دنيز فرات؛ المناضلة التي عانت الظلم والاضطهاد التركي منذ طفولتها في باكور كردستان لتنزح إلى جزء آخر من أجزاء كردستان باحثة عن الأمان ولم تنقطع قط عن حلم ملامسة تراب أجدادها والعودة إلى مدينتها (وان)، التي حرمت من رؤيتها طيلة حياتها. أدى غضبها ضد دولة الاحتلال التركي أن تختار العمل الصحفي طريقاً لتحقيق حرية شعبها فأصبحت لغة وصوت الشعب والمرأة التي أرادوا إسكاتها وقمعها في ثورة روج آفا ومقاومة شنكال. فسارت على نهج الشهداء لتصبح بذلك نموذجاً لنضال المرأة الحرة وشعلة تنير درب الإعلام الحر.
ولدت مدحية يلدزتان “دنيز فرات ” في باكور كردستان (شمال كردستان) عام 1984م، لعائلة وطنية مرتبطة بفكر وفلسفة قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان, وهي واحدة من الأخوات الثلاثة اللواتي استشهدن من هذه العائلة وهن يناضلن في درب الحقيقة, وعلى الرغم من القمع الذي تعرضت له عائلة دنيز فرات مثل مئات العوائل في مناطق باكور كردستان، لم ترضخ للظلم ولم تستسلم للظروف الصعبة وهي تنتقل من مكان إلى آخر, على الحدود التي رسمها المستعمر على أرض كردستان, من الشمال نحو الشرق فالجنوب, نتيجة المضايقات التي تعرضت لها العائلة من قبل سلطات الاحتلال التركي.
انضمت دنيز مع أختها ساريا في سن مبكر إلى نضال الحركة التحررية الوطنية بعد أن انضمت أختها الكبرى إلى صفوف الكريلا, تفتحت دنيز على الجبال وكبرت هناك ضمن صفوف الحركة الكردستانية, سارت على درب الحقيقة, وعملت في عدة مناطق، في بوطان، بهدينان، روجهلات و باشور كردستان، قنديل، وفي خنير وكاره ضمن وآخر محطة لها كان منطقة مخمور حيث ارتقت شهيدة هناك.
تميزت دنيز فرات كأخواتها بروحها الجميلة وبسرعتها في إنجاز وإتقان الإعمال في كل المجالات, كان عزم عائلتها الوطنية واختها الكبرى التي أصبحت قيادية في ساحة الحرب, مصدر إلهام وإصرار لها على العزيمة والنضال ومحاربة العدو بكل الأشكال رغم صغر سنها.
استشهدت أختها الكبرى بنفش بعد نضال كبير ضد الاحتلال في جبال كردستان, حيث كانت أول رائدة أوقعت بطائرة الدولة التركية المحتلة في سماء الوطن, كما لم تترد أختها سارية من القتال بقوة وعزيمة من أجل نضال الحركة التحررية الكردستانية, رغم صغر سنها, واستشهدت في الدرب الذي استشهدت فيه أختها بنفش لتصبح الشهيدة الثانية من تلك العائلة الوطنية التي لم تبخل بروحها لأجل الحرية.
دنيز فرات هي الشهيدة الثالثة من بين الأخوات الثلاثة اللواتي أصبحن نماذج للمرأة الحرة وأتقنّ المقاومة والنضال, حيث تبوأنَ بذلك موقعاً متقدماً في الحراك الثوري الكردي.
أثرت شخصية دنيز فرات في الكثير من رفاقها الذين اعتبروها معلمتهم في العمل الصحفي وساروا على دربها حتى نالوا الشهادة, أمثال الشهيد رزكار دنيز الذي أخذ بنصيحة دنيز, وتوجه إلى روج آفا لتغطية مجريات الثورة الموجودة هناك، حيث نصحته بأن يكون صحفياً ناجحاً ومتألقاً يدون بقلمه أحداث الثورة ويوثقها عبر الكاميرا، فتوجه إلى روج آفا دون تردد, وعمل كمراسل حربي ووثق عبر كاميرته العديد من الحملات والمقاومة التي أبداها مقاتلات ومقاتلو وحدات حماية الشعب والمرأة, ليلتحق بعد ذلك هو أيضاً بقافلة شهداء الإعلام الحر.
تميزت دنيز فرات بروحها المرحة وحيويتها واجتهادها في كافة المجالات, حيث أدركت في سن صغير بأن النضال هو الطريق الوحيد أمام الشعب الكردي, وهذا ما جعل كل أصدقائها ومن يعرفها يحبونها ويحترمونها.
دنيز فرات اختارت في العشر السنين الأخيرة من حياتها العمل الصحفي أسلوباً للنضال ولكشف السياسات المعادية القذرة التي تحاك ضد شعبها, فعملت في ساحات كثيرة, كتبت بلغتها الكردية الأم. القلم والكاميرا كانا سلاحها التي أرادت به إظهار حقيقة الاضطهاد والظلم الذي يتعرض له الشعب الكردي في عموم أجزاء كردستان, كما عملت جاهدة بتصوير جبال كردستان وطبيعتها الخلابة وإظهار حياة المقاومة والروح الرفاقية الجميلة بين الكريلا المناضلين في صفوف الحركة الكردستانية.
كانت دنيز مؤخراً مسؤولة عن الصحافة في منطقة مخمور, عرفها الجميع بشغفها وحبها لهذا المجال, كانت تسعى لتعليم رفاقها تجربتها وأسلوب العمل الصحفي, كانت أهدافها واضحة وسامية بمعانيها, لأنها كانت تبحث عن الحقيقة وتناضل لأجل حرية شعبها, فأصبحت لغة وصوت شعبها, وأصبحت بإيمانها وجهودها مثالاَ للمرأة المقاومة.
دنيز فرات ناضلت ضد الطغاة والاحتلال في كل مكان، وأظهرت الوجه الحقيقي لمرتزقة داعش، المدعوم من قبل دولة الاحتلال التركي، ولم تتردد في تقديم حياتها في هذا الطريق.
استشهدت دنيز فرات بتاريخ 8 من آب 2014 وهي توثق مجريات الأحداث في مخمور أثناء هجمات لمرتزقة داعش, تلك المنطقة التي التجأ إليها الكرد الفارين من ظلم وهمجية الدولة التركية المحتلة.
دنيز, كانت مناضلة حقيقية من مناضلات كردستان, وأثبتت ذلك من خلال عملها في كل مناحي الحياة, وضمن ظروف الحرب الصعبة, كانت ذا تأثير كبير في الحياة تعلم وتنظم كل من حولها, مسيرة طويلة وحياة مليئة عاشتها دنيز على درب الحقيقة والإعلام الحر, وباستشهادها أصبحت طريقاً يهتدى به.