومقبلة حسن آغا وقرعة صغير التي بجوار مغارة أم السرج.، والحمران وشويحة العيدو وشويحة خزناوي والجب الطويل.
عشيرة الحديديين؛ التسمية والنسب والأثر
وعن عشيرة الحديديين، تحدث الباحث محمد حسام الشواخ بالقول: “إنّ أصل الحديديين جاء من أنحاء الموصل في شمالي العراق، وهم من أعقاب رجل معتقد بولايته وكراماته، واسمه الشيخ محمد عجان الحديد، وضريحه في مدينة حديثة العراقيّة على نهر الفرات”.
وبيّن أنه عُثر على وثيقة حصل عليها المرحوم “محمود النعسان المدهوشي”، تذكر نسب آل الإبراهيم شيوخ الحديديين، وبذلك يكون نسب الشيخ نوّاف الصالح وفق التسلسل التالي: “نوّاف بن صالح بن جرخ بن إبراهيم بن كنش بن حميد بن جادر بن الشيخ حديد الذي يصل نسبه إلى محمد الباقر. وكان الحديديون يقيمون في أنحاء الموصل، أما عن أسباب قدومهم إلى جنوب حلب، فهناك عدّة روايات، ومنها: رواية الشيخ نوّاف الصالح: ويذكر الأستاذ أحمد وصفي زكريا، أنّ الشيخ نوّاف الصالح، حدّثه في عام 1933م بقوله: “إنّ حمد العباس كان أمير البادية، فجاءته ذات يوم امرأة من بنات الشيخ محمد عجان الحديد، واستجارت به كي ينقذ أبناءها السبعة من سجن بغداد، وكان هذا الأمير ذا صولة ووجاهة طائلتين، فأنقذ هؤلاء الأخوة جميعاً.
تطور الحديديين مرده أُسر شيوخهم
وأكد الباحث محمد حسام الشواخ نقلاً عن الأستاذ أحمد وصفي زكريا الذي أضاف: “وهؤلاء الأخوة هم أجداد الحديديين الحاضرين، فقد أعقب أربعة منهم، واسمهم غنطوس وصليبي وجادر وجميل، فسميت الفرق التي تسلسلت منهم بالغنا طسة، والأبو صليبي، والأبو جميل، وسميّت سلالة جادر باسم أحفاده كنش وزليط وفاتله وشتيوي. وقالوا إنّه حدث بعد حين نزاع بين الأخوة القناصة وأحد أبناء الأمير أدّى إلى نزوح هؤلاء عن الموالي، والتف حولهم جمع من عشيرتهم الحديديين الواردين من أنحاء الموصل، فتكاثروا وصاروا حيّاً كبيراً قرب الموالي. ويذكر المستشرق الألماني أوبنها يم: “يدين الحديديون بتطورهم إلى أُسر شيوخهم التي عرفت كيف تستغل فرص تراجع البدو الرحل، وتفيد من تطورات حقبة ما بعد الحرب، نجحت الأسرة أوّل الأمر، في تجميع نواة قبيلة البو كنش وأتباعها من حولها، ثم أخضعت بقية العشائر لسلطتها، فحلّ التنظيم السياسي الصارم محلّ روابط الدم الواهية، وتنامت ملكيات القبيلة بسرعة وتوسعت مناطق انتشارها، فزاد قطر دائرتها إلى أكثر من الضعف بين عامي (1880 م – 1914 م)، وأصبحت القبيلة شبيهة بالبدو الأقحاح في عاداتها وتقاليدها وحتى في لغتها”.
الانتقال إلى الزراعة، والتوزع الجغرافي
وأشار الباحث محمد حسام الشواخ أن حقبة ما بعد الحرب (العالميّة الأولى) شهدت بداية تطوّر معاكس، وتسارع مع سنوات الجوع في عامي (1932 ـ1933م) التي جعلت الحديديين ينتقلون إلى الزراعة، ولكن دون أن يفقدوا شيئاً من تماسكهم وقوّتهم القتاليّة، لأنّ المؤثرات التفكيكيّة التي تصاحب استقرار البدو عادة، لم تحدث عندهم.
وتابع بالقول: يضيف أوبنهايم: “يقيم الحديديون في الصيف بين حلب وحماة إلى الشرق من خط سكة الحديد، حيث يزرعون أراضيهم، ويعملون كعمّال زراعيين أو يقومـون بأعمـال نقل على جمالهم، أمّا في الشتاء، فهم ينتقلون في السهب السوري الشمالي بين أثريه والرصافة والسخنة، ويتوغلون أحياناً إلى عمق الصحراء وادي المياه تقع مستقرات الحديديين على بعد خمسين كم2 إلى الجنوب من حلب”.
واختتم الشواخ قائلاً: “لقد تمت عام 1928م تسوية نزاعات بينهم وبين الموالي حين رسمت لجنة حكوميّة حدود مناطق سكن القبيلتين وتمت مبادلة المناطق المتداخلة لكل واحدة منهما لدى الآخر. وفرقهم، هي؛ الغناطسة والعصيبات والأبو كردي (الأبرز) والأبو ثابت والتويمات والأبو غيث والأبو عطيري والأبو غزال والجغاتية، وهم في بعض قرى قضاء منبج، ونخوتهم أهل الجدعة، ومشيختهم الشيخ خليل الحاجم”.