سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

جيهان فرحو: الاقتصاد الكومينالي.. الحل الأمثل لدفع عجلة الاقتصاد في سوريا

روناهي/ حمزة حرب –

تحول الاقتصاد في ظل الإدارة الذاتية الديمقراطية من وإلى المجتمع، وأصبح مُلكاً للجميع، حيث بادرت الإدارة الذاتية منذ البداية إلى وضع الأُطر المناسبة وصياغة آليات العمل المُمنهجة للسير بخطى ثابتة نحو اقتصاد مُعتمد على الاقتصاد المجتمعي التشاركي يعود نفعه للجميع دون إقصاء أي فئة.
حالة الإنكار ومحاولات طمس الاقتصاد المجتمعي على مدار عقودٍ طويلة من الزمن أفضت إلى القضاء على العدالة الاجتماعية؛ بسبب ممارسات مُرتكِزة على ذهنية السلطة والدولة التي تميل إلى تحقيق الربح الأعظمي، حتى وإن كان على حساب الطبيعة والبيئة، والمياه والجو، وهدفها الأساسي هو رأس المال؛ ما يدفع بالمجتمع نحو الجهل والفقر والبؤس والبطالة، وتفشي السرقة والإجرام. لذا؛ ومنذ انطلاق ثورة الـ 19 من تموز لعام 2012 حدثت تغيرات جذرية في العديد من القطاعات، وكان من أبرزها والتي اعتبرت ثورة بحد ذاتها وهو الاقتصاد المجتمعي الذي جاء كمنقذ للمجتمع، وعوناً له بعد أن كان في ظل حكومة دمشق حكراً على فئة محددة من الأشخاص على حساب باقي أطياف الشعب السوري.
ما هو الاقتصاد المجتمعي؟
الاقتصاد في أغلب دول العالم قائم على أساس النظام الرأسمالي الذي يجعل من المجتمع وبشكل تلقائي طبقي، وسوريا كانت من ضمن الأنظمة المبنية على النظام الرأسمالي بشكلٍ أو بآخر، وإن كانت في ظاهرها تُبدي غير هذا، حيث كانت السياسة المُتبعة فيها هي سياسة التجويع على حساب بروز فئة منها متحكمة بزمام أمور الاقتصاد في البلد، وأدى ذلك إلى عدم المساواة وإنكار الحقوق بالأخص في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، والتي تعتبر السلة الغذائية لسوريا لما تحتويه من نفط وزراعة.
مراقبون يرون أنه وعلى الرغم من كل هذه الثروات الموجودة إلا أن شعوب المنطقة كانت محرومة من كل شيء بل وصل قاطنوها إلى مستوى تحت خط الفقر، وبالتالي أدت استمرارية هذه السياسية إلى انتقال الأغلبية للعمل في المناطق الأخرى أو الهجرة إلى الخارج.
وبقيام ثورة 19 تموز في إقليم شمال وشرق سوريا، وإعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية، والتي اعتبرت كولادة جديدة لشعوب المنطقة وكان التوجه منذ البداية نحو الاقتصاد المجتمعي لتغطية احتياجات المنطقة في ظل الأوضاع الصعبة آنذاك لكن هذه الوطأة بدأت تتضاءل مع بروز تعاون وجهود مشتركة من قبل الشعوب سواءً المزارعين منهم والتجار للنهوض باتجاه التقدم والعطاء، وخلق استقرار اقتصادي في المنطقة لأن الاستقرار الاقتصادي سينعكس على كافة القطاعات بالإيجاب.
فالاقتصاد المجتمعي هو التوفيق بين أهداف التنمية الاقتصادية من جهة والمساواة والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى، بحيث يكون الفرد في صلب اهتمامات عملية التنمية، وفوق أي اعتبارات اقتصادية مثل الربح أو التراكم، حيث تزايد اهتمام العالم بالاقتصاد المجتمعي بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008 التي أظهرت مساوئ نمط الإنتاج الرأسمالي.
فتحقيق الاقتصاد المجتمعي وإشراك الشعب بالاعتماد على نفسه في العملية الإنتاجية، والاقتصاد المجتمعي يعتمد على الاقتصاد الكومينالي من خلال التعاونيات والجمعيات، حيث تعمل التعاونيات وما شابه في العديد من قطاعات الاقتصاد المختلفة، حيث أثبتت أنها أكثر قدرة على الصمود في مواجهة الأزمات فهي تعمل على تعزيز المشاركة الاقتصادية، ومحاربة التدهور البيئي وتغير المناخ وخلق وظائف جديدة كما وتساهم في الأمن الغذائي والمحافظة على رأس المال المالي وإبقائه داخل المجتمعات المحلية وتقوية القيم الأخلاقية والمساهمة في تحقيق السلام من خلال تحسين الظروف المادية للأفراد وأمنهم.
الاقتصاد السوري المتهاوي وسُبل النهوض به
حكومة دمشق طرحت موازنتها العامة للدولة للسنة المالية 2024، حيث تم تحديد اعتمادات الموازنة بمبلغ إجمالي قدره 35.5 تريليون ليرة سوريّة نحو 3.1 مليارات دولار موزعة على 26.5 تريليون ليرة للإنفاق الجاري، وتسع تريليونات ليرة للإنفاق الاستثماري، في حين بلغ إجمالي العجز 9.404 تريليونات ليرة.
