سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

خالد جبر: وجوب الإجماع الدولي للقضاء على فكر داعش المتطرف

حمزة حرب_

في النصف الأول من عام 2024، شهدت سوريا هجمات دموية نفذتها خلايا مرتزقة داعش، وبعد أن انخفض معدل هجمات داعش في 2022 إلى 152 هجوماً، عادت الهجمات للارتفاع في 2023 لتسجل 224 هجوماً، وذلك وفق تقرير صادر عن معهد الاقتصاد والسلام الدولي، والنسخة الحادية عشرة من مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024، الذي عدَّ سوريا من أكثر الدول تضرراً من هجمات داعش، هذا ما يفتح الباب أمام تأكيداتٍ دامغة، بأن هناك من يسعى لإعادة إحياء داعش وبث الروح فيهم من جديد، ودولة الاحتلال التركي هي من أبرز المستفيدين من هذا السيناريو.
منذ القضاء على آخر رقعة جغرافية لمرتزقة داعش في إقليم شمال وشرق سوريا عام 2019، لم تتوقف مساعي قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي، في مكافحة خلايا مرتزقة داعش، وكذلك تسعى الإدارة الذاتية الديمقراطية جاهدة لدفع المجتمع والقوى الدولية لتناول ملف داعش كاملاً والسعي لحله، عبر دعم إقامة محاكمة دولية لهم، أو ترحيلهم لبلدانهم الأصلية، وخاصة عوائلهم من مخيم الهول.
العديد من الدول لا تريد استعادة مواطنيها، ما يشكل تحديات كبيرة تثقل كاهل الإدارة الذاتية من جوانب عدة، ومن المعروف أن هناك مرتزقة لأكثر من 50 دولة داخل مخيمي الهول وروج، ومن جنسيات مختلفة، وعدد الأطفال كبير جداً، هناك مشكلة في إثبات وثائقهم، وهذه كلها عوائق للإدارة الذاتية. هذا الملف يحتاج للحل النهائي، لأن بقاء هذه الحالة دون حلول يزيد خطر داعش، لذلك لا يمكننا الحديث عن إنهاء داعش بشكل كامل جغرافياً وفكرياً، ما لم يتم محاكمة هؤلاء الأشخاص أمام محكمة دولية عادلة.
المخيمات بؤرة للتطرف والإرهاب 
وبهذا الخصوص، قال الحقوقي والمختص في القانون الدولي، خالد جبر، لصحيفتنا، “إنهاء خطر داعش يحتاج إلى برنامج جدي من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والتحالف الدولي، على أن يكون البرنامج واضحاً في وضع آلية لمكافحة خطر فكره المتطرف المتمثل خاصة في بقاء الأطفال داخل مخيم الهول؛ لأنه سيكون بؤرة لنشر التطرف، والفكر الإرهابي، وزرعه في أدمغة هؤلاء الأطفال، كما أنه يستوجب إقامة محكمة دولية لمحاكمة المتواجدين في سجون مناطق الإدارة الذاتية، فإن لم يكن هناك برنامج واضح لإنهاء هذه المشكلة، ستبقى تركيا تستخدم ورقة داعش لتمرير مشاريعها وتحقيق مصالحها”.
وأشار: “هناك استياء كبير من أهالي إقليم شمال وشرق سوريا، لاسيما العوائل التي فقدت أبناءها، وذلك بخصوص تسليم المرتزقة الأجانب، وعودة تلك العوائل إلى بلدانها، وهؤلاء العوائل تطالب بمحاكمة كل من تلطخت أيديهم بدماء أبناء المنطقة، قبل تسليمهم أو عودتهم إلى بلدانهم، من أجل ذلك تبحث الإدارة الذاتية عن حل لهذه القضية مع المجتمع الدولي، الذي يبدو وكأنه غير مهتم بهذه القضية بالشكل المطلوب، لذا حتى الآن لم يتم إحداث خرقٍ جوهري في هذا الملف”.
