أشاد رئيس حكومة باشور كردستان نيجرفان البرزاني بنظام التعليم في تركيا أثناء افتتاح مدرسة “وقف المعارف” في هولير. وعلى العكس من تصريحات البرزاني، وبالنظر إلى السجلات والبيانات الرسمية لنظام التعليم في تركيا، يتبين وجود مشاكل جادة في هذا المضمار، هذا عدا تميزه بالعنصرية القومية وإنكار هويات الشعوب كالشعب الكردي نموذجاً.
افتتحت “وقف المعارف” – وهي مؤسسة دينية تركية دولية – مدرسة في مدينة هولير، وبدأت نشاطها بانضمام 570 طالباً إليها، وشارك في مراسم افتتاح المدرسة كل من رئيس حكومة باشور كردستان نيجرفان البرزاني، والبرلماني عن حزب العدالة والتنمية مهدي أكير، والناطق باسم حكومة باشور كردستان سفين ديزي ومحافظ هولير نوزاد هادي والسفير التركي في هولير هاكان كاراجاي وعدد من أعضاء إدارة وقف المعارف. ودائماً ما يصرّح مسؤولو حكومة باشور كردستان بخصوص رسم علاقات جيدة مع تركيا، رغم الاحتلال التركي لأراض باشور كردستان وإصراره في تدخل الاحتلال لمزيد من الأراضي هناك، وهي تحاول منذ سنوات عدة في هذا الاتجاه. وآخر هذه التصريحات كانت لرئيس الحكومة في باشور عندما قال في افتتاح مدرسة وقف المعارف: “نريد أن نطور علاقتنا مع تركيا في ميدان التعليم وجميع الميادين الأخرى، وسنعطي هذه الخطوات جميع أشكال الدعم، وفي التوقيت والمكان نفسه”، قال الناطق باسم الحكومة سفين ديزي “نريد أن نستفيد من تجارب تركيا في ميادين التعليم والثقافة، لأن تركيا بلد متطور من هذه الناحية وهذا ما أثار جدلاً كبير. ولكن هذا النظام التعليمي الذي يُشيد به كل من البرزاني وديزي، هل هو جيد في الحقيقة؟”. هذا الملف ادناه سيوضح حقيقة النظام التعليمي في تركيا والذي يرجع عمره لما يقارب المئة سنة، وفيه يسلط الضوء على مؤسسة “وقف المعارف” ومدارسها المنتشرة حول العالم، متى وكيف تأسست، وما الذي يتم تدريسه فيها؟!.
ما هي وقف المعارف؟!
وقف المعارف” هي كلمات عربية بالأصل وتعني “نظام التعليم”. تأسست في 16 حزيران 2016 في تركيا، وهي مؤسسة تملك المبادرة في افتتاح المدارس بأي مكان من تركيا أو العالم دون الرجوع للحكومة، وقد لا تكون هذه المدرسة تابعة لسلطات حزب العدالة والتنمية التركية، لكنها تنتهج النهج ذاته، وتركز في نشاطاتها وافتتاح مدارسها على دول العالم الثالث المتأخرة نوعاً ما عن ركب التعليم العالمي. لقد كان حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد عملوا إلى جانب الشخصية الدينية التركية فتح الله غولن على افتتاح العديد من المدارس حول العالم، وذلك قبل محاولة الانقلاب التي جرت في 15 تموز 2015، وظلت هذه المدارس لفترة طويلة محل جدل ونقاش حول أنها تدرس الطرائق والمذاهب الدينية أكثر مما تدرس العلم والمعرفة. ويقال أيضاً، بأن وقف المعارف تعمل بالشكل نفسه على افتتاح المدارس بتعليمات من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ محاولة الانقلاب، تركز هذه المدارس على المنهاج نفسه أينما كان ويدرس فيها المئات من الطلبة، على الدروس الدينية وطرقها وكذلك الجماعة، بالإضافة إلى الدروس حول القومية التركية وتاريخ العثمانيين الذين عاثوا في المنطقة فساداً طوال أربعة قرون.
