سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

سقطة “أردوغان” تكشف عن هدفه الحقيقي من شمال سوريا

ولاء ستيت ـ وكالة فرات للأنباء –

الجميع يعي هدف أردوغان من شمال سوريا، لكنه ولأول مرة يُعلن شيئاً من هذا الهدف، فقد أصبح يتحين الفرص من أجل القضاء على مشروع الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية التي تستمر في دحر داعش بشمال سوريا التي دافعت عن المنطقة من السقوط في فخّ الإرهاب والاحتلال.
رغم المشهد التمثيلي الواضح الذي اتبعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في رفضه لقاء مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون الذي يبحث مع حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين سبل التحرك في إطار سحب القوات الأمريكية من سوريا، سقط أردوغان في فخّ عبثه ليعلن وبصورة مباشرة أن هدفه من التدخل القادم في سوريا بعد خروج القوات الأمريكية هو القضاء على وحدات حماية الشعب. والحقيقة إن أردوغان يريد بتحرّكه القضاء على الكرد وإنهاء أيّ أمل في تواجد قوي للكرد في الشمال السوري وما يسمح لهم التأثير من خلاله وبقوة في إعادة تشكيل نظام ديمقراطي في سوريا.
الإرهاب في منطق أردوغان والدولة التركية
 في حديثه الاستباقي لإعلان رفضه للقاء جون بولتون خرج ليقول: “لقد أكملنا استعداداتنا العسكرية، نحن مصممون على اتخاذ خطوات بشأن وحدات حماية الشعب، سوف نتحرك قريباً للقضاء على الجماعات الإرهابية في سوريا”، وكلّ المشاهد التي سبقت ذلك تؤكد أنّ أردوغان لم يعمل في القضاء على داعش بأي صورة ولا بأي مرحلة من المراحل. إنّ التدخل العسكري التركي السافر في العراق وسوريا كان غرضه الأساسي استهداف الكرد، وليس هذا فحسب، لكن هناك العديد من الشواهد التي تؤكد على أنّه كان أحد أبرز الداعمين للتنظيمات الإرهابية من مرتزقة داعش وغيرها. داعش الذي بدأ يلتقط أنفاسه مؤخراً في المواجهة التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية معه في حملة عاصفة الجزيرة بجيبها الأخير لمعركة دحر الإرهاب، بعد إعلان تصعيد أردوغان وإعلانه عن حملته العسكرية شرق الفرات، وكأنه كان يسعى لمنح داعش قُبلة الحياة قبل خطوات من القضاء عليه.
وهذه المرحلة تعتبر هي الأعقد وهي في الوقت نفسه التي يتشكل فيها مستقبل المنطقة ككل، وأردوغان يعي مجمل المحددات والمتغيرات الراهنة، لذا فهو منذ قرابة العام، بدأ تحركه في سوريا تجاه عفرين ولن يتوقف عن مواصلة مسيرته في احتلال الأراضي السورية. لكنه؛ في الوقت نفسه يبحث عن أرضية دولية تبيح له تحركاته هذه. ومن الواضح أن أردوغان كان من أوائل الذين رحبوا بقرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب، وربما كان سبباً في هذا القرار الذي جاء رغماً عن البنتاغون والقادة العسكريين في الولايات المتحدة، الذين وضعوا في أزمة كبرى من منطلق أن السلطات الفعلية في الولايات المتحدة ذات النظام الرئاسي في يد الرئيس، وهو الذي في يده كل خيوط هذه المسألة، فدونالد ترامب لا يتخذ قرار الحرب، لكن لا شيء في الدستور ولا القانون يمنعه من سحب القوات، ويبدو أن عقلية رجل الأعمال كانت السبب في القرار الذي وبعد عشرين يوماً أبدى تراجعه عن مسألة الخروج الفوري التي كان يتعامل بها في الساعات الأولى من اتخاذ القرار.
أردوغان يخاطب الشعب الأمريكي
مناورة أردوغان التمثيلية تجاه سوريا لا بد أن تصل بطريقة أو بأخرى للشعب الأمريكي، الذي سمع وزير خارجيته يقول إن الولايات المتحدة لن تسمح لتركيا بذبح الكرد، وحديث أعضاء الإدارة الأمريكية البارزين عن وضع الكرد ودور الولايات المتحدة في تقديم الدعم للحلفاء، كان لا بد معها من توجهه إلى الشعب الأمريكي ليطمئنه من أمر آخر مختلف، وهو خاص بمقدرة تركيا على هزيمة داعش، بل والتزامه بذلك؛ وذلك من خلال مقال له بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشره قبل إعلان موقفه من لقاء بولتون. والغريب أنّ مقال أردوغان يأتي قبل يوم من لقائه مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون الذي زار المنطقة في الأيام الماضية، والذي سبق له أن أعلن، بأن على تركيا الموافقة على حماية حلفاء الولايات المتحدة الكرد الذين تنظر إليهم أنقرة بوصفهم أعداء. واعتبر أردوغان أن قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا كان صائباً وصحيحاً، داعياً إلى ضرورة التخطيط للانسحاب بعناية مع من وصفهم بالشركاء المناسبين، وهنا يكون السؤال، إذا كان بالفعل هو أحد هؤلاء الشركاء، فلما رفض استقبال بولتون حيث اقتصرت لقاءات بولتون أيضاً في بلاده على درجة نواب وزيري الخارجية والدفاع وكذلك الاستخبارات؟ ولماذا لم يفتح الباب للنقاش والتخطيط مع الرجل الثاني في الولايات المتحدة من حيث درجة الأهمية (بعد الرئيس) للنقاش حول الوضع وحتى لمناقشته في الشروط التي تحدث عنها بولتون قبل الزيارة؟