وتابع: “المماطلة الدولية وعدم قيامها بمسؤولياتها، منحت خلايا مرتزقة داعش حرية البحث عن بيئة آمنة خصوصاً في المناطق المحتلة من تركيا، والتي يتم التخطيط والتوجيه منها في سياق مساعي إحيائه، وهذا ما بدا جلياً على الأرض من خلال تكثيف مرتزقة داعش هجماته على المنطقة، والعالم أيضاً، وما تابعناه في ألمانيا هو خير دليل على قدرة داعش للتخطيط وتنفيذ هجمات جديدة، مستغلاً حالة الفوضى الإقليمية والدولية، ومن الآن فصاعداً على المجتمع الدولي اتخاذ الإجراءات الفورية واللازمة والسعي الجاد لإنهاء هذا الملف”.
أداة تركية لتحقيق مصالحها
منذ 2019 وإلى يومنا الحاضر، لم ترتقِ الجهود الدولية المعلنة في السعي لحل معضلة داعش بشكلٍ حقيقي للمستوى المطلوب، ولولا يقظة قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي، وقيامها بعمليات يومية ضد تلك الخلايا؛ لواجهت المنطقة كابوسا حقيقا خطرا، وعلى الرغم من ذلك؛ فإن خطورته لا تزال قائمة، فالمعركة ضد داعش هي معركة الجميع، وليست معركة “قسد” وحدها، وما هو ملاحظ بشكل مستمر أن هجمات داعش في تصاعد، وهي منوعة بين الهجمات المحلية في سوريا والعراق والهجمات الدولية.
وأوضح جبر: إن “خطر داعش يكمن في الفكر الإرهابي الذي يحمله، والمبني على القتل والتدمير والإرهاب، ولهذا تستثمره العديد من الدول الإقليمية، وتستخدمه لتحقيق مآرب وغايات للسيطرة على المنطقة واحتلالها، وخاصة دولة الاحتلال التركي، التي تستثمر تلك المجموعات منذ بداية الأزمة السورية، لتمرير مشاريعها التوسعية في المنطقة”.
مرتزقة داعش تحاول استغلال الظروف السياسية، والتطورات العسكرية في المنطقة والعالم، لإعادة ترتيب صفوفه، فالحرب الروسية الأوكرانية، والحرب بين إسرائيل وحماس، وكل ما يشهده العالم يفيد بعض القوى من وجود داعش لتنفيذ أجنداتها وتحقيق أكبر قدر من مصالحها. لذا؛ فإنه من الأهمية بمكان أن تقوم القوى الدولية بدور أكبر في القضاء على داعش فكرياً أيضاً، وتتحمل كامل المسؤولية في إنهاء أشكال الإرهاب من المنطقة، بعيداً عن أي أهداف سياسية؛ فإذا لم تتم مواجهته بجدية سيشكل خطراً للعالم أجمع.
وأضاف جبر: إن “علاقات تركيا واضحة وجلية مع داعش والمجموعات المرتزقة، وهناك وثائق تثبت ذلك، وهي من أول الدول، التي فتحت لتلك المجموعات معسكرات للتدريب داخل تركيا، وعملت على أن تكون بلد استقطاب وعبور للمجموعات الإرهابية، التي دخلت سوريا والعراق، وحتى الآن المطارات التركية وحركة التنقل مفتوحة دائماً أمام متزعمي تلك المجموعات وعناصرها. وبناءً عليه، فإن تجفيف منابع التمويل باتت ضرورة ملحة، سيما بعد أن حولت دولة الاحتلال التركي خلايا مرتزقة داعش، بنادق مأجورة في حروبها الخارجية حيث لا تزال خلايا المرتزقة، تتلقى الدعم المالي والعسكري واللوجستي من دولة الاحتلال التركي، ومن هنا لا بد أن يكون الموقف الدولي صارماً حيال ما تقوم به تركيا، ومعاقبتها والضغط عليها للحيلولة دون دعمها لداعش والبقية الباقية من المجاميع المرتزقة”.
وتابع جبر: “في مدينة كوباني حاولت تركيا بشتى الوسائل الممكنة، أن يسيطر عليها داعش، من خلال دعمها اللامحدود له، وجميعنا شاهدنا ما قاله رأس النظام التركي أردوغان، ما هي إلا أيام قليلة وستسقط كوباني، ولكن الإرادة والمقاومة البطولية استطاعت تحقيق النصر على الإرهاب وداعميه”.
