كان تضييق الخِناق التركي لإقليم شمال وشرق سوريا من خلال حبس مياه الأنهار، سبب رئيسي لقلة المياه الجوفية، وإحداث خطر قد يؤدي لنضوبها، وبالتالي احتمال وقوع آفة التصحّر التي تُحدِث وطأة للأمنَين النباتي والغذائي، كما لنقص هطول الأمطار في السنوات الأخيرة جانب آخر لقلة المياه في الإقليم، وهناك توصيات طرحتها المديرية العامة للمياه بمقاطعة الجزيرة لمواجهة المشكلة.
يحتوي إقليم شمال وشرق سوريا على طبقتين جوفيتين للمياه العذبة القابلة للتجدد، لكن تقع هاتان الطبقتان في منطقتين يسيطر عليهما الاحتلال التركي، بالإضافة للعديد من طبقات المياه الجوفية التي لا تصلح للشرب والزراعة، وهناك خطر سيواجهه الإقليم من نقصٍ للمياه الجوفية خلال السنوات القادمة، بحسب الرئيسة المشتركة للمديرية العامة للمياه بمقاطعة الجزيرة، ويجب التوقُف عليه.
الطبقات الجوفية لإقليم شمال وشرق سوريا
خلال المنتدى الذي أُقيمَ في مدينة قامشلو للتعريف بواقع المياه الجوفية في المنطقة، وتسليط الضوء على واقع المياه الجوفية بمقاطعة الجزيرة وبمدينة الحسكة بشكلٍ خاص، التقت صحيفتنا “روناهي” الدكتور في العلوم الجيولوجية في جامعة روج آفا “نزار خليف” وكان له تعقيباً على ذلك.
وفيما يخص أهم طبقات المياه الجوفية لإقليم شمال وشرق سوريا، اعتمد خليف في أبحاثه على تقارير الأمم المتحدة والأبحاث المحكمة المنشورة بالمجلات العالمية: “بينت النتائج من خلال الدراسات وجود أهم طبقة وهي طبقة الجزيرة، الممتدة من مدينة قامشلو حتى مدينة سري كانيه، وتُعتبَر من أفضل طبقات المياه الجوفية في إقليم شمال وشرق سوريا، من حيث المواصفات وانخفاض محتوى الكبريتات فيها بنسبة كبيرة، وهي مياه قابلة للتجدد”.
ومن المؤسف أنَّ مناطق تجميع هذه الطبقة متواجدة في الأراضي التركية، أما مناطق التصريف متواجدة في منطقة مقاطعة الجزيرة وبشكلٍ خاص بينابيع مدينة سري كانيه المحتلة وعين العروس، لكن هذه الينابيع تقع خارج سيطرة الإدارة الذاتية الديمقراطية، وبالتالي يُعتبَر هذا الأمر أكبر تحدي، لعدم استفادة المنطقة من هذه الطبقة الجوفية الكبيرة ذات المياه العذبة بحسب خليف.
كما أشار إلى وجود طبقات للمياه الجوفية المتميزة في مدينة عفرين، وذات مواصفات هيدروجيولوجية وعذبة وقابلة للتجدد، ويسيطر عليها الاحتلال التركي أيضاً.
فيما أوضح أنه أغلب مناطق إقليم شمال وشرق سوريا تحتوي طبقات مياه غير العذبة: “التحدي الأكبر أنه أغلب مناطق إقليم شمال وشرق سوريا تتواجد فيها المياه الجوفية ضمن طبقات غنية بمواد الكبريتات، والتي لا تصلح للشرب، لذلك يحتاج السكان لعمليات تعالج مشاكل هذه المياه”.
