الاتفاق الكُردي-الكُردي لم يُفاجئ من كان له موقفٌ كُردي ووطني سوري جاد ومتوازن من مجمل سبل حل الحرب الأهلية السورية عموماً وحل القضية الكُردية خصوصاً. فالاتفاق الكُردي لم يكن حدثاً طارئاً أو تغييراً نوعيّاً طرأ من دون مقدمات، مما يتوجب علينا عدم فهم هذا التقارب والتفاهم الجاد والهادف على أنه جاء على حين غرة دون أن يكون لذلك تحضيرٌ مسبق وتفاهماتٍ متكاملة أدت بالنتيجة إلى هذا الاتفاق.
لكي نفهم “الاتفاق الكُردي الجديد”، وسببُ وصفي للاتفاق “بالجديد” ناجمٌ عن أمر آخر، وهو أنه تم الإعلان عنه أمام الرأي العام المحلي والإقليمي، كما وشارك في التحضير والتمهيد له دولة كبرى وهي الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت وما تزال تمثل إحدى أهم القوى الفاعلة على الأرض السورية ككل والكُردية منها على وجه الخصوص.
بطبيعة الحال هذا لا يعني أنه لم يكن هناك خلافٌ سياسي في الأصل، فالخلاف كان قائماً، وكانت له أبعاده وتداعياته. إلا أن طبيعة هذا الخلاف دفعتني لإثارة هذه التساؤلات ومن ثم القول: أن الخلاف الكُردي-الكُردي في سوريا خلال سنوات الحرب السورية لم يكن خلافاً حقيقياً مقارنة بالخلافات الأخرى في المحيط والوسط السوري.
فبالرغم من أن الخلاف لم يكن مستقلاً وقائماً بحد ذاته بين قوى كُردية سورية سياسية نَشِطت خلال سنوات الحرب السورية – فكلا طرفي النزاع كان مرتبطاً بمحور كُردي إقليمي، قنديل من جهة وأربيل من جهة أخرى ثانية -؛ إلا أنه ظل خلافاً ونزاعاً ودوداً إلى حد كبير، وخصوصاً إذا ما قارناه بالخلافات والنزاعات التي شهدتها المعارضة العربية السورية خلال سنوات الحرب الأهلية السورية، حيث شاهدنا سقوطاً لهياكل وشخصيات الائتلاف شيئاً فشيئاً وما نزال، في حين كان على الائتلاف أن يكون ممثلاً للشعب السوري، وأكثر جاهزية الآن للمستقبل (مستقبل سوريا) أكثر من أي وقت مضى.
فمثلاً لم تشهد مرحلة الخلاف الكُردي- الكُردي أية إشارات أو بوادر من أي طرف لفض الخلاف والنزاع بطريقة عسكرية، حيث يمكننا بالكاد القول إن الخلاف ظل سلمياً وأسير الواقع (واقع الحرب الأهلية السورية ككل، والتدخلات الأجنبية، والظهور الأقوى والأوسع للإرهاب في عموم المنطقة والعالم) مع التطلع إلى حله بطرق سياسية بعيدة قدر الإمكان عن حسمه عسكرياً. هذا ولا اعتبر بعض الصدامات (اعتقال بعض أفراد الأحزاب، أو التضييق على عمل بعض المؤسسات الإعلامية أو منع البعض الآخر من دخول مناطق معينة) التي حدثت بين القوى الكُردية نزاعاً مسلحاً أو بوادر لحلول عسكرية انطلاقاً من مبدأ المقارنة الذي تحدثنا عنه أعلاه، ثم وبالنظر إلى أن الخلاف في زمن الحرب وليس في زمن السلم، وهذا ما يجب علينا فهمه جيداً.
وبالمجمل يمكننا القول أن الاتفاق الكُردي بحلته الجديدة، ومجلس سوريا الديمقراطية والهياكل السياسية والعسكرية في مناطق تحالف النفوذ الكُردي مع القوى الفاعلة المحلية (المكون العربي والسرياني على سبيل المثال) والتضامن الدولي – وخصوصاً بعد أن كشفت تركيا عن كل أوراقها وقامت بالحل العسكري ضد أي مشروع يهدف لتأسيس إدارة ذاتية أو فيدرالية، حيث وصل بها الأمر أن وظفت مرتزقة سوريين واحتلت أراضي, وتسببت بأزمة إنسانية لأجل هذا الغرض–بوادر تشير في مجملها إلى أن الكُرد وحلفاءهم من السوريين قد باتوا الآن أكثر استعداداً للمستقبل (لمستقبل سوريا)، في الوقت الذي نجد فيه المعارضة السورية السياسية في أسوأ حالاتها وأكثرها بعثاً على خيبة أمل السوريين؛ ونجد أفراد فصائل المعارضة المسلحة قد تحولوا إلى مجرد مرتزقة وقتلى مأجورين ولصوص ليس في سوريا فحسب، وإنما في ليبيا أيضاً. فكيف لمرتزق في ليبيا وسياسي في إسطنبول أن يبنوا وطناً للجميع في سوريا!