ويرى مراقبون أنه لا بد من استراتيجية فعالة للقضاء على خطر مرتزقة داعش، وخاصة تجاه تركيا، حيث أن أراضيها باتت بؤرة لاستقدام المرتزقة، وكذلك هناك من ترسلهم إلى إفريقيا وباشور كردستان، والهدف من ذلك كله خلق البلبلة في تلك المناطق وتثبيت احتلالها.
وجوب تشكيل تحالف جديد 
شعوب شمال وشرق سوريا خاضت نضالاً كبيراً، من أجل إنهاء التهديد الذي يشكله داعش على العالم أجمع، وانتهى وجوده في المنطقة جغرافيا عام 2019، لكن لا يزال وجوده مستمراً من الناحية الفكرية والذهنية، لذا يشير محللون ومتابعون للشأن الميداني أن قوات سوريا الديمقراطية، تقوم بكل ما بوسعها في الحرب ضد مرتزقة داعش، لكن هناك مسؤوليات تقع على عاتق المجتمع الدولي وعليه القيام بتلك المسؤوليات كاملةً.
فلول وخلايا داعش النائمة، والفكر الذي يسعى التنظيم الإرهابي ومشغليه على الأرض، إعادة نشره وإحيائه، هما من أبرز التحديات التي تواجه المنطقة، مع وجود الآلاف من عوائل مرتزقة داعش داخل مخيمي الهول وروج، ووجود الآلاف من مرتزقة داعش داخل السجون، وهذا بحد ذاته يحتاج لاستراتيجية واضحة المعالم للقضاء النهائي على خطر داعش.
فالمرتزقة داخل السجون هم المرتزقة الأكثر تطرفاً وخطورة، ومخيم الهول من أخطر المخيمات في العالم، ويعدُّ قنبلة موقوتة، حيث يواصل المتواجدون داخل هذا المخيم تنظيم أنفسهم ونشر أيديولوجيا وفكر داعش المتطرف، وخاصة في أدمغة الأطفال.
لقد ترك الجميع الإدارة الذاتية منفردة في ميدان التصدي لهذه الأنشطة الخبيثة المدعومة من دول إقليمية على رأسها الاحتلال التركي، والإدارة تتحمل أعباء كبيرة في فرض سيطرتها الكاملة على المخيم، ومراكز الاحتجاز الأخرى، لضمان أمن المنطقة، علماً أن هذه المسؤولية لا تقع على عاتقها فحسب، إنما هي مسؤولية المجتمع الدولي بالدرجة الأولى، لكن المجتمع الدولي منذ القضاء على داعش جغرافياً، يتقاعس عن القيام بدوره المنوط به، لذا يشدد خبراء على ضرورة تقييم قضية داعش والنظر لها على أنها قضية إرهاب دولية، تستوجب وضع آليات مناسبة لحلها جذرياً.
وبين: “منذ القضاء على داعش في مدينة المقاومة كوباني، ولغاية عام 2019، عند القضاء عليه في الباغوز، نجح العالم في التكاتف للقضاء على داعش جغرافياً، لكن بعد ذلك التاريخ المجتمع الدولي لم يعد يعير أي اهتمام لخطره، فيما بقيت تركيا تسعى لإعادة إحيائه ولملمة شتاته، لبث الروح فيه من جديد مستغلة التراخي الدولي تجاه هذا الملف”.
واختتم الحقوقي، خالد جبر: “من واجب المجتمع الدولي تشكيل تحالف دولي، بالطريقة نفسها، التي شكلوا فيها تحالفاً دولياً سابقاً لمحاربة مرتزقة داعش، بإنهائه جغرافياً، فعليهم اليوم التقرب بمسؤولية حيال القضاء على فكر داعش الإرهابي، كما يجب إعادة الحقوق لآلاف الأشخاص، الذين تضرروا من هجمات داعش، ولذلك تطالب شعوب إقليم شمال وشرق سوريا، بحقوقهم الكاملة في محاكمة هؤلاء، وتعويضهم عن الأضرار البالغة، التي لحقت بهم، وهذه جميعها مشاكل تحتاج لتكاتف دولي وتنسيق منظم، من الجوانب كافة لإنهاء خطر داعش على المنطقة والعالم”.