نظام اللغة الواحدة في تركيا
يواجه نظام التعليم في تركيا مشاكل عديدة للإثنيات واللغات والشعوب والمكونات الأخرى، حيث تتبع تركيا ذهنية “اللغة الواحدة، والدولة الواحدة، والقومية الواحدة، والوطن الواحد”، ولا تعترف بأي لغة أخرى، سوى اللغة التركية المهجنة، وفي تركيا يمنع التعليم باللغة الأم للشعوب والإثنيات والقوميات الأخرى ولا بأي شكل من الأشكال، ناهيك عن عدم سماح الدولة التركية لما يقارب الـ 25 مليون كردي من تلقي تعليمهم بلغتهم الكردية وهو شعب قائم بحد ذاته. وليس الكرد فقط، بل هناك السريان والأرمن والكلدان وعدد من الشعوب الأخرى لا يستطيعون تلقي تعليمهم بلغتهم الأم، فاللغة الوحيدة الرسمية في تركيا هي التركية، والتعليم يكون باللغة التركية فقط ولا يمكن التحدث عن اللغات الأخرى الموجودة هناك.
إغلاق مؤسسات التعلم باللغة الكردية
افتتح الكرد بأنفسهم عدداً من المدارس والمؤسسات التعليمة بعد أن دفعوا أغلى ما يملكون، لتأتي الدولة التركية فيما بعد لتُغلق قسماً منها، وتستولي على القسم الآخر لنفسها، ووصل ضغط حزب العدالة والتنمية هذا منذ 2015 إلى مستوى آخر، ليستولي على أكثر من 100 بلدية من الكرد. وقبل ذلك، كان قد استولى على المئات من المنازل التي كان يتم تدريس اللغة الكردية فيها، وتم إغلاق مؤسسة (كرد دير)، إلى جانب المؤسسات التعليمية، إلى جانب إغلاق تلك المؤسسات.
أغلقت رياض الأطفال التي كان يُطلق عليها “خال خالوك” والتي كانت تتبع لبلدية مدينة آمد، واستُبدلت بنظام تعليم يتخذ من اللغة الواحدة أساساً له ودرست فيها اللغة التركية، فمثلاً، قاموا بإغلاق مؤسسة التعليم الكردية في وان، واستبدلوها بمؤسسة لتعليم القرآن، وفي بعض الأماكن بمؤسسات لتعليم اللغة والدين، وتهدف كل هذه الخطوات إلى صهر اللغات والثقافات كافة في تركيا ضمن بوتقة واحدة لتنحل في المجتمع التركي وتنسى لغتها وثقافتها وتاريخها.
هذا هو النظام التعليمي التركي الذي يشيد به البرزاني وديزي، هو في الحقيقة نظام ينكر الشعب الكردي والشعوب الأخرى في تركيا، ويعمل على إثبات عدم وجود هذه الشعوب، وممارسة سياسية الصهر بحقها، واتخاذ باشور كردستان -التي تبني تعليمها على اللهجة الصورانية الكردية – من هكذا نظام تعليمي عنصري يتخذ من الدين وطرقه أساساً، يشكل خطراً جديداً وكبيراً على الثقافة واللغة الكردية، هذه هي حقيقة الأهداف التركية من افتتاح تلك المدارس في آسيا وأفريقيا.
دروس دينية لطلاب المرحلة الابتدائية
رغم رفض أغلب الشعب للنظام التعليمي الموجه للأطفال، إلا أن سلطات حزب العدالة والتنمية أقرت سنة 2013 نظام التعليم 4+4+4 ووضع الأطفال ضمن نظام لم يفهموه أبداً ولن يفهموه قط، ولا تزال الاعتراضات ضد هذا النظام قائمة رغم مرور عدة سنوات على تطبيقه، وبدلاً من أن يتلقى الأطفال دروساً عن العلم والتكنولوجيا واللغات الأجنبية لتطوير فكرهم، يُجبر الأطفال على تلقي دروساً عن الثقافة الدينية والأخلاق وغيرها الكثير من الدروس التي ليست لها أية فائدة في الحياة.
