روناهي/ منبج: مما لا شك فيه، إن سوريا على مر تاريخها الطويل كانت فسيفساء زاخرة بتنوع القبائل والعشائر التي كانت تربط فيما بينها القيم والعادات الفاضلة الراسخة في ذاكرة كل سوري. وبناء على ذلك، عرف الشعب السوري من قبل الزائرين والسياح بأنه من أكثر شعوب المنطقة مضيافاً، شيمته المروءة والكرم.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011م التي ألهب جذوتها وشرارتها الاعتماد على ضرب المكونات ببعضها في محاولة للجهات المناوئة تلك تغييب ذلك النسيج العشائري لا سيما في منطقة شمال وشرق سوريا، وزعزعة بنيانه عبر عدة صدمات وتقلّبات أثّرت على بنيته الداخليّة، وخلفت تناقضات داخل العشيرة الواحدة وبين العشائر المختلفة، وهذه التناقضات أثّرت على طبيعة العلاقة بين المكوّنات العشائريّة، مما أضعفها إلى حدّ أصبحت فيه العشيرة منقسمة على نفسها. ومع تحرر مناطق شمال وشرق سوريا وشيوع فلسفة الأمة الديمقراطية جذبت وأعادت العشائر والقبائل إلى سابق عهدها بما تحتويه من أخوّة الشعوب دون تمايز باعتبارهم جميعاً سواسية بالعادات والموروث واللغات. ولا شك أن مدينة منبج وريفها تشكل لوحة فنية من العشائر والقبائل العربية، إضافة إلى المكونات الأخرى مثل؛ الأكراد والتركمان والشركس، وسنكمل في التقرير الرابع والأخير عن سلسلة العشائر العربية في لقاء خاص أجرته صحيفتنا” روناهي” مع الباحث؛ محمد حسام الشواخ.
عشائر البرق والخنافرة والغراوين والعدوان والبجارة
وأشار الباحث محمد حسام الشواخ في حديثه عن عشيرة البَرَق، فقال: “في قرية الأوشرية والعمارنة (منطقة جرابلس)، وعشيرة الخنافرة: في أم عظام، وتعود هذه العشيرة بالأصل إلى عشيرة الموالي المعروفة. وعشيرة الحذيفة: في أبي كهف وأبو منديل، وعشيرة الغراوين: من عشيرة (البو سبيع) في جب الثور وخشفة أم عدسة (إلا بدة) وقناة الغرة وحاج عابدين، وعشيرة العدوان: في خربة الحصان. أما عشيرة العجلان: ترجع بالأصل إلى قبائل بني سعيد، وتعيش مع العشائر الثانية في قراهم، وتواجدهم بكثرة في مدينة منبج، وعشيرة البجَّارة: في راطونية وطحنة الكبيرة، ونخوتهم؛ عيال عابد.
عشيرة الجيس، المنشأ والمشيخة
وأضاف بالقول: “أن عشيرة جيس، بحسب ما تناوله الشيخ “كامل عباس الجيسي” الذي أشار إلى أنه يعود شيخ جيس في الجزيرة السورية من مطلع القرن التاسع عشر إلى عام 1990 وهم الحمران من فخذ حلاوة، وهم أناس كثير. كان الشيخ بشير العيسى، ثم خلفه ابنه عبد البشير العيسى وأنا رأيته توفي عام 1982م، وكان ابن مهيد يعزه جداً، وأقطعه قرية في البادية إلى اليوم بيدهم، وعنده أختام كل أفخاذ جيس في سوريا التابعة له، وبيننا وبينهم نسبة قوية وقرابة. ثم خلّفه ابنه زاكي العبد البشير العيسى الذي توفي عام 1990م، ويقيمون في قرية حرملة التابعة لقرية حيمر جيس، ثم تفرقت جيس سوريا، والتحق بعضهم ببيت بري في حلب، وهم من عبادة، وبقي قسم كبير على ما هم عليه الآن، ونخوتهم؛ أخوة لعوب. أما حلاوة، فهم أكبر فخذ في بني محمد الغربي.
