تطورت الأحداث خلال الأسبوع الأخير بشكل متسارع وكان مسرحها في الشمال الأفريقي عامة وليبيا على وجه الخصوص.
ولم تكن هذه المستجدات وليدة اللحظات الأخيرة وما نتج عنها، بل هي عملية تراكمية ممتدة منذ العقد تقريبًا، وأن نقل الإرهابيين والمرتزقة السوريين والجنسيات المختلفة إلى ليبيا أيضًا ليس كما نسمعه في الإعلام، وكأنه بدأ في الشهور الأخيرة، بل بدأ منذ سنوات وهؤلاء المرتزقة يتم نقلهم من سوريا إلى ليبيا وأمام أنظار العالم كله، وصمتهم بنفس الوقت.
لكنه الإعلام المسيطر على العقل الإنساني الذي لم يعد يمتلك ذاكرة قوية تنجيه من حالة فوضى المعلومات التي يتم ضخها بشكل كبير جدًا خلال أوقات وجيزة جدًا، بحيث تصيب المشاهد والمستمع وحتى القارئ بتشويش مقصود كي يزداد تخبطًا وفوضوية ويتم اقتياده لما لأصحاب الشركات العالمية الإعلامية يريدون.
على ما أعتقد أنه حتى الآن لا جديد على الساحة الليبية، فكل ما نراه كان متوقعًا بكل تأكيد وأن ما نراه إلا جزء بسيط من اللعبة المستمرة بضجيج أردوغان وأدواته الإرهابية من مرتزقة الشمال السوري وصمت دولي وإقليمي ومشاهدة للشعوب التي لا حول لها ولا قوة، بغض النظر عن رد الفعل الذي يخرج من هنا وهناك، إلا أنه لن يغير من قواعد هذه اللعبة على أرض ليبيا شيئًا وفق ما نراه على أرض الواقع.
ربما تأخر الوقت نوعًا ما ولكن ما زالت ثمة فرص يمكن الاستفادة منها على الأقل للتقليل من حجم الخسائر وتحجيم هجمات الإرهابيين والمرتزقة وإفشال ما يسعون لتطبيقه وفق أجندات خليفتهم المزعوم أردوغان.
وأن ما يحدث الآن يذكرنا بمثل وقصة من تاريخنا وماضينا الذي لم نتعلم منه الدروس والعبر، إذ تقول القصة إنه كان هناك عائلة في قرية، سرق أحدهم دجاجة لهذه العائلة، فقال الأب لأولاده: اذهبوا وابحثوا عن الدجاجة وأعيدوها، لكن أحدًا من أولاده لم يذهب وراحوا يماطلون بالبحث وأنهم سيذهبون غدًا.
وبعد أيام جاء السارق وسرق خروفاً، فقال الأب لأولاده اذهبوا وابحثوا عن الدجاجة، فكان رد أولاده؛ أن أبانا خَرّف ويهذي ولم يعد يفرق ما بين الدجاجة والخروف. وبعدها بفترة جاء السارق وسرق البقرة. فقال الأب: اذهبوا وابحثوا عن الدجاجة وأعيدوها. فما كان من أولاده إلا التسويف والاستهزاء بوالدهم ويقولون أن البقرة تم سرقتها وما زال آبانا يقول ابحثوا عن الدجاجة وأعيدوها. فقال الأب لأولاده أنه لا خير فيكم أبدًا، فلو أنكم منذ البداية بحثتم عن الدجاجة وأرجعتوها وعرفتم من هو السارق، لما تمادى هذا السارق ثانية وسرق الخروف ومن ثم البقرة. ولكن إن أردتم استرجاع البقرة عليكم بالبحث عن الدجاجة.
مآل هذه القصة هي أنه إذا أردنا الحفاظ على ليبيا ما يتم فيها من حروب ومعارك واستنزاف لدول الجوار، ربما كان علينا اتخاذ التدابير اللازمة حيال ذلك وهذا حق من حقوق كل الدول، لكن الخطوة الأولى التي ينبغي اتخاذها هي البدء من النقطة الأساس وليس البدء من الآخر.
أي أن الخندق الأول لحماية المنطقة عامة والشمال الأفريقي على وجه الخصوص، يبدأ من الشمال السوري بالتحديد وكذلك شمالي العراق، لأن هاتين المنطقتين تعتبران الخندق الأول لكل المنطقة. ومن المعلوم أن في هاتين المنطقتين يعيش الكرد، الذين لهم باع طويل وكبير في محاربة العقلية التركية التوسعية والاستبدادية والدكتاتورية منذ عقود. وأثبت الكرد قوتهم في مقارعتهم لمخططات أردوغان في هذه المنطقة وكذلك لأدواته من الإرهابيين مثل داعش وأخواتها وكذلك المرتزقة بكل مسمياتهم.
قوات سوريا الديمقراطية كانت وما زالت الدرع الحصين ليس فقط لشمالي سوريا، بل لعموم المنطقة والممتدة حتى الشمال الأفريقي، فدعم هذه القوات يعتبر من الأمور الأساسية والمهمة لردع أردوغان وإفشال جميع مخططاته إن كان في الشرق الأوسط أو شمالي أفريقيا.
علينا البدء والبحث عن الدجاجة وإرجاعها حتى يمكننا منع سرقة الخروف والبقرة، أي علينا البدء في ردع أردوغان في الخندق الأول على سفوح جبال طوروس، وإن تم إفشاله هناك حينها لن يتمادى ويجعر ويهدد ليبيا أو دول الجوار لها، واللعبة لن تتوقف في ليبيا ولربما تمتد للجزائر، حينها ستكون الكارثة الكبرى وحتى البحث عن البقرة لن يجدي نفعًا.