حبس مياه الأنهار سبب لنقص المياه الجوفية
ومن جهتها تحدَّثت الرئيسة المشتركة للمديرية العامة للمياه بمقاطعة الجزيرة “بيريفان سلو” عن واقع المياه في مقاطعة الجزيرة وأهميتها ومصادرها: “إنَّ إقليم شمال وشرق سوريا ومقاطعة الجزيرة بشكلٍ خاص تعاني من أزمة مياه كبيرة، لانخفاض مستوى المياه الجوفية وانحصارها، فالأمر مرتبط بقلة هطول الأمطار في السنوات المنصرمة، أمَّا السبب المباشر فهو السياسات التي تُحاك ضد المنطقة من قبل الدولة التركية، من خلال حبس مياه الأنهار التي تمتد لإقليم شمال وشرق سوريا، مثل نهري الخابور والفرات، ما أثَّر بشكلٍ كبير على قلة الإنتاج النباتي أيضاً، وبالتالي تقل المساحات المزروعة ويزحف التصحر”.
وتطرقت إلى مشكلة نقص المياه في الحسكة، فقد كان نهر الخابور يغذي ثلاثة مدن (الحسكة وتل تمر والشدادي)، وتمَّ حبسه عام 2021 من قبل تركيا، ومن الملاحظ أنَّ مدينة الحسكة تعاني من نقص المياه الصالحة للزراعة والشرب، بعد احتلال مدينة سري كانيه والاستيلاء على محطة علوك.
حرب المياه والتأهُّب لها
نوهت بيريفان للخطر الذي سوف تواجهه المنطقة في السنوات القادمة، والذي سيحدث بسبب نقص المياه الجوفية نتيجة حبس الأنهار وقلة مياه الأمطار التي تُعتبر المصدر الأساسي لتوفر مياه الشرب لسكان المقاطعة. وأشارت إلى أنَّه “كوننا في منطقة الشرق الأوسط نتجه نحو حرب تخص المياه، بسبب احتكار الدول العظمى للمياه وحبسها، وتعاني المصادر الموجودة للمياه من العجز والانحسار”.
كما بينت أنَّهم خلال المنتدى سلطوا الضوء على مشكلة المياه في إقليم شمال وشرق سوريا ومقاطعة الجزيرة بشكلٍ خاص، ومن ضمن المحاور التي تم طرحها، مناقشات الحضور التي أغنت المنتدى وأعطت الكثير من الآراء، وتمَّ الوصول إلى حلول استراتيجية ووضع خطط خمسية لمواجهة مشكلة المياه.
التوصيات والخطط لمواجهة الخطر
كشفت بيريفان عن عدة توصيات تمَّ طرحها لحل مشكلة المياه في المنطقة، وهي: ضرورة تحشيد الضغط على الدولة التركية وسياساتها المائية لتحييد المياه ومصادرها، وضرورة المؤازرة من الأمم المتحدة والمنظمات، للقيام بالدراسات والأبحاث والدعم المادي لمشاريع وطنية، أيضاً العمل على بناء مجلس الأمن المائي يشارك فيه مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى تعزيز التوعية المجتمعية عبر إطلاق حملات توعوية تهدف إلى زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استهلاكها، وتطوير تقنيات الري وتشجيع استخدام التقنيات الحديثة التي تحافظ على المياه الجوفية والتقليل من استهلاكها، واستخدام حصاد المياه من خلال الاستفادة من مياه الأمطار، وتفعيل دور المرأة في تعزيز إدارة الموارد المائية من خلال برامج تدريبية ومشاريع تمكين، تهدف إلى إشراكها بشكلٍ فعال، إلى جانب التعاون الإقليمي والدولي وتعزيز الشراكة مع الجهات الدولية والإقليمية لتبادل الخبرات والتجارب الناجحة في إدارة الموارد المائية، والاهتمام بتحسين البنية التحتية والعمل على تحسين وتطوير شبكات المياه والصرف الصحي لضمان توفير المياه النظيفة والآمنة، وتشجيع الزراعة المستدامة ودعم المزارعين في تبنّي السياسات الزراعية المستدامة لتساهم في الحفاظ على الموارد المائية وتحسين الإنتاج.