سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

دنيز فرات… المناضلة التي رسمت خطاً صحفياً ثورياً ضد مفاهيم صحافة النظام السلطوي

كوباني/ سلافا أحمد –

أكدت الصحفية والمحررة في وكالة هاوار “دجلة أحمد” أن الشهيدة “دنيز فرات” شهيدة ثورة الحق والحقيقة، وأن نضال الصحفية دنيز بوجه الطغاة والمستبدين أسست هوية وخط إعلام المرأة الحر في يومنا الحاضر. 
“دنيز فرات” الفتاة، التي كبرت، وهي تحارب الدكتاتورين والطغاة، الذين يرون وجود الشعب الكردي تهديداً لهم؛ لأنهم شعب مقاوم ومسالم يطالب بحقوقه المشروعة، دنيز فتاة ذات صفات جريئة، ورقيقة وذكية، بدأت نضالها في محاربة الذهنية السلطوية، وهي صغيرة، فبدأت معركتها الكبرى بمحاربة السلطات المهيمنة والدكتاتورية، بعدستها وقملها الحر، فضحت بحياتها في سبيل إظهار الحقيقة.
منعطفات تاريخية في حياة المناضلة دنيز
دنيز فرات؛ الاسم الحقيقي “مدحية يلدزتان”، مواليد عام ١٩٨٤، ولدت في كنف عائلة وطنية وثورية في حي خجي خاتون في ناحية أبخا بولاية وان في باكور كردستان، تعرف والدها منذ الثمانينات على حركة حرية كردستان، وخاصة المناضل عكيد (معصوم قورقماز) وانضم إلى الفعاليات الثورية. توفيت والدتها وهي ما تزال صغيرة فتزوج والدها من امرأة أخرى فرُبِيَت دنيز على يد زوجة والدها.
لم يفرق حال عائلتها عن حال آلاف العوائل بباكور كردستان، الذين عانوا الويل من ظلم واستبداد والتهجير على يد سلطات الدولة التركية الفاشية، لقد عاشت طفولتها على درب النزوح بين أجزاء كردستان بحثاً عن الأمان، فقد كانت في السابعة من عمرها عندما توجهت برفقة أربعة من أشقائها إلى باكور كردستان ومنها إلى باشور كردستان.
قبيل نزوحهم لاحقت الحكومة التركية عائلة المناضلة دنيز، واعتقلت والدها عدة مرات بحجة تعامله مع حزب العمال الكردستاني، لقد كانت المناضلة دنيز منذ صغرها تعاني الظلم والاستبداد على يد السلطات الدكتاتورية، فتحول الظلم والعنف الذي عانته إلى شعلة من المقاومة والنضال، وأصبحت صحفية حرة مناضلة تضحي بأغلى ما لديها في سبيل فضح سياسات الدكتاتورية للرأي العام. وأثناء رحلة نزوحهم انضمت الأخت الكبيرة في العائلة “بنفش” إلى حركة حرية كردستان عام 1990.
عندما نزحت عائلة دنيز إلى روجهلات كردستان بقصد البحث عن الأمان، لم تسلم أيضاً العائلة من التهديدات والضغوطات من الفاشيين، حيث هذه المرة اعتقل النظام الإيراني العائلة بأكملها من الأب، والأم، والأبناء جميعاً، فأُفرج عنهم بفترة وجيزة، وبعد الإفراج عنهم عاشوا في مدينة أورمية لمدة من الزمن، ولكن بسبب الضغوطات والهجمات اضطروا مرة أخرى للهجرة وتوجهوا هذه المرة إلى منطقة خاكورك بباشور كردستان، ليستقروا بعدها في مخيم الشهيد رستم جودي “مخمور”.
في منطقة خاكورك التقت دنيز بأختها بنفش التي كانت منضمة إلى صفوف حركة حرية كردستان، هناك تعرفت دنيز وأختها ساريا على المناضلة الفدائية بيريتان، وبقيتا لديها فترة من الزمن، في عام 1992 عندما هاجمت دولة الاحتلال التركي برفقة الحزب الديمقراطي الكردستاني، قوات الكريلا؛ كانت دنيز وعائلتها شهوداً على تلك المجريات، في هذه الحرب استشهدت المقاتلة الطليعية بيريتان؛ فتأثرت دنيز وساريا باستشهادها بشكل كبير لذلك عندما أرادت الكريلا إرسالهما إلى المنزل اعترضتا، ورفضتا العودة للمنزل، وفي العام نفسه قررتا معاً الانضمام إلى قوات الكريلا، فباشرتا رحلتهما في الانتقام من الظالمين والطغاة والمحتلين.
