بدأ الكثيرون في تركيا يفكرون في سؤال لا يجرؤون على التحدث عنه بصوت مرتفع ألا وهو من سيخلف الرئيس رجب طيب أردوغان؟ أو بالأحرى، من سيخلفه إذا مات ولم يخسر أي انتخابات أو إذا خسرها؟ لن يكون هذا سؤالاً مُلِحَّاً في ظل الظروف العادية حيث تسود الديمقراطية، سوف تتحول تروس النظام وتنتج خليفة يمكن أن يجرب سياسات جذرية، لكنه لن يكون في الواقع قادراً على تغيير الكثير من حيث القضايا الأساسية.
ولكن في تركيا، بعد إجراء العديد من التعديلات على الدستور، أصبح المقعد الرئاسي الآن يتمتع بالسلطات التنفيذية والتشريعية وكذلك بالسلطات القضائية وبالأحرى جميع السلطات، فالقوانين التي يريد أردوغان تمريرها الآن ببساطة تمر عبر البرلمان قبل أن تتاح لأي شخص الفرصة ليقول: مهلاً، لا نمتلك الكثير من السلطة في هذه المرحلة، أليس كذلك. وآخر مثال على ذلك هو قانون نقابات المحامين المتعدد، الذي يهدف بوضوح إلى إضعاف سلطة المحامين الذين ينتقدون انتهاكات حقوق الإنسان وتآكل سيادة القانون في تركيا، فمن ينتقد مثلاً مديرية الشؤون الدينية (ديانت) التابعة لأردوغان في نيسان، سيكون لا وجود له سياسيًا.
تشارك الرئاسة التركية الآن في كل جانب من جوانب الحياة اليومية لأن جميع السلطات مرتبطة بها، وعلى هذا النحو، إذا توفي أردوغان فرضاً قبل أن تجري تركيا انتخابات أو تعود إلى نظامها البرلماني السابق، فإن البلاد ستقع بالتأكيد في أزمة، لذا يبقى السؤال: مَن الأقرب لخلافته في مثل هذه الحالة؟ والمرشح المنطقي هو بالطبع دوغو بيرينتشيك، القومي الثوري الشيوعي المحب للصين وروسيا، وهو يدعم أردوغان غير الشيوعي!!
وصحيح أن حزب الوطن بقيادة بيرينتشيك لم يحصل قط على أصوات كافية للفوز بمقاعد في البرلمان، لكن هناك اعتقاد شائع بأن كوادر حزب الوطن قوية بين المسؤولين البيروقراطيين في تركيا، قد يكون هذا صحيحاً، لكن ما يهم حقاً هو أن بيرينتشيك هو أحد محترفي استخدام لغة الإشارات على الإنترنت في تركيا، بأمثلة مثل تجنب ذكر السلطان العثماني عبدالحميد وغيرها من الأمور الأخرى.
قد لا نعرف أبداً من دافع عن السلطان عبدالحميد، لكننا نعلم أن بيرينتشيك يدافع عن فكر أردوغان الذي أقر على سبيل المثال بحظر وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي عندما قال إن “الدولة الوطنية” يجب أن تسن قوانين دكتاتورية، يمكن لبيرينتشيك أيضاً الحفاظ على علاقة تركيا مع المتصيدين الروس والصينيين.
وكنتيجة لذلك يمكن أن نستنتج أن بيرينتشيك هو واحد من عدد قليل جداً من الناس الذين يمكنهم الاستمرار على غرار سياسة أردوغان، وقبل عامين فقط من القيام بذلك، كان أردوغان نفسه يوبخ الناس الذين طالبوا بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، مما يعكس مبدأ عدم المساواة بين الكاتدرائية الأرثوذكسية السابقة والمساجد المنتشرة في جميع أنحاء البلقان، التي إما تم هدمها عمداً وإما تركها حتى هُجرت تماماً.
بيرينتشيك الشيوعي هو أيضاً واحد من القلائل الذين يمكنهم الحفاظ على تحالف مماثل مع حزب الحركة القومية اليمينية المتطرفة مثل أردوغان، ولكن يمكن القول كذلك إن قاعدة حزب العدالة والتنمية الحاكم لا تستجيب تماماً لبيرينتشيك، ولكن في مثل هذا السيناريو، من الممكن لبيرينتشيك أن يلعب لعبة سليمان صويلو. وكونه منتقداً سابقاً للرئيس، يحتل صويلو الآن منصب وزير الداخلية ويحظى بشعبية كبيرة داخل حزب العدالة والتنمية، قد يتسبب ذلك في إحداث مفاجأة، لكن الجماهير ستتعوّد سريعاً على شراكة بيرينتشيك وصويلو.
ولكن ماذا عن صهر أردوغان، وزير المالية بيرات آلبيرق؟ يبدو أنه الوريث الطبيعي، ولكنَّ جزءاً فقط من حزب العدالة والتنمية يدعمه بالفعل، إنه ليس الشخص الذي يمكنه الحصول على الدعم من أقسام معينة تلعب وراء الكواليس في تركيا مثلما يحصل عليه بعض الأشخاص الآخرين. إن مناقشة هذه المسألة تعيد إلى الأذهان فيلماً تركياً قصيراً بعنوان “ذا لاست شنيتزيل” لعام 2017 والذي يصور مغامرات مساعد رئاسي مكلف بقلي شنيتزيل الدجاج للرئيس، بعد مرور 200 عام على انقراض آخر دجاجة، وقبل أن يتم تدمير الأرض في سيناريو مروع.
لا أريد أن أفسد عليكم الفيلم، شاهدوه، فهو متاح على العديد من منصات البث، ومع ذلك، لم يكن متاحاً في مهرجان إسطنبول السينمائي، ربما لأنه لم تكن لديه التصاريح اللازمة مثلما قالت السلطات في ذلك الوقت، أو لأنه ذكّر المشاهدين بشخص معين، على أي حال، يجد المساعد حلاً مبدعاً في النهاية، يرضي الرئيس وينقذ الأمة في الوقت المناسب، بعد أن غادر الجميع الكوكب المحتضر.
وما لا يمكن الجدال فيه أنه إذا لم يعد الرئيس التركي القادم إلى النظام البرلماني ستكون النتائج كارثية على عكس ما يتوقعها الغالبية من الناس، وقد نجد أنفسنا وقعنا في وضع مشابه جداً مع مناقشات عقيمة لا نهاية لها، تدفعنا إلى التخلف عن بقية العالم وتودي بتركيا إلى نتائج وخيمة العواقب.