أردوغان في مقاله يلعب على وتر (حماية المصالح الأمريكية) التي تُعدُّ هاجساً لدى الشعب الأمريكي، كما أنه يقول إن بلاده ملتزمة بهزيمة داعش والجماعات الإرهابية في سوريا، ما يعني أن تنفيذ قرار ترامب بسحب القوات لن يؤثر على عملية القضاء على داعش، وهو الأمر الذي تؤكد زيف أقواله وكذبه، لا أدري متى حارب الجيش التركي داعش على الأرض فعلياً؟ داعش التي جاورت تركيا على طول 200 كم لأكثر من عامين من مبروكة وسلوك وتل أبيض وحتى جرابلس، ولم نشاهدها تتدخل أو تناوشهم ولو لمرة واحدة. ويستعرض أردوغان في مقاله أيضاً قواه ليقول إن بلاده هي “الوحيدة التي تمتلك زمام القوة، ولديها القدرة على الالتزام لتنفيذ مهمة هزيمة الجماعات الإرهابية في سوريا، فهي تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو. وليس هذا فحسب، لكنّه يلمّح إلى أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وقعوا في خطأ كبير في العراق، بعد هزيمة “داعش”، عبر الإعلان السابق لأوانه للانتصار، وبالتالي فإن الأمر نفسه في سوريا فهو لا يريد أن يتم الوصول لإعلان الانتصار على الإرهاب والقضاء على داعش، فداعش على ما يبدو سيكون ستاره أمام العالم بأسره في حربه التي يجهز لها بضراوة على الكرد في سوريا، وكلّ حلمه هو القضاء على تجربتهم التي تسير في طريقها للنجاح مع حالة التحول والتغيّر الأخير على الساحة السورية. وأخيراً، يبقى التأكيد على أنّ حديث أردوغان وسقطته بشأن وحدات حماية الشعب، تؤكد أنّه لن يغيّر موقفه من الكرد وسيشنّ حروبه عليهم في كلّ مكان وزمان كي يحقق هدفه المنشود، حتّى وإن كان عبر احتلال الأرض في عالم انتهى فيه الاحتلال المباشر للأراضي، وهو الأمر الذي يستدعي ضرورة الانتباه لهذه الأطماع الجديدة القديمة لاستعادة حلم الخلافة المزعوم الذي يسعى إليه.