وتابع بالقول: “فأفخاذهم هي: 1_ حمران ويقيمون في (حيمر جيس، حرملة، حج عابدين، منبج). 2_ الدنادنة وأفخاذهم هي: (النبعات، الرحال، الذبان، المهموم) ويقيمون في (محترق صغير، محترق كبير، منبج، الداشلي، طوق الخليل، أم عظام وغيرها. 3_ سويعدين: برداق الرقة حلب البرازية. 4_ رشيدات: المروح منبج الشيخ ناصر. 5_ صبيحات: الشيخ ناصر 6_ سلهدين: محترق كبير، سهل منبج الجنوبي. 7_ العسكر: قرعة صغير، منبج، محترق كبير. 8_ الحداد: محترق كبير، منبج. 9_ المراعبة: منبج، حفيان. 10 _ المقبول 11_ المبخش. 12_ زراونة: منبج، صرين. 13 _ الطربوش -عشيرة اللهيب: تعود إلى قبيلة الجبور، كما ذكرنا سابقاً وتوجد بيوت متفرقة في قرى منبج. 14-عشيرة بني جميل: تعود نسبتهم إلى عشيرة النعيم المعروفة، أي أنهم سادة حسينية. 15-عشيرة النيفات: 16-عشيرة طي: ترجع بالأصل إلى عشيرة طي العدنانية المعروفة. 17-عشيرة الصريصات: 18-عشيرة الوهب: وهم يقطنون في قضاء منبج في قرية مقتلة. 19-عشيرة الكيَّار: ومن فرقهم العواد والقرامطة والبو عبد الله والحمران والبو بلد والبو حديد والعركش”.
بناء منبج على يد الشراكس الأوائل
وحول تواجد العشائر الشركسية في مدينة منبج، بيّن الباحث محمد حسام الشواخ ذلك، فقال:” إن الشركس: قد هاجروا من ديارهم قسراً بعد أن قضوا أكثر من سبعين سنة يذودون عنها ضد هجمات الروس، ولما أعيتهم القوة هاجروا إلى البلاد العثمانية؛ فأقطعتهم قرى كثيرة مبعثرة في أنحاء مختلفة، وكان ذلك في عهد السلطان عبد العزيز الذي اشتهر عهده بالفوضى، فلم يحسن توزيعهم، فزاد في تمزيق شملهم وهلك معظمهم يومئذ بالجوع والأمراض.
وأردف قائلاً:” في العهد العثماني، بلغ عدد العائلات التي وصلت منبج (350) عائلة، وأذكر بعضاً منهم: الأبزاخ؛ ويشكلون 85% -90% من العدد العام ومنهم الفروع والعائلات التالية: (حتقوه: ومنهم؛ أبده، وجالا، اتقوه، وبلوخ، وآبه زاو) و(مارات قوه: ومنهم؛ يجانوقه يزاو يخولىء)، و(جتاو ـ كتاو: ومنهم تو)، و(لئيش: ومنهم بجموقة توانه)، و(بغواشه، بجوي). هذا بالإضافة إلى بعض العوائل القبرطاي والبجد وغ ولأباظة والحات قواي والشابسوغ والأوبيخ الذين يعيشون بينهم. وسكنوا منبج بموجب سند تمليك دولة، ليصبحوا ملّاكاً لأرض منبج، ولهم طقوسهم وعاداتهم يمارسونها لحد الآن في منبج”.
ندرة لقبائل الأرمن
أما في حديثه عن الأرمن، أشار الباحث الشواخ قائلاً:” لقد كانوا يشكلون العنصر الثاني بعد الشراكسة في إعمار المدينة قديماً، وقدموا من بلادهم؛ نتيجة التهجير القسري الذي حل بهم، وكان عددهم في سنة 1926م، كما ذكر وصفي زكريا، قرابة 100 نسمة، أما في السنوات القليلة الماضية، فلم يبقَ منهم إلا عائلة أو عائلتين وأكثرهم هاجر إلى حلب”.