وعلى إثر قرار وزارة التعليم وفرض من رئيس الجمهورية أردوغان، يضطر الطلبة للتوجه من المدارس الثانوية بشكل إجباري إلى مدارس الأئمة الذين هم من يختارونهم، وتصل نسبة الطلبة في المدارس الثانوية في الأناضول إلى 95% وفي المدارس المهنية إلى 55.5% ومدارس الأئمة تصل إلى 52.3 بالمئة. وفي مدارس الأئمة يتلقى الطلاب دروساً عن الدين كذلك، بدلاً عن الدروس العلمية والثقافية، حيث لا ترغب الكثير من الأسر إرسال أبنائها إلى هذه المدارس، لكن سلطات العدالة والتنمية تدير وجوه الطلبة إلى هذه المدارس بحجة عدم وجود مدارس كافية لتحقيق المراد من هذه المدارس.
تركيا في المستويات الأخيرة من حيث الجامعات عالمياً
خلال سنة 2018 حصلت أربع جامعات تركية فقط على مكان من بين 500 أكبر جامعة في العالم، ومنذ سنة 2002 بعد قدوم حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، بدأ النظام التعليمي في تركيا يتراجع يوماً بعد يوم، حيث نشرت مؤسسة “تايمس هيغر إيديكشون” تقيمها لأفضل الجامعات في العالم لسنة 2018، وجاءت من بين 1000 جامعة جامعة أوكسفورد في المرتبة الأولى، ومن ثم جامعة كامبريدج الإنكليزية. ومن بين أول 300 جامعة، لم تأتي أي جامعة تركية، وفي المرتبة ما بين 301-350 اتخذت جامعة كوج التركية مكاناً لها، وفي الدرجة 351-400 حصلت جامعة صابنجي على مكان لها أيضاً، وفي المرتبة 401-500 حصلت جامعتي بيلكنت وبو غازجي على مقعد بين الخمسمائة جامعة وهذا قليل جداً بالنسبة لدولة مثل تركيا، وذلك يعود للسياسة الخاطئة التي تمارسها الحكومة التركية على مستوى التعليم.
تركيا في المرتبة 50 من حيث القراءة والكتابة
وتشير أبحاث أمريكية إلى أن تركيا تتواجد في المرتبة 50 من حيث القراءة والكتابة، وبحسب الأبحاث نفسها، فإن أفضل دولة من هذه الناحية هي فنلندا التي جاءت في الدرجة الأولى، وفي تركيا من بين كل 100 شاب عمرهم بين 15-24 لا يعرف عشرون القراءة والكتابة، ومن بين 221 ألف شاب وشابة لا يعرفون القراءة والكتابة، 95 ألف بين رجل وامرأة. تملك تركيا المراتب الأخيرة من حيث نوعية التعليم، بحسب الأبحاث التي أجريت حول نوعية التعليم حول العالم، وبحسب تقرير يعود للمنتدى الاقتصادي العالمي تحت اسم “نوعية التعليم في 2018” حصلت تركيا على المرتبة 99 من بين 137 دولة، وجاءت اليمن في المرتبة الأخيرة، وتقدمت كل من قطر وماليزيا وإندونيسيا وإيران وباكستان على تركيا التي تدّعي التقدم في مجال العلم والتعليم.
مليون معلم في انتظار التعيين!!
يتخرج سنوياً الآلاف من المعلمون من الجامعات التركية، ولا يتم تعيينهم، وينتظر الآن أكثر من مليون معلم تعيينهم من قِبل الدولة التركية، وكما توضح السجلات والبيانات الرسمية، فإن نظام التعليم في تركيا والتي يُشيد به كل من البرزاني وديزي ليس جيد بالنظر إلى الكثير من السلبيات الموجودة فيه، ومع ذلك يُشيد به المسؤولون في باشور كردستان.