أشارت الإدارية في حزب الاتحاد الديمقراطي بمدينة الدرباسية، ديانا العبد الله، إلى أن التصريحات الأخيرة لرأس النظام التركي فيما يخص التقارب مع دمشق، تأتي حفظاً لماء وجهه أمام الجمهور التركي، خاصة بعد الهزيمة السياسية، التي مُني بها حزبه في الانتخابات البلدية الأخيرة.
هذا ولا يزال تبادل رسائل الغزل بين حكومتي أنقرة ودمشق مستمرا حتى اللحظة، وذلك بعد عودة ملف محاولة التطبيع بين أنقرة ودمشق إلى الواجهة على لسان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الذي كشف عن سعي بلاده لإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى سابق عهدها.
على الرغم من الكثافة الإعلامية للتصريحات المتبادلة بين الطرفين، والتي تبدو أكثر مرونة عن السابق، إلا أنه لم تُتخذ على أرض الواقع خطوات جدية في هذا الاتجاه، بل على العكس، أثارت التصريحات المتبادلة بين الطرفين موجة استياء المستوطنين القاطنين في المناطق، التي تحتلها تركيا، وقد أدى إلى مواجهات مباشرة بين عناصر جيش الاحتلال التركي، وبعض المستوطنين، الأمر الذي يُنذر بعودة سوريا إلى المربع الأول عام 2011.
حتى اللحظة، لا يزال مضمار قطار التطبيع بين الطرفين غير سالك، أو نستطيع القول: إنه سالك بصعوبة؛ لكثير من الخلافات بين الطرفين، والتي لا تبدو بوادر حلها تلوح في الأفق، فمصالح الطرفين متعارضة في هذا الملف، فتركيا تحتل أرضاً سورية، وبالوقت نفسه تسعى حكومة دمشق لاستعادة أمجادها قبل عام 2011، وهنا أسس الخلاف بين الطرفين، ولسان حال الشعب السوري والمنتفضين بوجه النظام يقول “بين حانا ومانا ضيعنا لحانا”.
استهداف مشروع الإدارة الذاتية
على الرغم من جملة التناقضات الموجودة بين الطرفين، إلا انهما يتفقان على هدف جوهري مشترك، وهو القضاء على مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، والذي أثبت نجاحه دونا عن المشاريع الأخرى، التي ظهرت خلال السنين العجاف، التي مرت بها سوريا، الأمر الذي دفع الإدارة الذاتية وقواها السياسية للدعوة إلى وحدة الصف السوري، والوقوف في وجه الصفقات، التي تحاول دولة الاحتلال التركي عقدها على حساب دماء السوريين.
وحول هذا الموضوع؛ التقت صحيفتنا الإدارية في حزب الاتحاد الديمقراطي بمدينة الدرباسية، ديانا العبد الله، التي أشارت إلى أن أردوغان يحاول “ترقيع” ما مزقته الانتخابات البلدية في أثواب دعايته: “يحاول حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان ترميم الصدع، الذي أحدثته نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة، التي أُجريت في باكور كردستان وتركيا، والتي أظهرت بشكل جلي تراجع شعبية الحزب الحاكم تراجعا كبيرا، وذلك على إثر النتائج، التي خلفتها سياسات هذا الحزب على مدار عقود على الصعيدين الداخلي والخارجي”.
العدالة والتنمية، ومن خلال أردوغان يصدر أزماته للخارج ومحاولا تغذية النزاعات الداخلية في كل مكان، وبهذا الصدد أضافت ديانا: “إن النزاعات الإقليمية، التي عمل حزب العدالة والتنمية على تغذيتها خلال العقد الأخير، ومن ضمنها التدخل التركي في الأزمة السورية، واحتلال الأراضي السورية، أثر بشكل سلبي على الواقع المعاش داخليا في تركيا، فقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية، وارتفع مستوى التضخم، وغيرها من مؤشرات الأزمة الداخلية، ذلك كله دفع أردوغان للبحث عن “حلول” تُخرجه من المأزق، الذي وضع نفسه فيه، لذلك، نرى سعي الاحتلال التركي المحموم لتطبيع العلاقات مع حكومة دمشق، نوعاً من حفظ ماء وجهه أمام التراجع الاقتصادي والدمار المجتمعي الذي خلفته سياسة حزب العدالة والتنمية بالشعب التركي”.
حظوظ الوصول إلى اتفاق
وحول الفرص التي تلوح في أفق التوافقات أشارت ديانا: “إن فرص الوصول إلى عقد اتفاق بين أنقرة ودمشق هي ضئيلة جدا، والسبب في ذلك يعود إلى عقلية دولة الاحتلال التركي، التي تتبعها منذ آلاف السنين، والتي تقوم على إعادة إحياء الميثاق الملي العثماني، بما في ذلك شرعنة احتلال أراضٍ من بعض الدول الإقليمية، التي تراها تابعة للإمبراطورية العثمانية، ذلك كله يجعل احتمال خروج دولة الاحتلال التركي من الأراضي، التي تحتلها احتمالا يقرب من المحال، الأمر الذي تعدُّه حكومة دمشق شرطا مسبقا لأي حديث عن تطبيع للعلاقات مع الأنقرة”.
