No Result
View All Result
المشاهدات 0
أزهر أحمد –
ما زلت أقول إنها لحظة في توقيت السفهاء، وقرون في تاريخ العظماء، نعم لحظة في تاريخ السفهاء وقرون عار في منطق الشرفاء، لحظة سقوطه متعثراً بالأسلاك الشائكة، وهو يحاول تخليص ربطة عنقه من بين أشواك ذاك السلك الغاضب، الثائر على نفاق الساسة في قصور الظالمين، وتقطيع الجسد الواحد ورسامي خطوط الحدود، والخرائط على جسد وطني.
وأنا أشاهد ذاك السياسي الأستاذ، وهو منهمك في تخليص ربطة عنقه من بين الأسلاك الشائكة الثائرة، الرافضة لجبنه، وعلى الجانب الآخر من ينتظره، برفقة من أضرم النار في جسد أخوته، عفواً أخوتي في جزيرة بوطان، مقهقهاً، فرحاً، وقد انتابته النشوة، وهو يراقب ردود فعل ذاك المسؤول، لتخليص ربطة عنقه من بين الأسلاك الشائكة، وجندي تركي برفقة مهرب تافه، يردد أسرع أيها المعلم، أيها البطل، أسرع. ويتابع مقهقهاً ألست من كنت تخطب، وتدير الاجتماعات، وتهدد وتبيع الوطنيات، أسرع فمن كنت تضحك عليهم لن يرحموك، ألست من كنت تقنع الفقير ببعض المصطلحات، وتنشر ايديولوجية الارتباط بالأرض وأنت أرسلت أولادك إلى المهجر، وها أنت بعت الوطن، أسرع يا أستاذ، فمنزلك أصبح ملكي، ألست الهارب بمآسي شعب عودته التصفيق، والشعارات، ألست من ترك الشعارات والقضية، وهمك الآن تخليص ربطة عنقك الحمراء، وهي الآن تنتقم منك، والأسلاك الشائكة، لتحاسبك عن كل كلمة كنت تقولها ولا تنفذها. تركت للفقير القضية، وللشباب الخنادق، وأنت تهرول وأولادك إلى الفنادق، وتحلم بدولارات أسيادك.
كم كانت تلك الكلمات مؤثرة، نطقها مهرب، وأثنى عليها الجندي التركي، وبأسلوب ساخر، وفي يده مشروب يزيده نشوة، كنت أتأمله وهو يتعثر، ينهض، يتدحرج، يمسح دماءه بقميصه المكوي، وبنطاله الأبيض، تنتابني الضحكة، وأنا أتذكر صورته في مناسبات مضت، وهو يعدد إنجازاته الخلبية ووعوده الواهية، كانت أسطوانة لطالما سمعناها ولطالما ترددت في أذهان البسطاء، ولطالما تأثر بها وصدقها الشرفاء.
حين أشرقت الشمس ومع الخيوط الأولى لنورها لتراب روج آفا، أزهرت وريقات شقائق النعمان شباباً وشابات بعمر الياسمين، تحلل التاريخ من هموم شعب سأم الرضوخ، وليكون لهم فلسفة نكران الذات لأجل المجتمع، ليعيش شعبه حراً، فمع الطلقة الأولى للدفاع عن الكرامة، ازداد بريق نور الشمس، وأضاء القمر أكثر، وهاجر على أثرها ذاك المنافق مع ظلام الليل ليهرب من الحقيقة، ولكن حتى الأسلاك الشائكة لم يرق لها هذا الجبن، وعبرت عن ردود فعلها بالتشبث بربطة عنقه الحمراء، وباتت تزداد ضغطاً على رقبته، وكأنها هي الأخرى تريد الانتقام.
لم يبق لذلك المخاطب شيء يتاجر به، ترك كل شيء، البيت، القضية، صور زفافه، وحتى صور خطاباته الجوفاء تركها، ترك الأب ينزف وترك الأم تذرف، وترك الأهل ليتشرد، ترك كل شيء.
الآن لا شيء مهم لديه أكثر من تخليص ربطة عنقه من الأسلاك الشائكة، وهو ينهض تارة ويتعثر تارة أخرى، ويبعد عن رقبته تلك الأشواك المتشبثة بربطة عنقه، بعد أن نالت منه الجراح في جسده، وكأنها الأخرى تريد الانتقام، استطاع تخليص ربطة عنقه من الأسلاك الشائكة، لكنه فقد ذاته، قهقه الجندي بسخرية: ابحث عن ذاتك التي أضعتها.
No Result
View All Result