استشهاد شقيقتها عزيمة وإصرار
شهادة شقيقتها زادت عزيمتها وإرادتها، فاستمرت بنضالها، وإلى جانب كونها مقاتلة للكريلا فقد عمقت مستوى فكرها وأيديولوجيتها، وبعد عملها ضمن حركة الشبيبة الثورية، انضمت عام 2007، للعمل الإعلامي، حيث بدأت رحلتها الإعلامية بمثابرة وشغفاً كبيرين لمهنتها الجديدة، والتحقت بوكالة فرات للأنباء ووكالة روج نيوز، وفضائية ستيرك، وعملت مراسلة ومعدة للبرامج ومقدمة، إضافةً لكتابة المقالات والدراسات.
فقطعت على نفسها عهداً بأن تكون صوتاً للحق والحقيقية، وبدأت بعدها رحلتها الشاقة في إظهار صوت الحقيقة في أرجاء كردستان، وفضح ممارسات الطغاة والفاشية، التي يمارسونها بحق الشعب الكردي.
وطورت ذاتها في المجالات الإعلامية، وكتبت في مجلة (Tanriça Zîlan) لفترة طويلة، وقدمت برنامج (Rojeva Jin) لإذاعة Dengê Welat، ولأنها كانت تحب الكتابة كثيراً، ولدت عندها رغبة في كتابة القصص عن المرأة وخاصة حياة المرأة ضمن صفوف حزب العمال الكردستاني، كانت تتوق لفتح معرض لصور المقاتلين والمقاتلات.
تنقلت الصحفية دنيز فرات ومعها القلم والعدسة وتجولت في أجزاء كردستان الأربعة متخطية الحدود المصطنعة لتجعل هذا الوطن جزءًا موحداً، وفي كل رحلة لها سعت لنقل صوت المجتمع الكردستاني إلى الرأي العالم.
خلال رحلتها في أجزاء كردستان، ومتابعتها الحروب، التي تعرضت لها تلك المناطق أصيبت مرتين بجروح خطيرة، إلا إنها لم تستسلم ولم تتخل عن مهامها في توثيق ما يجري من الأحداث على الساحة الكردستانية.
استشهدت شقيقة دنيز الكبرى، بنفش في زاب في الثامن من آب 1999، واستشهدت شقيقتها شكران (ساريا) في معارك منطقة متينا بباشور كردستان، كما انضمت شقيقتها الصغرى إلى حركة النضال لتسير على درب شقيقاتها، فجسدن المعنى الحقيقي والكامل للعائلة الوطنية والفدائية.
في عام 2013 توجهت إلى مخيم مخمور للاجئين، حيث كانت تقطن عائلتها أيضاً فيه، وفي المخيم عملت في صحيفة “Dengê Welat”، وساهمت في تدريب العديد من الإعلاميين.
لأنها أرادت أن تكون صوت الحقيقة ارتقت للشهادة 
عندما كانت مرتزقة داعش، تهاجم الموصل ومخمور، ثم توجهت لهولير، كانت دنيز تتابع مقاومة الكريلا وأهالي مخيم مخمور، وتنقلها للعالم، وتعرف الجميع على المقاومة والحقيقة من خلال أخبارها والفيديوهات والصور التي التقطتها.
استشهدت الصحفية “مدحية يلدزتان” دنيز فرات في الثامن من شهر آب عام ٢٠١٤، وهي تقوم بمهنتها في نقل الصورة الحقيقية والأحداث، التي جرت في تلك الحقبة، بعد أن قامت مرتزقة داعش شن هجمات وحشية، وارتكاب مجازر في مخيم الشهيد رستم جودي “مخمور” ولأن دنيز فرات كانت صوت الحقيقة قامت بنقل الصورة كما جرت؛ فارتقت شهيدة بعد سنوات من النضال والكفاح، ليوارى جثمانها في مسقط رأسها في مدينة وان بباكور كردستان.
لقد أرادت دنيز أن تكتب كتاب حول حياة شقيقتها الشهيدتين (بنفش وساريا) اللتين انضمتا إلى صفوف حزب العمال الكردستاني، والتحقتا بقافلة الشهداء من أجل الحرية، لكنها أصبحت عنواناً لهذا الكتاب.
عُدَّت الصحفية والمناضلة دنيز فرات للإعلام الكردي مصدراً للإرادة والمعرفة والشجاعة، لذلك توزع كل عام جوائز مسابقة الشهيدة دنيز للآداب.
“بسيرنا على نهج دنيز سنصبح صوت المقاومة والنضال” 
في الذكرى العاشرة لارتقاء دنيز فرات للشهادة، التقت صحيفتنا “روناهي” الصحفية والمحررة في وكالة هاوار “دجلة أحمد”؛ التي حدثتنا: “نحن نقبل على الذكرى السنوية العاشرة لاستشهاد الرفيقة الإعلامية دنيز فرات، نستذكر في شخصيتها شهداء الإعلام الحر بكل تقدير ونجدد عهدنا لهم”.
