سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

دور القوى المتصارعة في سوريا وتأثيرها على الأزمة السورية

حسام الدخيل_

لعبت القوى الدولية والإقليمية المتصارعة دوراً محورياً في إطالة أمد الأزمة السورية وتعقيدها. حيث ساهمت تدخلاتها في تصعيد العنف وزيادة معاناة المدنيين، بعيداً عما روجت، وتأتي روسيا وتركيا وإيران في المرتبة الأولى من قائمة التدخلات.
استمراراً للأزمة السورية المندلعة في 2011، لازالت سوريا ساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تلعب روسيا، إيران، وتركيا أدواراً محورية في هذا الصراع، مما أدى إلى تعقيد الأزمة وإطالة أمدها على مدار ثلاثة عشر عاماً، يهدف هذا المقال إلى تحليل دور هذه القوى وتأثيرها على الأزمة السورية وحياة السوريين.
روسيا وخيوط التدخل
منذ تدخلها العسكري في سوريا عام 2015، أصبحت روسيا لاعباً رئيسياً في الصراع السوري، ووفقاً لمصلحتها دعمت حكومة دمشق بقيادة بشار الأسد عسكرياً وسياسياً، على الرغم من أن الحراك السياسي اندلع رفضاً لسياسة الحكومة نفسها، وإدارتها الخاطئة في المنطقة، وساهم دعمها هذا في استعادة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، بعد أن خسرت حكومة دمشق ما يزيد عن 75 بالمائة من مساحة الأراضي السورية، لصالح ما تسمى بالمعارضة والمجموعات المتطرفة والمرتزقة من داعش وجبهة النصرة وغيرها من المجموعات المتطرفة.
تسعى روسيا من خلال تدخلها إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وضمان وجودها العسكري في البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، أدى هذا التدخل إلى تصعيد العنف وزيادة معاناة المدنيين.
وساهم هذا التدخل العسكري، بتدمير قسم كبير من المدن السورية والبنى التحتية، كما ساهم بتهجير عدد كبير من السكان، سواء داخلياً أو خارجياً.
التدخل العسكري الروسي في سوريا لم يكن “لسواد عيون السوريين” كما يقال محلياً، إنما حصلت روسيا من خلال تدخلها في سوريا على عدة امتيازات وعقود استثمارية طويلة الأجل في سوريا، حيث استولت على ميناء اللاذقية وطرطوس وحقول النفط والغاز في بادية حمص، بالإضافة إلى مناجم الفوسفات وغيرها الكثير من الامتيازات، ويضاف إلى ذلك قامت بتثبيت وجودها في الشرق الأوسط من خلال إنشاء قواعد عسكرية في سوريا لتكون لها موطئ قدم، وتعتبر قاعدة حميميم في ريف اللاذقية من أكبر القواعد العسكرية الروسية في سوريا.
إيران والمشروع الشيعي
وقد لعبت إيران دوراً بارزاً في إطالة الأزمة من جهة وبدعمها حكومة دمشق من جهة ثانية. قدمت دعماً عسكرياً هي الأخرى إلى جانب الدعم الاقتصادي، بما في ذلك إرسال قوات من الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حليفة، حيث تهدف إيران من خلال تدخلها إلى تعزيز نفوذها الإقليمي وضمان ممر بري يصلها بحلفائها في لبنان.
وأدى هذا التدخل إلى زيادة التوترات الطائفية وتعقيد الأزمة في سوريا، وخاصة بعد الجرائم الكبيرة التي ارتكبتها إيران، والمرتزقة التابعة لها، بحق السوريين في مختلف المناطق. وتسعى إيران من خلال تدخلها في سوريا إلى إكمال مشروع الهلال الشيعي الذي تسعى إليه.
الهلال الشيعي هو مفهوم ناتج عن تحالف القوى السياسية الشيعية في الشرق الأوسط، المدعومة من إيران، بهدف مواجهة العرب السنة، بوجود قوة إقليمية جديدة يمكن أن تغيير التوازن التقليدي للسلطة بين الطائفتين الإسلامية الرئيسية.
إن المناطق المرتبطة بالتحالف الشيعي شكل الهلال على الخريطة، ويمتد من بلاد الشام إلى الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، وفي المركز هو النظام الشيعي في إيران التي تخوض منافسة شرسة مع قوة سنية في المنطقة ولتوسيع نفوذها، تسعى إيران لبناء شراكات مع الحكومات والمنظمات في الوطن العربي، على أمل أن بعضهم قد يقفز إلى الدفاع عن طهران في حالة وقوع أي هجوم عليها.
والدول الرئيسية التي تبني عليها إيران ما تسميه الهلال الشيعي هي “لبنان، عبر حزب الله، وسوريا، التي تعتبر حلقة الوصل بين إيران وحزب الله، بالإضافة إلى العراق، التي سيطرت إيران على معظم مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد سقوط نظام حكم صدام حسين في العام 2003، وذلك عبر مجموعة من الأحزاب السياسية والتكتلات السياسية الشيعية في العراق، بالإضافة إلى ضلوع إيران في تجييش احتجاجات الشيعة في البحرين”.
تركيا المحتلة ومساعي التوسع 
تلعب تركيا دوراً مزدوجاً في الأزمة السورية. فهي تدعم مجموعات ما تسمى بالمعارضة السورية، وسعت إلى إسقاط نظام الأسد في بداية الأزمة. ومن جهة أخرى، تدخلت عسكرياً في شمال سوريا بحجة مواجهة التهديدات على حدودها.
وتقول تركيا: إن من خلال تدخلها تسعى إلى حماية أمنها القومي وتعزيز نفوذها الإقليمي، إلا إن حقيقة مساعيها كشفت مع الأيام.
