ها هي أوكرانيا، أو أُكرايينا الدولة، التي تعاني حرباً من دولة جارة قويّة، لهما العادات والتقاليد، والدين، والتاريخ نفسه، لكنّ كالمعتاد، غايات الحروب، هي البحث عن المال، والنفوذ، والسلطة، وتوسيع الإمبراطوريّات، فالدولة القويّة تبتلع الدولة الضعيفة.
وهناك من يقول: إنّ اللوم على هذا الطرف، وذاك يقول: اللوم على ذاك الطرف، وهناك من هو مصطفٌّ مع ذاك، وهناك من هو متخندق مع هذا، مع أنّ السبب الرئيس لكلّ هذه الحروب، هو: “فكرة الدولة” بحدّ ذاتها، فقد جاءت فكرة الحرب مع نشوء الدولة، فقد يحتوي التاريخ في طيّاته على غزوات في المجتمع الطبيعي، لكنّها كانت غزوات للبحث عن لقمة العيش، وليس البحث عن الرفاهيّة، والتعطّش للدماء مثل هذه الحروب.
في هذه الحرب الروسيّة على أوكرانيا، نستذكر الهجمات التركيّة على الشمال السوريّ، مع اختلاف كبير، لكنّ هذه الحرب لا مبرّر لها سوى النفوذ، والعالم كلّه يتفرّج، فإذا كان رأس هرم النظام العالمي أمريكا صامتاً لا يتحرّك، فإنّ العالم كلّه سيصمت، مع أنّ أمريكا قد حفرت حفرة هذه الحرب من خلال التمهيد، والتصفيق لها منذ زمن.
وجه الاختلاف الكبير بين الهجمات الاحتلالية التركيّة على عفرين على وجه الخصوص، وهذه الحرب الروسيّة على أوكرانيا، هو أنّ أوكرانيا دولة لها اعتراف دوليّ، ولها جيش، وأسلحة تدمير ومصفّحات، ودبّابات، وطائرات… فهي الدولة الأولى عسكريّاً في أوروبا، أي أقوى من بريطانيا، وفرنسا وغيرها، أمّا المجتمع المقاوم في عفرين، وكري سبي/ تل أبيض، وسرى كانيه، لا يمتلك شيئاً سوى الإرادة والتكاتف المجتمعيّ.
ولا تقارن عفرين على سبيل المثال بدولة كبيرة مثل أوكرانيا، لكنّ المقاومة العفرينيّة، أثبتت للعالم أنّ الإرادة هي أعظم أدوات المقاومة، والإيمان بالإرادة، هو أعظم سلاح يريد أن يحطّمه العدوّ في المجتمعات.
علينا أن نستنبط الدروس من هذه الحرب، فلا نضع بيضنا كلَّه في سلّة واحدة، مثلما فعل الرئيس الأوكرانيّ الذي اعتمد على حلف الناتو، الذي تخلّى عنه دون خجل.
ينسى الناس تاريخ الحروب في استقرار بسيط، وكأنّ التّاريخ كلَّه سلام، لكنّ عندما تقلّب صفحات أيّة بقعة في هذا الكون ترى الويلات، والدماء، وحدود صنعت بالدماء، وإمبراطوريّات شيدت بالجماجم، ومدن شيدت بالعبيد.
هو التاريخ الذي يكرِّر نفسه دائماً، لكنّ التطوّر العلمي، والتكنولوجيا، والاتصالات، والقنبلة الذريّة، وتدمير البيئة، هي عوامل أفول هذه الشعوب، والدول.
لا فرق إن ربحت أوكرانيا هذه الحرب، أو خسرتها، فهي صراعات دولتية، يدفع الشعب ثمناً لها، فإن كانت هناك حروب، فإن دماء الأبرياء تُسال، وإن كان هناك سلام، فهناك تسارع فظيع في تضخّم عمالقة المال، ومجاعات في أطراف أخرى في العالم، ووفيّات، نتيجة تدمير البيئة، واحتكار كلّ شيء من قبل هذا النظام العالميّ المهيمن، الذي قاطع الأخلاق مقاطعة نهائيّة.
إذا لم تستطع المجتمعات، أن تقي نفسها من هذه الحروب الشعواء، من قبل الدول وعلى المجتمعات بكلّ أنواعها؛ الفكريّة، والأيديولوجيّة، والاقتصاديّة، والعسكريّة، فستظلّ سلسلة هذه الحروب مستمرة، ويبقى الشعب أسير أهواء الدول المتهوّرة.