وصل الرئيس الإيراني، مسعود بزیشكيان، إلى بغداد يوم الأربعاء 11 من شهر أيلول الجاري، استجابةً لدعوةٍ رسمية من رئيس الوزراء العراقي، محمد شیاع السوداني. وتأتي هذه الزيارة بعد وقت قصير من توليه منصبه (30 يوليو/ تموز) بصفته الرئيس التاسع للجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث التقى بكبار المسؤولين العراقيين ووقّع “أربع عشرة مذكرة تفاهم” تغطي مجالات السياسة والاقتصاد والأمن والثقافة. في اليوم التالي، 12 من الشهر نفسه، توجه بزیشكيان إلى إقليم كردستان، وزار هولير والسليمانية، والتقى بكبار المسؤولين في الإقليم. لفتت تصريحاته باللغة الكردية اهتمام المراقبين، لما تحمله من معانٍ سياسية واجتماعية وثقافية في ظل التوترات الإقليمية المستمرة من دلالات الزیارة:
ـ اختيار العراق وإقليم كردستان كأول وجهة خارجية للرئيس بزیشكيان يحمل دلالات واضحة: للجهات التي تراهن على تدخّل تركيا في شؤون الإقليم. هذه الخطوة تعكس سعي إيران لتعزيز علاقاتها مع كردستان، حيث يرى بعض المراقبين أنها محاولة لتقريب القوى الكردية في شرق كردستان من إيران، رغم أن هذا الهدف يبدو بعيد المنال في ظل التوازنات الداخلية والإقليمية المعقدة. من جهة أخرى، وبالنظر إلى التهديد الذي تمثله القوى الكردية في شرق كردستان على الأمن القومي الإيراني، يفسر البعض هذا التحرك على أنه تأكيد على أن إيران تعتبر العراق وإقليم كردستان جزءًا لا يتجزأ من عمقها الاستراتيجي والأمني، وتسعى لتأمين هذه البوابة الحيوية بشكلٍ كامل.
ـ استخدام الرئيس بزشكيان للغة الكردية: دلالة رمزية قوية، خاصةً في سياق العلاقات الإيرانية – الكردية، فعندما يتحدث رئيس دولة إقليمية مثل إيران بلغة تُشكل جزءًا أساسيًا من هوية الكرد، فإن ذلك يُعتبر نوعًا من الاعتراف الضمني بثقافتهم واحترام خصوصياتهم. ومع ذلك، يظل هذا الاستخدام بعيدًا عن الإطار الرسمي للدولة الإيرانية، التي لم تعترف باللغة الكردية رسميًا أو دستوريًا كلغة رسمية في إيران يرى بعض المراقبين أن استخدام بزيشكيان للغة الكردية قد يكون مؤشرًا على تحوّل محتمل في السياسة الإيرانية، ويُنظر إليه كجزء من استراتيجية دبلوماسية أوسع. هذه الاستراتيجية قد تهدف إلى تحقيق أهداف أمنية وسياسية، مثل تعزيز العلاقات مع القوى الكردية خارج إيران، أو على الأقل تخفيف حدة التوترات، دون التخلي عن تحالفاتها الإقليمية مع بغداد أو تغيير سياساتها المتعلقة بالتوازن الإقليمي. الزيارة تأتي في إطار اتفاقية أمنية موقّعة مع بغداد، وتركز على التعاون ضد ما تسميه إيران بـ (الإرهاب)، في إشارة إلى الأحزاب الكردية المعارضة في شرق كردستان. هذا السياق يعكس رغبة إيران في تعزيز التعاون الأمني والثقافي مع إقليم كردستان ضد هذه الأحزاب التي تتخذ من الإقليم ملاذًا منذ سنوات.
ـ التنافس مع تركيا: الزيارة تحمل أيضًا رسالة غير مباشرة لتركيا، التي تتطلع لإعادة سيطرتها على مناطق من جنوب كردستان، استنادًا إلى ميثاق 1923. إيران تسعى من خلال هذه الزيارة إلى تأكيد دورها كلاعبٍ أساسي في الساحة الكردية، وإظهار قدرتها على الحفاظ على علاقات قوية مع القادة الكرد. يأتي هذا التنافس في وقتٍ تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى، مما يجعل كردستان ساحة صراع هامشية تسعى الدول الكبرى إلى الاستفادة منها في موازنة القوى.
ـ التناقض بين التصريحات والسياسة الرسمية: على الرغم من لغة التصالح التي استخدمها بزیشكيان، فإن سياسته الفردية لا تعكس بالضرورة التوجهات الرسمية للجمهورية الإسلامية تجاه الكرد. فإيران، بالتعاون مع تركيا، تظل معارضة للحركة الوطنية الكردستانية في كل من “جنوب وغرب كردستان”. التصريحات الإيجابية قد تكون جزءًا من محاولة دبلوماسية تهدف إلى تعزيز موقف إيران في المنطقة، دون أن تعكس تغيّرًا جوهريًا في موقفها من القضية الكردية.
ـ تعزيز التحالفات الإقليمية: تسعى إيران من خلال هذه الزيارة إلى تقوية علاقاتها مع الفصائل المختلفة في جنوب كردستان، مستغلةً موقعها الجغرافي والسياسي. بالنظر إلى التنافس مع تركيا، فإن إيران تسعى إلى التأكيد على أن أي تحرك تركي في جنوب كردستان يجب أن يُراعي مصالحها، وأنها لن تسمح لتركيا بالتحكم في المنطقة دون أن يكون لها نصيب في هذه المعادلة.
زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان إلى العراق وإقليم كردستان تأتي في إطار استراتيجية إقليمية تسعى إيران من خلالها إلى تعزيز نفوذها في كردستان وموازنة القوى مع تركيا. وعلى الرغم من استخدامه للغة الكردية وإظهار نوايا إيجابية، إلا أن السياسة الإيرانية لاتزال ترتكز على التعاون الأمني مع الدول التي تحتل كردستان، لمواجهة الحركة الوطنية التحررية الكردستانية في جميع أجزاء كردستان. هذا يشير إلى أن الخطوات الدبلوماسية التي تتخذها إيران، رغم مظاهرها الإيجابية، تهدف في المقام الأول إلى تحقيق مصالح أمنية وسياسية في المنطقة والحفاظ على استراتيجياتها الإقليمية دون إحداث تغيير جذري في مواقفها تجاه الكرد.