قامشلو/ آرين زاغروس ـ بأحلام واعدة، وطموحات كبيرة حملت خريجات جامعة روج آفا في إقليم شمال شرق سوريا لعام 2024، على أعناقهن مهمة النهوض بالجانب العلمي والمعرفي لكردستان.
“جامعة روج آفا” في مقاطعة الجزيرة والتي أُسِّست عام 2016، استطاعت بجهود حثيثة بناء أرضية لمؤسسة تعليمية تحقق المعايير العلمية الدولية، وقد خرجت هذا العام 230 طالباً جامعياً، منهم 150 شابة، و80 شاباً ممن أنهوا تحصيلهم العلمي، وأصبحوا قادرين على دخول مجال العمل بمهنية. هذا وقد كانت نسبة الإناث الخريجات أكثر من الذكور في الكليات عامة، فقد تخرجت من كلية البترول والبتروكيميا تسع خريجات، ومن كلية الزراعة ست خريجات، ومن كلية العلوم الدينية أربع خريجات، والإدارة والاقتصاد 14 خريجة، واللغة والأدب 13 خريجة، وكلية الهندسة المعمارية عشر خريجات، والحقوق خمس خريجات، والإعلام أربع خريجات، وفي كلية الطب 12 خريجة، وفي كلية العلوم البيئية (الإيكولوجي) أربع خريجات، وكلية التكنولوجيا والطبيعة 34 خريجة، وكلية العلوم الاجتماعية 33 خريجة، فيما كانت أقل نسبة لتخرج الطالبات هي في كلية التربية فتخرجت منها خريجتان فقط.
الإعلام بيان الواقع وتدوين الماضي
كما تخرجت من معهد الإعلام في جامعة روج آفا 12 إعلامية، ممن دخلن هذا التخصص، وتعد هذه الدفعة الثانية التي تتخرج بعد أن افتتح قسم “المعهد العالي للإعلام” في العام 2020-2021، وقد استطاع المعهد رفد المجال الإعلامي بإعلاميين مختصين لمزاولة الإعلام ميدانياً.
وتعمل العديد من النساء الخريجات في الوسط الإعلامي؛ للنهوض في الإعلام المحلي، ونشر الحقائق والوقائع للعالم.
وبهذا الصدد؛ بينت الخريجة ومقدمة برامج قناة JIN TV جيان خليل المحمد، أن الساحة الإعلامية في تغيير مستمر: “إن الإعلام يعد ساحة نضال من نوع آخر، ويغذي الشعب بالمعلومات، التي يبحث عنها في المجالات كافة، ولكننا كنا نفتقر في إقليم شمال وشرق سوريا إلى الأساسيات، لأن هناك قلة في عدد الإعلامين، لكن مع كثرة المتخرجين في المجال الإعلامي الوضع اختلف”.
وقد عملت جيان في مجال الإعلام قبل الدخول إلى المعهد العالي للإعلام، والتحقت بدراسة الإعلام لتحصل على مهنية أفضل: “إن الإعلام على عكس المجالات الأخرى فهو لا يرتبط بقيود ويرفع الستار عن القصص المخفية، ويصقل جوهر الأمور ليظهرها للعيان، وهو من المهن الصعبة لأنه يحمل رسالة وأمانة سامية في نقل الحدث، وكل هذا جذبني للتعمق فيه”.
فيما ترى جيان أن التطبيق النظري هو الأساس، ولكنه يجب أن يتغذى بالمعرفة والدراسة المستمرة: “حتى بعد التخرج يجب على المتخرج أن يطور نفسه في المجال الإعلامي بالدراسة والاطلاع على كل جديد يخص الإعلام، وما زالت روج آفا تفتقر إلى التميز في مجال الإعلام، وهناك العديد من المواضيع التي لا يتطرق إليها إعلامنا كثيراً”.
تعمل جيان بعد أن نالت شهادتها الجامعية على تزويد الساحة الإعلامية بالتحقيقات والمواد الاستقصائية، التي بينت أنها قليلة في الإعلام: “لقد درسنا الإعلام بجميع أنواعه دون التخصص بنوع واحد، ولكن المواد الاستقصائية والتحقيقات من الصعب العمل عليها لأنها تحتاج إلى الوقت والبحث”.
وقد أشارت جيان إلى ثورة المرأة في المجال الإعلامي: “إن ثورة روج آفا هي ثورة المرأة، والمرأة هي الوحيدة القادرة على نقل معاناة الشعوب، وملامسة قضايا النساء وإبراز مكانتها في المجتمع، وقد سعيت لإظهار التاريخ الكردي وسلطت الضوء عليه”.
فيما تطرقت إلى عملها في قناة JIN TV: “إنها قناة معنية بالمرأة وتدافع عن المرأة وتظهر مكانتها في المجتمع، وقد عملنا على تحويل قصص النساء إلى قصص وثائقية؛ لتبقى للتاريخ، وفي الوسط الإعلامي هناك روح التنافس على نقل الأخبار أسرع من الوكالات الأخرى، وهذه العمل الجاد يجعلنا السباقين لإيصال الحدث، منافسين بذلك الوكالات الإقليمية والعالمية بالرغم من خبرتنا البسيطة”.
