نبتعد قليلاً عن الأحداث الساخنة الجارية في منطقتنا المُلتهبة؛ ونكتب عن المرأة وحريتها؛ عند اثنين من المفكرين؛ تباعد بينهما الزمن؛ وتقارب بينهما الفكر؛ فما بين ميلاد الرجلين خمسة وثمانين عاماً؛ واهتمام بحرية المرأة؛ لأن حريتها تعني حرية أي مجتمع.
إن قضية حرية المرأة من القضايا التي لا يُمكِن تجاهلها؛ خاصةً أنها من ضمن مقررات المجلس الدولي لحقوق الإنسان؛ ورأينا الكتابة عن هذين المفكرين اللذين كان لهما دور فاعل في؛ تحرير المرأة العربية المسلمة بصورة عامة؛ والمرأة الكردية بصفة خاصة..
المرأة والحرية عند قاسم أمين
قاسم أمين ابن الحركة التنويرية في مصر؛ التي بدأت مع رفاعة الطهطاوي؛ وأثمرت مع رجال أسهموا في تنوير باقي الدول العربية، فكان قاسم أمين من الصفوة المصرية المستنيرة؛ ولأن قاسم أمين كردي الأصل وعندما كتب عن حرية المرأة كان يتحدث عن المرأة العربية والكردية.
وقد ساعدته امرأتان كانت لهما دوراً بارزاً في المجتمع المصري، الأولى فاطمة إسماعيل ابنة الخديوي إسماعيل؛ التي تبرعت بأرضها التي أُقيمت عليها كليات جامعة القاهرة؛ أما المرأة الأخرى فهي سيزا نبراوي؛ اللتان استفادتا من فكره التنويري فكان للنساء دور رائع في الثورة الشعبية الكبرى عام 1919 وأسهم في خلع اليشمك أو الحجاب العثماني، وحرقه في ميدان التحرير، تعبيراً ملموساً عن الحرية الجديدة، ربما كان الأصل الكردي لقاسم أمين له دور في صياغة كتابيه المشهورين؛ “تحرير المرأة والمرأة الجديدة” وجاء كتابه ومقالاته للمسلمين بصفة عامة ونظرته البعيدة على نساء ورجال الكرد في مصر وغير مصر.
خصص قاسم أمين فصلاً من كتابه “تحرير المرأة” للحديث عن المرأة الحرة، وفيه تناول تربية المرأة منذ النشأة الأولى؛ حيث يقول “المرأة وما أدراك ما المرأة! إنسان مثل الرجل، لا تختلف عنه في الأعضاء
ووظائفها، ولا في الإحساس، ولا في الفكر، ولا في كل ما تقتضيه حقيقة الإنسان من حيث هو إنسان، اللهم إلَّا بقدر ما يستدعيه اختلافهما في الصنف، فإذا فاق الرجل المرأة في القوَّة البدنيَّة والعقليَّة فذلك إنما؛ لأنه اشتغل بالعمل والفكر أجيالًا طويلة، كانت المرأة فيها محرومة من استعمال القوَّتين المذكورتين، ومقهورة على لزوم حالة من الانحطاط تختلف في الشدَّة والضعف على حسب الأوقات والأماكن”.
وقد تعرّض قاسم أمين لحملة شعواء من شيوخ ورجال دين؛ مستمرة حتى اليوم؛ متهمين إياه بأنه السبب في اهتزاز المجتمعات؛ رغم أن المرأة قد حصلت على حقوق؛ لم تكن تحلم بها؛ ولكن حراس أبواب السماء يحاولون جاهدين العودة بالزمن للوراء؛ مثلما انتشر الفكر الوهابي التكفيري؛ وربما ليس من الصدف أن ينتصر الكرد على أهم وأخطر تنظيم وهابي إرهابي وهو داعش الذي باع النساء في أسواق النخاسة؛ وهو ما يقودنا للكتابة عن المفكر الثاني، وهو القائد عبد الله أوجلان.
المرأة والحرية في فكر القائد عبد الله أوجلان
توجد مقولة للفيلسوف عبد الله أوجلان تُلخص قضيته وقضية شعبه رغم قصر تلك المقولة “التاريخ مخفي في حاضرنا.. ونحن مخفيون في بداية التاريخ”؛ ويقصد الشعب الكردي، حيث يرى كما أفهم أن الكرد يعيشون تاريخهم الحي الثوري النبيل؛ وفي المقابل؛ فإن الكرد يختفون في بداية التاريخ المكتوب ويعيشون على ميراث كردي فكري ديني حضاري؛ لأن الكرد أسهوا في تاريخ الحضارة الإنسانية منذ فجر التاريخ حتى اليوم.
ورؤية الفيلسوف عبد الله أوجلان للمرأة على أنها أصل وأنبل الشعوب؛ وهي نبراس أي حضارة؛ ودور المرأة في العمل العام، يعادل دورها المنزلي؛ ورؤيته موجودة في كتبه ومؤلفاته العديدة، حول الحضارة والمرأة والديمقراطية، وكل قضية مرتبطة بغيرها، فالحرية تشمل حرية الإنسان، والديمقراطية تكون للرجال والنساء…
ولعل أصدق ما قيل عن أثر فكر عبد الله أوجلان؛ ما قالته زوزان بكر العضوة الإدارية لمؤتمر ستار في مقاطعة الفرات؛ كما جاء في موقع anfarabic.com، قالت “إن المرأة قد أثبتت نفسها في كافة المجالات، من خلال فكر القائد عبد الله أوجلان، وإن نساء شمال وشرق سوريا خير مثال على ذلك،؛ حيث أدت المرأة دورها على أكمل وجه وأصبحت رائدة، فقد قاومت المرأة أخطر القوى واتخذت مكانتها في المجالات العسكرية والسياسية والدبلوماسية”.
وهذه التربية الفكرية من المفكر عبد الله أوجلان تثبت رؤيته الصائبة؛ وحاول الإعلام التركي تشويه الرجل؛ فادعوا إنه شيوعي ماركسي أو لا ديني.. ولكن؛ الحقيقة تؤكد أن الشعب الكردي رجالاً ونساءً أخذوا بفكره؛ ولم يلتفتوا لأقوال خصوم الكرد.
لذلك؛ نرى الدولة التركية تخاف من النساء؛ لأن النساء قد طورنَ أنفسهن بأفكار القائد عبد الله أوجلان وفلسفته، فإنهم يرغبون في مهاجمة النساء في شخص القائد عبد الله أوجلان، حيث إنها المرة الأولى في التاريخ التي يناضل فيها قائد ما من أجل النساء وينير دربهن، ويعزز من قوتهن ويحولها من مستعبدةٍ إلى رائدة متفوقة.. رحم الله المفكر التنويري الكردي الأصل قاسم أمين؛ وأنعم الله بالحرية على المفكر الفيلسوف القائد عبد الله أوجلان….