قبل كم يوم ونحن نتابع منصات ومدونات التواصل الاجتماعي وهي متخمة بالتباكي على ما حدث جراء اشتباكات اندلعت بين فصيلين من المرتزقة في عفرين (الغوطة والحمزات)، وتحولت هذه الاشتباكات عند بعض من الشباب الكرد إلى حالة من هستيريا الكتابة وجنون الاتهامات، على أن الشرف الكردي قد تم انتهاكه لما تم من تحرير بعض الفتيات من سجون هؤلاء المرتزقة وهنَّ بحالة غير لائقة. وحتى أنه ثمة البعض ينشر صوراً لحال تلك الفتيات ليزيد من الانتقام لدى الإنسان ليترك كل ما بيده ويهب لنصرة مدينته المحتلة من قبل الاحتلال التركي ومرتزقته.
ربما نَصفُ الحالة هذه برد الفعل تجاه جرائم المرتزقة المدعومين من تركيا، وأن ردة الفعل هذه ربما تكون السبب والدافع في كتابة البعض الكثير من المنشورات على صفحاتهم الزرقاء وهم يعلنون الثورة لتحرير ما تبقى من الشرف. وبنفس الوقت الكل يعلم أن الشباب الكرد في روج آفا لم يبخلوا يوماً في الزود والدفاع عن أية مدينة منذ العقد تقريباً. ومزارات الشهداء متخمة في كل مدينة وهي شاهدة على أن الثورة ما زالت مستمرة وأنه سيتم تحرير كافة المدن المحتلة إن كانت عفرين أو سري كانيه وكري سبي وغيرها من المدن.
الثورة لم تزل مستمرة ولم يقل أحد حتى الآن أن الثورة قد انتهت وكل شيء تمام وعلى الكل أن يعود للحياة الطبيعية، بل على العكس من ذلك تماماً نرى أن القوات العسكرية تتخذ تدابيرها بشكل مستمر من كافة النواحي وكذلك القوات الرديفة لها من الشعب.
الكل يعلم أن الثورة إن لم تتحول إلى ثورة شعبية يشارك فيها كل أفراد الشعب وكل حسب إمكانياته، لا يمكن لهذه الثورة أن تحقق أهدافها في الزمن المأمول. وأن الاعتماد على القوات العسكرية فقط للقيام بهذه المهمة ربما يعتبر من الأعمال التي تؤخر النصر والنجاح في أي هدف يتم تحديده.
الكل تأثر بالفتيات الكرديات المعتقلات وهنَّ بتلك الحالة المزرية. وأعتقد أن أي إنسان يمتلك ولو القليل من الكرامة قد تأثر بما سمع، ولكن تبقى المشكلة في أن نختزل كل قضايانا في هذه النقطة بالذات وكأن الشرف فقط هو المرأة، مع أن الشرف والكرامة هو أوسع وأكبر بكثير من هذا الأمر.
نعم، بكل تأكيد أن الكردي عديم الشرف إن كانت فتياته عرضة للاغتصاب والقتل والسحل والبيع والشراء، وهذا ما رأيناه في شنكال وما حدث هناك وغيرها من المناطق التي تم احتلالها من قبل الأتراك ومرتزقتهم. لكن بكل تأكيد أيضاً الكردي عديم الشرف حينما يتم حرق محاصيله الزراعية أمام أعينه ولا يهب لإخماد الحريق المفتعل من قِبل نفس المرتزقة والمحتل التركي، وكذلك الكردي عديم الشرف إن هو ترك أخيه يحارب ويصارع المرتزقة وهو جالس في بيته أينما كان ويقول “مالي علاقة وفخار يكسر بعضه”، وكذلك عديم الشرف حينما يسرق قوت أخيه ويتاجر ويصبح غنياً على حساب شعبه، وعديم الشرف حينما يقولون ما لا يفعلون.
بكل تأكيد أن من يكون مقياس عمله وحياته أمثال بارين كوباني وأفيستا خابور وفيان وصادق وغيرهم الآلاف من الشهداء، لن ينسى ولن يهدأ له بال حتى يتم تحرير كل المدن المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتهم. لكن متى؟ وكيف؟ هذا ما سيحدده القائمون على هذا العمل لأنهم أدرى بما يخططون له. وكذلك مرتبط بالتوازنات الإقليمية والدولية التي باتت روج آفا جزءاً مهماً منه. وأن هذه الحرب مستمرة بكل تفاصيلها النفسية والميدانية وأن قوات تحرير عفرين مجرد بقاءها ضمن عفرين وقيامها بشكل يومي بعمليات لهو الرد المناسب لكل من يستهين أو يقلل من هذه المقاومة.
ليهدأ قليلاً أصحاب الصفحات الزرقاء وليخرجوا من حالة أنصاف الذكورية التي يعيشونها وهم يكتبون ما يريدون على صفحاتهم. وإن هم لا يستطيعون أن يذهبوا لتحرير عفرين والأخذ بثأر وشرف تلك الفتيات، على الأقل يمكنهم التوجه نحو الأراضي الزراعية وليحموا محاصيل الشعب الكردي والمساعدة في إخماد الحرائق المفتعلة وهو أضعف الإيمان على الأقل. وعلى ما أعتقد أن هذا العمل لهو شرف كبير وعظيم على أن يبقوا أمام شاشة هواتفهم وأجهزتهم يبحثون عن عيب هنا أو هناك ويقومون بالتنظير عن الشرف والكرامة.