No Result
View All Result
المشاهدات 2
أزهر أحمد –
لكل ثائر في حركته، صوته, هياجه, في دموعه وزغاريده, هي لوحة وصورة تعجز عن فك طلاسمها جميع أجهزة الاستخبارات, وعلماء الذرة, وتكنولوجيا الحداثة الغربية, ونظريات فلاسفة العالم.
والحشد يسير نحو مزار الشهداء، وعلى الأكتاف جثامين أبطال تودع الأنحاء نحو خلود أبدي، ذلك السيل يوحي للناظر بهيجان بحر سئم الركود, يرتفع موجه مع ارتفاع زمجرة الحناجر لتعانق السماء متوعدة بالثأر, وزمجرة حناجر المظلومين الثائرين الداخلين إلى مزار الشهيد دجوار, لتمتزج تلك الهتافات مع زغاريد أمهات الشهداء, وهتافات الخلود وصيحات الشباب المتوعدة بالثأر, مجددي العهد باستمرار المقاومة, تلك اللوحة التي ترسم صحوة الوجدان الذي لطالما عجز عن إيقاظه قواميس وأكاديميات ومحاضرون.
حتى الأرض شق في جسدها جيباً, لتضم إلى جسدها أجساداً طاهرة, وتسابقت ذرات ترابه الأحمر شوقاً لتحتضن بين طياتها أجسادً طاهرة تقييها زمهرير الشتاء, وحرارة شمس آب.
السيل الجارف يدخل المزار وسط سيل من الهتافات والزغاريد، إلا أبو مظلوم جاري الهادئ, المتواضع, بقي خارجاً يمسك بالسور الحديدي، كأنما يريد خلعه ويضرب رأسه تارة بالقضبان, وتارة أخرى يبعدها في عصبية وحيرة.
ما كان هناك بدٌ من السؤال، وقد أذهلني حاله، ما بالك؟ ليجيب وقد سبقت إجابته دمعة:
«أنا قاتل ولدي, أنا قاتل مظلوم, أنا من أرسلته عنوة إلى باشور, أنا من قلت له أهرب من هنا, قلت له أذهب إلى باشور كي لا تلتحق بوحدات حماية الشعب, التي كان مظلوم يعشقها ويريد أن يكون في صفوفها, أنا من أجبرته على السفر, أنا من استدان النقود لأجل سفره, أنا من ترجى الغريب كي يوفر له فرصة عمل هناك, أنا من قتل مظلوم».
وبصوت خالط البكاء تابع: «إنه مظلوم ولدي الوحيد, نعم ولدي الوحيد, بعد خمسة عشرة عاماً من زواجي رزقني الله بمولود, كم فرحت بولادته ومن شدة خوفي عليه أرسلته إلى خارج روج آفا, ظننت بأنني سأخسره إذا انضم إلى صفوف وحدات حماية الشعب التي كانت أمنيته أن ينضم إلى صفوفها ويحارب أعداء الحرية والسلام, فأجبرته للذهاب والعمل في الخارج، لدى متعهد بناء, وبعد مرور سته أشهر, جاءني ولدي جثة هامدة, نعم جثة هامدة, سقط أرضاً من الطابق الثامن ليفارق الحياة ويأتيني جثمانه وأدفنها في قريتنا, وحيداً بعيداً عن جسد أصدقائه. ألست مجرماً يا أستاذ ! ألست مجرماً يا أستاذ!
أنا من قتلت ولدي الوحيد مظلوم, أنا حرمته من ولدي شرف الشهادة, أصبحت أكره نفسي وأحتقرها, فلا يحق لي الدخول إلى المزار, أنا من قتل أمنية الشرف والشهادة لدى مظلوم».
حاولت أن أخفف عنه بعض الشيء, وأنا أقول له الاعتراف بالذنب فضيلة, أنت عرفت ذنبك, وستكون لهذه الدموع حكاية, ستستفيد منها الأجيال الحاضرة والقادمة, ورغم تردده إلا أنني أجبرته على دخول المزار, فانكب على أول قبر وقعت عينه عليه, وأخذ يعانق الشاهد وسيل من الدموع ينسكب من عينيه, ويردد: «ليتك هنا بين رفاقك يا مظلوم, ليتك هنا بين رفاقك يا مظلوم … سامحني يا ولدي».
No Result
View All Result