بدأت دولة الاحتلال التركي تدخلها في سوريا في العام 2015 بحجة محاربة داعش، وذلك في هجمات احتلالية أطلقتها آنذاك تحت مسمى عملية “درع الفرات”، احتلت من خلالها مناطق إعزاز، والباب، وجرابلس في شمال حلب.
وبعد ذلك، ظهرت نوايا دولة الاحتلال التركي الاحتلالية من خلال شنها عدة هجمات احتلالية توسعية متتابعة في سوريا، مثل الهجمات الاحتلالية على عفرين العام 2018، تحت مسمى “غصن الزيتون”، والتي قامت من خلالها احتلال مدينة عفرين. وتلتها هجمات احتلالية أخرى تحت مسمى “نبع السلام”، في العام 2019 التي احتلت من خلالها مدن كري سبي/ تل أبيض، وسري كانيه.
كما قامت دولة الاحتلال التركي مند ذلك الحين بعمليات قصف متكررة استهدفت المرافق الحيوية والبنى التحتية في إقليم شمال وشرق سوريا، وتلوح بين الفينة والأخرى بشن هجمات احتلالية أخرى لما جرى في المناطق التي احتلتها. وأدى هذا التدخل إلى تعقيد الأزمة وزيادة معاناة المدنيين.
تأثير القوى الدولية والإقليمية على الأزمة السورية
أدى تدخل القوى الدولية والإقليمية إلى إطالة أمد الأزمة السورية وتعقيدها، وقد ساهمت في تصعيد العنف وزيادة معاناة المدنيين من خلال دعمها الأطراف المتصارعة. كما أدت تدخلاتها إلى تعميق الانقسامات الطائفية والإثنية في البلاد؛ ما جعل الحل السياسي أكثر صعوبة.
وتأثرت حياة السوريين بشكل كبير بتدخل القوى الإقليمية، حيث أدى تصاعد العنف إلى نزوح ملايين السوريين داخل البلاد وخارجها. كما تدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير؛ ما جعل الحياة اليومية للسوريين أكثر صعوبة. بالإضافة إلى ذلك، أدت التدخلات الخارجية إلى تعميق الانقسامات الطائفية والإثنية الأمر الذي زاد حدة التوترات الاجتماعية.
الأوضاع المحلية في سوريا
ـ الوضع الإنساني: يعاني المدنيون في سوريا أوضاعاً إنسانية مزرية، خاصة في المناطق الشمالية والشرقية والغربية من البلاد. في شمال غرب سوريا، يعيش 2.8 مليون شخص نازح في مخيمات تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية؛ ما يجعلهم عرضة للظروف الجوية القاسية مثل الثلوج والأمطار الغزيرة. كما أن الأوضاع الأمنية المتردية تزيد معاناة السكان وتسبب في نزوح المزيد من الأشخاص.
ـ الوضع الاقتصادي: تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير في سوريا، حيث يعاني معظم السكان من الفقر وانعدام الأمن الغذائي. وقد فقدت العملة المحلية أكثر من 99% من قيمتها؛ ما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، أدت العقوبات الاقتصادية، مثل “قانون قيصر” الذي فرضته الولايات المتحدة، إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة معاناة المدنيين.
ـ الأوضاع الأمنية: تستمر الأوضاع الأمنية في التدهور، حيث تشهد مناطق شمال غرب سوريا وريف حلب الغربي قصفاً متبادلاً بين قوات حكومة دمشق وما تسمى بالمعارضة. هذا التصعيد الأمني يزيد معاناة المدنيين ويعقد جهود الإغاثة الإنسانية.
ـ التعليم: تأثرت العملية التعليمية بشكل كبير بسبب الحرب. العديد من المدارس تعرضت للتدمير أو أصبحت غير آمنة؛ ما أدى إلى انقطاع الأطفال عن التعليم. هذا الوضع يهدد مستقبل جيل كامل من السوريين ويزيد صعوبة إعادة بناء البلاد في المستقبل.
تأثير الأزمة على السوريين
ـ الصحة النفسية: تسببت الحرب في سوريا في أضرار نفسية جسيمة للسوريين. يعاني الكثيرون من اضطرابات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، القلق، والاكتئاب. الأطفال بشكل خاص تأثروا بشكل كبير، حيث شهدوا مشاهد عنف وفقدان أفراد من عائلاتهم، مما أثر على نموهم النفسي والعاطفي. ويعيش العديد من النازحين في مخيمات تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية، مما يجعلهم عرضة للأمراض والظروف الجوية القاسية. اللاجئون في البلدان المجاورة يواجهون تحديات كبيرة، بما في ذلك نقص الفرص الاقتصادية والتعليمية، مما يزيد معاناتهم اليومية.
ـ العلاقات الاجتماعية: تسببت الحرب في تفكك العديد من الأسر والعلاقات الاجتماعية. وفقدان الأحباء والنزوح القسري أدى إلى تباعد العائلات والأصدقاء، مما أثر على النسيج الاجتماعي للسوريين. كما أن التوترات الطائفية والإثنية زادت من تعقيد العلاقات بين مختلف مكونات المجتمع السوري.
الاحتجاجات الشعبية
تشهد سوريا موجة من الاحتجاجات الشعبية، خاصة في السويداء ودرعا الجنوبيتين، احتجاجًا على تدهور الأوضاع المعيشية ورفع الدعم عن الوقود. تركزت هذه الاحتجاجات على المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بالمقابل استخدمت حكومة دمشق القمع تجاههم، ولا حلول تلوح في الأفق لهذه الأزمة التي أهلكت الحرث والنسل.