فرمان عثماني بإسكان قبائل التركمان
أما بالنسبة لقبائل التركمان، فقد أوضح الباحث محمد حسام الشواخ ذلك بقوله:” سكنوا في منبج قديماً عندما هاجموها سنة 1241م ، وفي عام 1693م أمرت الإمبراطورية العثمانية بإسكان عشائر تركية متنوعة في منطقة منبج التي كانت في حالة خراب منذ أكثر من مئة سنة، وصدر بذلك أمر بتاريخ 19حزيران 1693م إلى والي الرقة وإلى قاضيها بإسكانهم وتوطينهم فيها، وعلى إثر ذلك، تم توطين 1038 عائلة في 1481فدان تقريباً من أراضي القرى التي ترويها مياه نهر الساجور، وتم توزيع 245 فداناً من أراضي منبج على 197 عائلة أسكنت فيها”.
وأضاف:” ينتسب التركمان إلى أفخاذ (طورون إل بيلي، وطافور إيلي، وفيروز لو، وطاف، وقلو، وقره طاشلي، وطوفونلي، وعادلي، وحاجي فقيلي، وحسين فقيلي). كما شهدت منبج أيام العثمانيين هجرة بعض العائلات التركية قدموا من مدن “عينتاب وترب خربوط واستقروا في حي عينتاب، وبعضهم قدم مؤخراً من الجزيرة وجرا بلس وإعزاز”.
الباحث محمد حسام الشواخ أضاف:” لقد سكنت منبج بعد عام 1948م عائلات قليلة من الفلسطينيين، وكان عددهم يقارب (200) نسمة، وقد تزايد هذا العدد في وقتنا المعاصر، وهؤلاء قدموا من فلسطين وأغلبهم من مدينة يافا وعين غزال، وقد استقروا في منبج وعملوا في وظائف الدولة، وفي مهن متنوعة، وأبرزها (الخياطة)”.
خلاصة:
يعد البحث في علم الأنساب من أكثر العلوم تعقيداً وخطورة كون أن المساس بشرف القبائل وتاريخها يعد جريمة كبيرة، وهو ما نفرته القبائل والعشائر في العصور الأولى من الجاهلية وعصر صدر الإسلام التي كانت تسمي التعدي على حرمتها بالهجاء لما له من إيلام وهتك للعرض.
في المقابل كانت العشائر والقبائل ذاتها تتفاخر بأنسابها بما تحمله من فضائل لفرسانها وأيامها العظام. وبالتالي، فإن النظر في دراسة كهذه من خلال التقارير الأربعة من قبل الباحث محمد حسام الشواخ ليس بالأمر الهين خاصة وأن مدينة منبج وريفها باقة من الجمال العشائري المتلاحم العريض والشائك. فقد حاول الباحث أن يضع القرّاء أمام نبذة تاريخية لعشائر مدينتهم- وإن كانت هذه الدراسة غير مستفيضة بالقدر الكافي- فإنه يحسب للباحث فضيلة كبيرة أنه أول باحث تناول هكذا نظام عشائري بهذا الأسلوب والنوعية على الرغم أن الباحث” أحمد وصفي زكريا” قدم ذات النتاج في كتابه” جولة أثرية في بعض البلاد الشامية من قبل. غير أن من المؤكد أن البحث يحتاج إلى كثير من الاستفاضة والتحليل لكثير من الحقائق حول أصول وجذور الأولى للعشائر والقبائل الأمر الذي يساعد على تقديم دراسة وافية عن تاريخ المدينة كاملاً عن إرثهم وتراثهم المفقود، ولربما إذا استكمل الباحث” محمد حسام الشواخ” دراسته بشكلٍ كاف، فسوف يزيل غشاوة واسعة عن عظمة هذه العشائر والقبائل المتنوعة.