وأشارت: “في الوقت الذي يتعرض له الشعب الكردي والمرأة المناضلة والمقاومة من سياسة الإبادة من أعداء الشعب الكردي، وسط النضال والمقاومة التاريخية في إجزاء كردستان الأربعة ضد هذه السياسة، نحن الإعلاميات اللواتي يناضلن بكاميرتهن وقلمهن وصوتهن سنسير على درب دنيز، لكي نصبح صوت المقاومة ونضال المرأة ومقاومة شعبنا”.
وأوضحت: أن النضال والوقفة الثورية المثالية والوطنية لشهيدة لدينيز وغربتلي آرسوز ونضال ورفيقاتها الإعلاميات اللواتي استشهدن، وهن يرصدن مقاومة الشعب في وجه المستبدين تم تأسيس هوية وخط إعلام المرأة الحر في يومنا الحاضر.
وبينت: “ناضلت الشهيدة دنيز فرات وعشرات الإعلاميين في السعي وراء الحقيقة، فرسموا لنا خطاً صحفياً ثورياً ضد مفاهيم الصحافة للنظام السلطوي، فعلينا نحن النساء اللواتي نريد أن نكن تابعات وباحثات عن حقيقة المرأة والمجتمع، أن نتخذ من وقفة دنيز الثورية والمرأة المقاومة أساساً وقدوة لنا”.
وأكدت بأنهنَّ أمام مسؤولية كبيرة لنقل الحقائق والمقاومة التاريخية، التي يبديها شعبهم، وخاصةً المرأة التي كسرت قيود العبودية، وتخلصت من الفكر السلطوي الذكوري، الذي قلص دور المرأة ضمن نطاق لا يسمح لها أن تعبر عن حريتها وأخذ دورها بشكل كامل.
ولفتت المتحدثة: “عندما كانت مرتزقة داعش، تهاجم الموصل ومخمور، كانت الشهيدة دنيز تتابع مقاومة الكريلا وأهالي مخيم مخمور بكاميرتها، وتنقلها للعالم، وتعرف الجميع على المقاومة والحقيقة من خلال أخبارها والفيديوهات والصور التي التقطتها، فكانت أمنية الشهيدة أن تؤلف كتابا عن عائلتها، التي عانت الكثير من ظلم الاحتلال التركي، وخاصة عن شقيقاتها اللواتي استشهدن أثناء نضالهن في جبال كردستان”.
وتابعت دجلة حديثها: “عملت الشهيدة دنيز بشخص المرأة الكردية بجد في أصعب مناطق النضال، فإن إعلام المرأة الكردية وتقاليده قد بُني على عمل وأساس حقيقة لهؤلاء الشهداء العظماء، ولذلك نقوم بتنظيم أنفسنا لنكون صوت وصرخة كل امرأة مناضلة، نناضل اليوم لبيان الحقيقة، ولإظهار حقيقة المرأة المقاومة”.
وأضافت، أن “نضال المرأة في إقليم شمال شرق سوريا وكفاحها بدأ ضد عبودية المرأة مع انطلاق ثورة 19 تموز، ومقاومتهما لم تذهب سدى بل حققت انتصاراً في كسر إرادة الذهنية الذكورية، عندما كُسِرت شوكة داعش الإرهابية في المنطقة؛ فنساء هذه الرقعة سطرن ملاحم بطولية بأجسادهن في ساحات المقاومة، ونساء نظمن أنفسهم ضمن مجالس وكومينات، واتخذن مواقعهنَّ في مشروع الأمة الديمقراطية، وفلسفة القائد عبد الله أوجلان كان لها دور الكبير في نجاح وتقدم النساء وأخذ حقوقهن بشكل كامل كما نشاهده اليوم في مناطقنا”.
واختتمت الصحفية والمحررة في وكالة هاوار “دجلة أحمد” حديثها بالتشديد على مواصلة نهج الصحفية المناضلة “دنيز فرات” ورفاقها: “من هذا المبدأ سنتصرف بمزيد من المسؤولية لنكون إعلاماً له تأثير أكثر على المجتمع وإظهار حقيقة جوهر المرأة ودورها الريادي في النضال والمقاومة في وجه الأنظمة السلطوية والذكورية، لنكون لائقات بتضحيات وإرث شهيدات صوت الحقيقة كالشهيدة دنيز وغربتلي آرسوز، ونوجيان أرهان، وساريا، وشيلان، ودليشان، ودلوفان، وعشرات الإعلاميين الآخرين”.