سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

حديقة الروح… بين العراقة والإبداع

إعداد/ آرين شنكالي –

ضمن مشاريع دمج بعض القرى والبلدات في إقليم تقع “شتايامارك” النمساوي تقع مدينة (نوي ماركت) على ارتفاع 845 متراً فوق مستوى سطح البحر. والتي تتمتع بتاريخ عريق يمتد إلى أقدم الاكتشافات الأثرية قبل أربعة آلاف عام قبل الميلاد وتمَّ الاستيطان في المنطقة وكذلك تعد من أهم المناطق والطرق الرئيسية التي تربط ما بين إيطاليا والدانوب، وبها كنيسة البلدة التي شُيّدت في القرن الثاني عشر، وتُبيّن أقدم الوثائق حول المدينة والمنطقة ترجع إلى عام 1235 م.
تُعد (نوي ماركت) اليوم نقطة الانطلاقة صوب عوالم الجمال والثقافة والرياضة ومنها المشي للمسافات الطويلة وركوب الدراجات وملاعب كرة القدم وملاعب التنس الأرضي وشتاءً التزحلق على الجليد، ووجود بحيرات للسباحة تقام فيها المهرجانات والمنافسات النمساوية وبهذا تُعد المدينة المركز الاقتصادي للمنطقة.
تمتاز المدينة بطابعها الأقرب إلى مدائن الثقافة العريقة، بمناظرها وهدوئها اللافت وكثرة المرافق السياحية الثقافية البسيطة، ففيها تكثر المقاهي القديمة الجميلة والمطاعم الشعبية والحانات التاريخية التي يفوح منها عبق التاريخ في المدينة وانتشار المحال والورشات التي تعمل في الحرف اليدوية. والعديد من النصب التذكارية والعلامات التاريخية كتمثال الطاعون الذي يرتفع إلى 18 متراً، ويخلد ضحايا الطاعون الذي اجتاح البلاد عام 1717 م. وصُمِم من قِبل (يوسف انيجلو بون) وهو من الرخام، ويرى عدة نماذج منه في مدن نمساوية أخرى.
سحر المدينة وجمالها وما تنفرد به من مناظر وخصوصيات ثقافية جعلها مدينة القراءة التي تخالها خلقت في طبيعتها معها، فلا شيء سوى القراءة والتأمل، وللأجواء الهادئة الصافية في المكان سُمي بـ “حديقة الروح” و هيتمنح الفرصة للتعرف على أعمق الافكار لعالمنا والتعرف عليه عبر الاتصال الحي ما بين الإنسان والطبيعة والكون والإحساس بالوفاء للكتاب من خلال القراءة في أجواء ساحرة.
تحتضن “حديقة الروح” أكثر من 80 لوحة وعمل والتي تعد بدورها النصوص والتأملات من زمن (باراسيلسوس)ــ الطبيب والساحر والمنجم من عصر النهضة ومن مواليد (1493 ــ سويسرا) وهناك تسعة جوانب تحتضنها حديقة الروح وهي: الروحانيات، الفن، التواصل الاجتماعي، الأخلاق، التشكيل، الحداثة، علم البيئة والسياحة، التنمية الإقليمية.
ولإبراز حديقة الروح بالمكانة التي تليق بها تم طبع كتاب حول هذه الحديقة، ونجد من خلاله أن الحديقة تنير أرواح ونفسيات الزوار ومصدر إلهام للذين يزورون المكان. ويوثق تطوير وتنمية الحديقة والعناصر الفنية ويطرح منظوراً جديداً على الروحانيات في الطبيعة، كما تُظهِر ربط الإنسان والطبيعة والكون معاً وهذه النقاط الثلاث تزرع الروح الإيجابية لدى الزوار وتساهم في التطور الإنساني والتنمية. والدراسات الجديدة تتم بإعداد الحدائق بأشكال مختلفة وتتركز على الناس والنباتات والمكان والمداخل الفنية هو الدرب الطبي والعلاج في نفس الوقت والتأثير عليه من خلال الطبيعة.
تُعدُّ حديقة الروح المكان المثالي للاسترخاء واحتضان الأرض التي تبقى الملاذ الآمن للجسد والروح.