وتمنت جيان خليل المحمد في ختام حديثها، أن يكون صوتها وعدستها مرآة يرى العالم من خلالها روج آفا التي يطمح إليها أبناؤها، وأهدت تخرجها إلى النساء اللاتي يسعين لتحقيق أحلامهن ولم ييأسن من النجاح.
الأدب واللغة حفاظ على الهوية من الاندثار
وخرجت جامعة روج آفا دفعة جديدة من طلاب الأدب الكردي، فيما كان عدد الخريجين من هذا القسم خمسة خريجين فقط لهذا العام، وفي السابق كانت اللغة والأدب الكردي محظورين في سوريا؛ إذ منع التحدث باللغة الكردية أو تعلمها، ولكن مع اندلاع ثورة روج آفا بدأت الشعوب تتعلم بلغتها الأم، ومع افتتاح جامعة روج آفا يعد الأدب الكردي من أول الاختصاصات، التي أدرجت في الجامعة إذ لاقى إقبالاً كبيراً من طلاب المنطقة.
بالرغم من أن عدد الخريجين هذا العام قليل مقارنة بالعام الماضي، إلا أن الخريجين يحملون أحلاماً كبيرة من أجل تطوير وإحياء الأدب في روج آفا، وبينت الخريجة عائشة سليمان أن لهذا التخصص أهمية كبيرة في تاريخ البشرية: “في الأدب الكردي الشفوي، بقيت الآثار التي خلفتها النساء في الملاحم الشعرية التي سطرت تاريخ الشعوب والأدب”.
وعن تأثير الأدب الكردي والملاحم والقصص الكردية على المجتمع، أشارت عائشة: “إن الأدب الكردي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع، فالأدب للمجتمع درع يحمي الوجود والهوية، وهناك العديد من الأدباء المشهورين، الذين لعبوا دورا مهماً في هذا المجال”.
كما ركزت عائشة على دور المرأة في الأدب الكردي: “إن المرأة تتواجد في الأدب الشفهي والمكتوب، كما لعبت دوراً أساسياً في تطوير هذا الأدب، وقد عبرت النساء عن آلام مجتمعهن ومعاناته من خلال الأغاني العاطفية والشعبية والرثاء، بحس أدبي مشترك، وبدورنا نحن نسعى للحفاظ على هذا التراث وتطوير الأدب ليواكب التطور الذي نعيشه اليوم”.
واختتمت عائشة سليمان حديثها مبينة أن الحفاظ على اللغة هو أساس الحفاظ على الأدب الكردي: “إن هدف الأدب الكردي هو الحفاظ على اللغة، فقد كانت العديد من الكلمات العربية والتركية والفارسية دخيلة على اللغة الكردية، حيث تم إضافتها واستخدامها؛ ما أثر سلباً على الناحية الأدبية، والسبيل لتطوير الأدب هو العودة إلى اللغة الأصلية والمحافظة عليها، فإن وجود المجتمع يعتمد على لغته، والمجتمع الذي لا يستطيع التحدث بلغته، هو مجتمع مدمر في الأساس وفاقد لذاته”.
المعرفة سلاح حرية المرأة
ومن الأقسام المميزة في جامعة روج آفا قسم الجنولوجي، والذي خرج جملة من النساء ممن تلقين التدريب والمعرفة بمفهوم علم المرأة لنشره في المجتمع من خلال تدريس هذا المجال أو الانضمام إلى أكاديمية الجنولوجيا في هذا القسم لتطوير الدراسات والأبحاث المعنية في هذا العلم.
وقد بينت خريجة جامعة روج آفا لهذا العام ومعلمة علم المرأة زيلان ماجد، أن علم الجنولوجيا يدعو للمساواة في المجتمع ويحفظ حقوق المرأة التي سلبها النظام الأبوي والسلطوي: “إن العلم الذي اقترحه القائد عبد الله أوجلان يطبق اليوم على أرض الواقع، بفضل طلاب الجامعات الذين درسوا هذا التخصص”.
وتطرقت إلى تدريس هذا التخصص في المدارس لطلاب الصفين الحادي عشر، والثاني عشر، وأبدت سعادتها بنشر هذا العلم كمنهج دراسي للطلاب الذين سيرسمون مستقبل كردستان.
فيما ترى زيلان ماجد أن علم المرأة يعد اللبنة الأساسية في حرية المرأة، وتمنت في الختام: “إنشاء مشاريع متعلقة بالمرأة وتقديم دورات تدريبية في علم المرأة في المجالات كافة”.
وبذلك ترسم خريجات روج آفا معالم الهوية والوجود؛ متسلحات بالمعرفة والعلم، واضعات نصب أعينهن مستقبل إقليم شمال وشرق سوريا، الذي تصنعه أنامل أبنائه.