وأضافت: “في الجهة المقابلة، ونظرا لما تعانيه حكومة دمشق على مدار عقد من الزمن، فإنها ليس لديها ما تقدمه لأنقرة في سبيل الوصول إلى هذا التطبيع، فضلا عن أن الشعب السوري، قد فقد الثقة بحكومة دمشق، ولا يرى في خطواتها أي فائدة يمكن أن تعود بالنفع عليه، ما أدى إلى فقدان الشعب الثقة بحكومته، وبالتالي لا يُساندها في أي خطوة يمكن أن تتخذها، ضف إلى ذلك، رفض الشعب السوري بمكوناته كلها، أي حديث عن التطبيع في ظل الاحتلال التركي للأراضي السورية. ومن هذا المنطلق، فإن الاحداث لا تُنبأ بأي إشارة يُمكن البناء عليها لإتمام مساعي هذا التطبيع”.
توقيت التطبيع
وحول التوقيت الذي أعاد فيه ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق إلى الواجهة قالت ديانا: “هذا التوقيت جاء بعد أن فشلت دولة الاحتلال التركي بتنفيذ مخططاتها داخل الأراضي السورية، لا سيما القضاء على مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، وذلك بالرغم من الطرق والأساليب الاستعمارية التي قامت بها في الأراضي السورية المحتلة، لذلك تسعى أنقرة إلى لملمة مخططاتها في الأراضي السورية بالتعاون والتنسيق مع حكومة دمشق، وخير دليل على ذلك هو التحول الجذري في لهجة خطاب أردوغان تجاه حكومة دمشق، وعلى رأسها بشار الأسد، فبعد أن نادى لأعوام بإسقاط الأسد، يعود أردوغان للحديث عن إعادة العلاقات إلى سابق عهدها، وفتح ما أسماها بصفحة جديدة في العلاقات بين الجانبين”.
سياسة أردوغان المعروفة بالهروب من الضغط الداخلي بإشكالات ومشاريع خارجية لإلهاء الرأي العام التركي، قد أضحتها ديانا في حديثها: “هذه الخطوات كلها جاءت بعد الضغوطات الداخلية، على المستويين الشعبي والسياسي، التي تتعرض لها سياسات حزب العدالة والتنمية حيال الأزمات العالقة في الإقليم، وفي محاولة للتهرب من هذه الضغوطات، يحاول أردوغان إعادة ترميم علاقاته في دول الإقليم، لسحب هذا “الكارت” من يد معارضيه، ولإمكانية الاستمرار في هيمنة حزبه على السلطة في تركيا، ولكن كما قلنا آنفا، فإن حظوظ نجاح هذه المحاولات ضئيلة جدا، وتكاد تقترب من الفشل”.
ردود الأفعال حول التقارب بين البلدين
ديانا أشارت كذلك إلى دور المرتزقة في تأليب السوريين على بعضهم حفاظا على مكتسباتها: “للمرتزقة التي تدعمهم دولة الاحتلال التركي دور مهم في سياساتها الاحتلالية، فلولاهم لما استطاعت أنقرة أن تحتل كل ما احتلته من الأراضي السورية، ونحن رأينا مواقف المرتزقة حيال هذا التطبيع، والتي وصلت إلى حدود العنف، لذلك فإن هذا العامل يضاف إلى جملة العوامل، التي تحول دون الوصول إلى تطبيع بين أنقرة ودمشق، ولو باتخاذ الحكومتين خطوات على أرض الواقع في هذا الاتجاه، فإن المرتزقة ستقف حجر عثرة في وجه هذا التقارب، مبدية استعدادها لإعادة الفوضى والدمار إلى المناطق السورية في سبيل منع أي تقارب مع حكومة دمشق، خصوصا وإن أي تقارب بين الجانبين يعني القضاء على هؤلاء المرتزقة”.
وحول موقف الإدارة الذاتية من هذا التقارب أوضحت ناديا: “فيما يتعلق بإقليم شمال وشرق سوريا، فإن ردنا على محاولات التقارب هذه واضح ومعروف، فإننا عازمون نحن، شعوب المنطقة، وقواها العسكرية والسياسية، على الدفاع عن المكتسبات، التي حققتها شعوب شمال وشرق سوريا، وسندافع عن إدارتنا الذاتية الديمقراطية، التي أثبتت نجاحها على أكثر من عقد من الزمن، في إرساء حالة الأمان والاستقرار، التي تتمتع بها المنطقة، والتي وصلت إليها بفضل دماء آلاف الشهداء، الذين ضحوا في سبيل مستقبل وطنهم. ولا يمكن لحكومتي أنقرة ودمشق القضاء على هذه الإدارة بصفقة اتفاق بينهما؛ لأن هذه الإدارة تُعبر عن إرادة شعوب إقليم شمال وشرق سوريا، ولا يمكن لها أن تنكسر أمام أطماع الدول. كذلك نسعى لإعادة تفعيل الحوار الكردي – الكردي، كي نستطيع الجلوس بشكل أقوى على طاولة المفاوضات مع الأطراف السورية الأخرى”.
وأنهت الإدارية في حزب الاتحاد الديمقراطي بمدينة الدرباسية، ديانا العبد الله حديثها: “إننا منفتحون على الحوار مع الأطراف السورية جميعها، بما فيها حكومة دمشق. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تواصلنا مع حكومة دمشق مستمر، ولكن أي تفاوض معها يرتكز إلى ركيزتين أساسيين، الأولى، تكمن في الاعتراف بالإدارة الذاتية الموجودة على أرض الواقع، والثانية: الاعتراف بقوات سوريا الديمقراطية، التي ساهمت في الحفاظ على هذه المكتسبات، فهاتان الركيزتان هما الضمان الوحيد لنجاح أي حوار بيننا وبين حكومة دمشق”.