بات من النادر أن تشهد مجلساً في مدينة الرقة، شمالي سوريا هذه الأيام، دون أن يدور الحديث فيه عن الغلاء وارتفاع سعر صرف الدولار، لكن ما يجعل هذه الأحاديث رغم مرارتها شائقة، هو ذكريات المسنين عن العملات قديماً وكيف تمكنوا من تدبير أمورهم بالقليل منها.
يبتسم عبد الجاسم العابد (74عاماً)، من سكان مدينة الرقة، أثناء حديثه عن ارتفاع الأسعار حالياً، ذلك أنه تذكر أن تكاليف زواجه في العام /1970/ لم تتجاوز /500/ ليرة سورية.
يقول العابد: “سنة /1969/ ذهبت إلى مدينة حلب، واشترينا من أسواقها ألبسه لأفراد العائلة بقيمة /15/ ليرة سورية”.
“لم نكن نعرف ما هو الدولار”
ويضيف أن أجرة الباص من الرقة إلى حلب كانت ليرة ونصف، ويتابع بالقول: “أما اليوم، فإن الأجرة تصل إلى/10/ آلاف ليرة سورية”، في مقارنة ما بين قيمة الليرة السورية في ستينيات القرن الماضي ووقتنا هذا.
ويبتسم العابد، أثناء تذكره زواجه في سبعينيات القرن الماضي، وكيف أنه اشترى لعروسه زوجاً من مجوهرات الحلَق أو “التراجي” كما يسميها، “كان غرام الذهب بخمس ليرات سورية”.
يقول أيضاً: “لم نكن نعرف ما هو الدولار، لقد عرفناه منذ بداية الحرب في سوريا”.
وتستمر قيمة الليرة السورية بالانهيار بشكل متسارع في السوق غير الرسمية وبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي في مدينة الرقة مؤخراً إلى /1.900/ ليرة سورية، فيما يتراوح بعدها ما بين /1.810/ و /1.600/ ليرة سورية، فيما وصل سعر الغرام من الذهب إلى أكثر /87.000/ ليرة سورية.
وعاصر سوعان محمد النايف (93عاماً) فترة كان التعامل فيها بيعاً وشراء بأجزاء الليرة السورية، في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، فقد كان حينها، يعمل تاجر أغنام يتنقل ما بين الرقة ومدينة حماة، وسط البلاد.
ويعدد “النايف”، أثناء انتظاره موعد صلاة العصر أمام جامع “الفواز” وسط مدينة الرقة، فئات العملات التي كانت متداولة في سوريا، ومنها الأجنبية مثل “الريال المجيدي (عملة عثمانية)، والنيكل ” عملة أمريكية”، ومنها السورية كالقرش وربع الليرة، ونصف الليرة.
ويضيف الشيخ التسعيني بالقول: “كانت الليرة السورية الواحدة في منتصف الأربعينيات تكفي شراء ملابس لعائلة كاملة ، أما الآن لا الألف ليرة ولا حتى العشرة آلاف تكفي”.
وأثر التدهور السريع لليرة السورية مقابل أسعار صرف العملات الصعبة على معيشة الأهالي في عموم المناطق السورية بشكل واضح، إذ أدى الأمر إلى ارتفاع معدلات التضخم الاقتصادي والتي تجاوزت حاجز الـ/2000/ في المئة، بحسب خبراء اقتصاديين.
وارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية عدة أضعاف، ما تسبب بركود في الأسواق وضعف القوة الشرائية لدى المواطنين الذين يدفعون ضريبة الغلاء وتدهور العملة المحلية.
ويستغرب “النايف” ارتفاع الأسعار في الأسواق، فهو لم يشهد مثل هذا الغلاء طيلة حياته، ويصف الأيام التي عاشها هو وأبناء جيله بأنها “أيام خير وبركة، أما اليوم فالمئة ألف ليرة سورية لم تعد تكفي لمعيشة أيام قليلة فقط”.
للشباب ذكريات أيضاً
ويتخوف سكان مدينة الرقة كغيرهم من المناطق الأخرى، أن تنهار قيمة الليرة السورية أكثر خلال الأيام القادمة، فيصبح الواقع المعيشي أكثر صعوبة مما هو عليه الآن.
وقال عبد الله المحمد (35عاماً)، من قرية رقة سمرا، /4/ كم شرقي الرقة، إن الدولار الواحد كان في عام 2011، بقيمة /50/ ليرة سورية، حيث كانت أجور عمال المتحف (العمال العاديين من الذين يتجمعون أمام متحف الرقة) بمئة ليرة سورية يومياً (ما كان يعادل حينها دولارين أمريكيين)، وكانت تكفيهم معيشة ومصاريف”.
ورغم أن لأزمة الغلاء الحالية أسباب وظروف معقدة، إلا أن “المحمد” ينسب بعضاً من غلاء المعيشة في أيامنا إلى “جشع التجار واحتكارهم”.
ويربط مراقبون واقتصاديون الانهيار المتسارع لسعر الليرة السورية، بالتطورات والأحداث الأخيرة كالعقوبات الأمريكية وانخفاض الناتج المحلي بعد سنوات من الحرب وعجز الحكومة السورية عن وضع حدود لأسعار صرف العملات الأجنبية، هذا ما ذكر في تقرير نشرته وكالة نورث بريس عن ذكريات أهالي الرقة عن العملات قديماً قبل ارتفاع الأسعار وانخفاض سعر الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي.