في تلك المدينة، التي لم تمر عليها الحرب إلا بذيلها، وعلى بعد خطوات بمقياس الخوف من الشارع الرئيس، الذي يبدو كمجرى ماء قد جف، في ذلك المنزل الذي أعطته الشروخ صفة الشيخوخة المبكرة، في الغرفة التي تقعي نوافذها باتجاه الشمس وتظل ظمئة للضوء؛ وجدت هذه الرسالة تتوسد الأرضية المغبرة وكان الخط الراكض فوق سطورها يقول:
هذا أنا الذي استيقظ ذات صباح شاعرا بالأمان، فباغته مسدس يلصق فوهته بصدغه!
في تلك اللحظة تقريبا.. لم أعرف؛ هل ما زلت نائما أم أني قد استيقظت فعلا؟ أأسبح في بحر الأحلام أم أقف على أرض الواقع؟ كل ما أدركته أن روحي أصبحت تبتلع – كثقب أسود في الفضاء – كل ما يمر بها من أحاسيس ومشاعر، ليحتلني سؤال واحد: أيعقل أن يموت المرء بمجرد أن يفتح عينيه على الحياة؟
سألني ذلك الشخص وهو يزيد من ضغط ذلك الشيء عليَّ إن كنت خائفا، فأجبته وقد سيطر علي الذهول:
– خائف؟! لا أظن هذه الكلمة تكفي والخوف رفيق حياتي الوفي.
شعرت بتململ في وقفته رغم أني لم أكن أستطع رؤية جسده بالكامل:
– لا تقلق، أنا من سيخلصك من خوفك هذا.
سألته وأنا أخفي استنكارا خلف ارتباكي:
-كيف؟! ستخلصني من هذا الخوف المعشش بداخلي كله! عفوا، مشكلة الزمن لا تحل في لحظة.
– أنا الوحيد الذي يستطيع ذلك.
أكد لي وهو يقف بعيدا عن مرمى عيني.
رددت عليه متعجبا من تلك الثقة:
– حقا! من أنت؟ أنا إلى الآن لم أعرف ملامح وجهك.
ضحك ضحكة قصيرة، قبل أن يعود إلى لهجته الحادة ويأمرني بمغادرة السرير، فامتثلت لأمره رغم استهجاني له:
– ماذا؟! تريدني أن أغادر السرير، وهل هذا يجدي عاطلا مثلي؟
وما إن انتصبت واقفا حتى بدأت بالتساقط…
بعد هذه اللحظة ماذا يمكن أن تتوقعوا؟
لا بأس عليكم، ليس مطلوبا منكم الإجابة، لكن حاولوا أن تضعوا في بالكم ذلكم الشخص، وهو يأبى أن يفارقكم، ويظل يرقب خوضكم في تفاصيل حياتكم اليومية، عندها ستمارسون عاداتكم اليومية على غير عادتكم؛ ستأكلون وتشربون لتظلوا جائعين وظامئين، ستذهبون إلى المقهى حيث تجتمعون بأصدقائكم لتبقوا وحيدين، يتحدثون فلا تسمعونهم، وتتحدثون فلا يسمعونكم، ستسيرون في الشارع ولم تغادروا بيوتكم، حتى الطرق، التي تعرفونها جيدا ستسلكونها لأول مرة، وفي المساء حين تعودون إلى منازلكم ستعرفون أنكم ضائعون.
ويعود صاحب المسدس ليضع ذلك الجسم الحديدي – الحار والبارد في آن معا – على رؤوسكم…
ستتوسلون إليه:
– أرجوك! ماذا تريد منا؟ لا شيء لدينا سوى الحرمان.
وبلهجة آمرة سيطلب منكم العودة إلى السرير، ستكاشفونه هذه المرة:
– ماذا؟! نعود إلى السرير، يا له من عمل شاق الآن!
لكنكم سرعان ما ستنفذون كل ما يطلب حتى إذا تمددتم وأغمضتم أعينكم، ستسلون أنفسكم بهذا الرجاء:
– حسنا، سنغمض أعيننا هذه المرة علنا نرى ما لم نره في المرات التي كانت فيها أعيننا مفتوحة!
في تلك اللحظة فقط ستسمعون أصواتكم، وهي تبث قهقهة تهز الجدران المحيطة بكم والصدى يردد:
– والآن سيبدأ العد التنازلي لضغط الزناد.
والآن أقول لكم تصبحون على خوف، لربما تستيقظون على يد تربت على أكتافكم وتفتح لكم نوافذكم، لتروا كيف تحط تلك العصافير بأرجلها الرقيقة على الأسلاك الشائكة ثم تصدح بالغناء!