مما لا شك فيه أن تركيا تستغل الأوضاع الراهنة التي رافقت الربيع العربي، وحالة الضعف والوهن التي تضرب جسد الدولة السورية، والعراقية، والليبية، لتحقيق أطماعها التوسعية؛ فاحتلال مدن الشمال السوري، وكري سبي/ تل أبيض وسري كانيه/ رأس العين في روج آفا، والتوغل غير المبرر في باشور كردستان تدفعه أوهام إعادة إحياء الدولة العثمانية سيئة الصيت، تلك الأوهام التي تدغدغ مخيلة قادة حزب العدالة والتنمية الذي يستخدم الدين الإسلامي الحنيف منطلقاً له لاحتلال المنطقة، وتغيير ديمغرافيتها والنيل من كل الشعوب الأصيلة.
لو عدنا إلى الوراء قليلاً، ونبشنا كتب التاريخ، وفتحنا صفحاته، لفهمنا الهمجية الأردوغانية، وأمثاله من الفاشيين، فعندما تأسست دولة السلاجقة على يد قبائل الأوغوز قطعت هذه القبائل العهد على نفسها أن تنال من إرادة كل الشعوب الساعية إلى تأسيس القيم الديمقراطية، والحياة المدنية، فهذه القبائل، أجداد بني عثمان، كان ديدنها قطع الرؤوس، وإبادة الشعوب، ولم يسلم منهم حتى الأتراك الأصلاء، فمن يديرون تركيا الدموية هم العثمانيون الذين تسري في عروقهم دماء الأوغوز، فمنذ القرن الثاني عشر يتبع السلاجقة ومن بعدهم من بني عثمان سياسة القضاء على كل حركة، سواء قومية أو دينية تطالب بالانتقال نحو أخوة الشعوب، فتم سحق الأرمن، والسريان، والآشور، والكلدان، وسُحل قادة الحركات الكردية كسيد رضا والشيخ سعيد بيران، وأُحرقت ودُمرت الآلاف من القرى الكردية، وهُجر الملايين إلى المدن التركية بغية الصهر القومي، فالعنصر التركي الأوغوزي العثماني تقوم سياسته على التوسع والاحتلال، ولا حدود جغرافية لأطماعه، فها هو سليلهم أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية يتوغلون ويحتلون مدن الشمال السوري، ويستبيحون الحرمات على يد الفرق الأردوغانية من المرتزقة، فيتبعون سياسة الأرض المحروقة ويهدمون التماثيل التي ترمز إلى ثقافات الشعوب، كتمثال كاوا الحداد في عفرين، فهم يسعون من خلال وحشيتهم أن يرسلوا رسائل لشعوب المنطقة عامة مفادها أننا سنقضي على رموزكم وتاريخكم وثقافتكم.
فعلى هذا الأساس المبني على جماجم الشعوب الأصيلة يجتاح أردوغان وزبانيته، سوريا، والعراق، وباشور كردستان وروج آفا، والحجة في ذلك حركة التحرر الكردية المتمثلة بحزب العمال الكردستاني، بدأت عمليات التوغل في عفرين وسري كانيه، وغيرها من مدن الشمال السوري، ويستكمل المخطط هذه الأيام في باشور كردستان، حيث يتم بناء قواعد عسكرية دائمة في زاخو، ودهوك، وكاني ماسي، وقبلها بعشيقة، ويتم يومياً قصف الآمنين في حفتانين، وخاكورك. فمن قضى في القرن العشرين على ثورة كوجكري، وآرارات، وآكري، وديرسم، وارتكب المجازر في كلي زيلان وآلا قمش يريد تكرار نفس السيناريو في باشور كردستان وروج آفا. فالأطماع التركية في إعادة احتلال كردستان، وإعادة إحياء التاريخ العثماني في مصر، وليبيا، وإفريقيا، وأوروبا، هو حلم يريد تحقيقه أردوغان وحزبه الفاشي الذي يختبئ تحت العباءة الإسلامية وحجة نشر الدين الإسلامي لكن شعوب المنطقة ذات التاريخ العريق من الكرد، والعرب، والسريان، والأرمن، والقبارصة واليونان يدركون حقيقة بني عثمان وأطماعهم؛ لذلك على الرغم من القمع الشديد والمجازر والمذابح الوحشية في ظل الصمت الدولي المريب تجاه أفعالهم القبيحة، ولاسيما مجازرهم وقصفهم اليومي بكافة أنواع الأسلحة ومنها المحرمة دولياً على باشور كردستان، لم يستطيعوا ولن يتمكنوا من إخماد جذوة النضال، وثورة الشعب الكردي الذي لا يرضى بالخنوع والذل عبر التاريخ.
ففي حفتانين، وجبال متينا، وزاغروس يُكتب تاريخ جديد من المقاومة، تاريخ بطولي بدأ باستخدام سلاح الأمعاء الخاوية في الرابع عشر من تموز في سجن آمد على يد القادة الطلائع: كمال بير، ومحمد خيري دورمش، وعلي جيجك، وعاكف يلماز، فمنذ ستة وثلاثين عاماً لم تنطفئ شعلة المقاومة التي أشعلها القائد الشهيد عكيد “معصوم قورقماز”، فكريلا القرن الحادي والعشرين يسطرون ملاحم من الفداء اللامتناهي في وجه الفِرق الأردوغانية المدعومة من حلف الناتو، ويردونهم على أعقابهم، فالدولة التركية ومع استخدامها لتقنيات الحرب الحديثة تتكبد يومياً خسائر فادحة في أرواح جنودها، وإن المقاومة التي تحولت إلى أسلوب حياة للكريلا هي ليست من أجل حماية الشعب الكردي فقط بل من أجل الدفاع عن كافة شعوب المنطقة، والشعوب المؤمنة بالحرية والقيم الديمقراطية، فالشراسة والوحشية والفكر الاحتلالي والتوسعي التركي في سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن مؤخراً وتهديد التجارة العالمية في المتوسط؛ سترتطم أمام صلابة الشعوب التواقة إلى بناء حياة تشاركية ديمقراطية.