هذه الموازنة وحجم العجز يُضاف إلى التقديرات الأممية التي بيّنت أن عدد السكان في سوريا يبلغ نحو 23.46 مليون نسمة، منهم نحو 7.25 ملايين نسمة تقريباً يعيشون حالة نزوح داخلي، ونحو مليونين من هؤلاء النازحين يعيشون في مخيمات كون الحرب خلّفت دماراً كبيراً لنسبة واسعة جداً من البنية التحتية الأساسية لسوريا، وأن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، كما لا يزال ملايين السوريين يعيشون حالة النزوح داخلياً (قرابة 31% من إجمالي السكان)، ويعانون من نقص وفقدان الوثائق المدنية، فضلاً عن نقص وفقدان أو تلف وثائق الإسكان والأراضي والممتلكات.
ووفق إحصاءات الأمم المتحدة يوجد في سوريا اليوم أكثر من 12 مليون شخص نحو 50% من السكان يفتقرون إلى الأمن الغذائي و2.9 مليون آخرين معرضين لخطر الانزلاق إلى الجوع. بسبب التدهور الحاصل في قطاع الزراعة الذي يُعتبر من أهم القطاعات وأكثرها تضرراً في سوريا وأحد العوامل التي تلعب دوراً مهماً في الأمن الغذائي، إذ تشكل مساحة الأراضي الزراعية نحو 32% من المساحة الإجمالية، ويعمل في هذا القطاع أكثر من 20% من السوريين.
فوسط هذه الأزمات لا زال الاقتصاد السوري تحكمه سياسة المنفعة والاحتكار وحيتان المال والرأسمالية المغلفة بشعاراتٍ اشتراكية يطرحها حزب البعث لكن لم يطبق أي منها على الأرض ولا زالت السلطة في دمشق تقدّم مبررات مختلفة للانهيار الاقتصادي والفشل في إدارة الدولة، في حين يحمّل السوريون المسؤولية الكاملة عن الأزمة التي فشل من خلالها في السيطرة على التضخم وضبط سعر الصرف وتقليص الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء إلى أرقام معقولة، ولم تتمكن من تحسين الوضع المعيشي أو تقليل الفارق بين تكلفة المعيشة ومستويات الدخل.
لذا؛ فإن بُعد حكومة دمشق عن الاقتصاد المجتمعي الكومينالي الذي يعتمد على الاكتفاء الذاتي هو الركيزة الأساسية التي وضعته في قاعٍ عميق من التراكمات على مستوى الفشل الاقتصادي بينما نجحت الإدارة الذاتية الى حدٍ كبير في تحقيق التعاون والتنسيق بين أفراد المجتمع من الناحية الاقتصادية وتطويرها بالاعتماد على المواطنين، والنمو الاقتصادي المدمج هو نمو لا تتركز ثماره ضمن طبقة الأغنياء فقط وإنما تتوزع على شرائح واسعة من المجتمع وتدمجهم في الحياة الاقتصادية.
وبهذا السياق؛ كشفت إدارية الجمعيات التعاونية في مقاطعة الحسكة “جيهان فرحو” خلال تصريحاتٍ خاصة لصحيفتنا إن “الاقتصاد الكومينالي يعتبر هو الحل الأمثل لدفع عجلة الاقتصاد كونها تبدأ، من شريحة المجتمع مباشرةً وهو عكس الاقتصاد في سوريا سابقاً في ظل سيطرة حكومة دمشق حيث كان الاقتصاد بيد أشخاص مُحددين محتكرين الاقتصاد لمصلحتهم الشخصية”.
هل نجح الاقتصاد المجتمعي في إقليم شمال وشرق سوريا؟
وتسعى الإدارة الذاتية الديمقراطية في جميع مؤسساتها وهيئاتها لتحقيق الأمن الغذائي وعلى مستوى الإدارة في إقليم شمال وشرق سوريا بشكلٍ عام، ففي مجال الاقتصاد تقوم هيئة الاقتصاد والتي تشمل الصناعة والزراعة والتجارة، بمساعيها القيّمة بتطبيق الاقتصاد المجتمعي، المبني على أُسس المشاركة لجميع الأفراد والشعوب بشكلٍ ديمقراطي.
وتعتبر الإدارة الذاتية الديمقراطية أن جميع القطاعات من زراعة وتجارة وصناعة هي مُكمِلة لبعضها البعض، حيث قامت هيئة الاقتصاد بدعم هذه القطاعات لإعادة هيكليتها، وتقوية إنتاجيتها على عكس ما كان في السابق، حيث كانت تُخرِج المواد الخام من مناطقنا، وتذهب لمناطق أخرى ولم يكن يُستفاد منها، أما الآن فقد تجاوزنا هذه المشكلة وقمنا بإنشاء مصانع ومعامل بخبرات محلية.
جيهان أكدت من جانبها إن “الاقتصاد في إقليم شمال سوريا وصل لهذا المفهوم فنحن نسعى للوصول إلى المفهوم العام والأشمل وهناك خطوات جيدة قمنا بها في هذا المجال ولا نزال نسعى لتحقيق الاقتصاد المجتمعي المتكامل وهناك بعض النماذج الناجحة في هذا المجال”.
بينت جيهان إن “الاقتصاد الكومينالي يُعدُّ أبرز إنجازات ثورة روج آفا لأنها بدأت من المجتمع الشريحة العاملة عكس باقي الحركات التي كانت تعتمد على مؤسسات الدول الاشتراكية والرأسمالية وغيرها فهي حركة تستغل أفراد المجتمع لمصالحها الشخصية”.
فالاقتصاد المجتمعي يعتبر من الدعائم الأساسية للاقتصاد في الإدارة الذاتية الديمقراطية ويشكل النسيج التعاوني والمكون الرئيسي لقطاع الاقتصاد المجتمعي في إقليم شمال وشرق سوريا، وذلك بالنظر إلى حجم مساهمته في التنمية الاقتصادية وقدرته على الإدماج الاجتماعي وهو الوسيلة الناجعة للاكتفاء الذاتي وتطبيق نظام التعاونيات “الكوبراتيف” ضمن مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية، والمجالات التي تدخل ضمن أولويات العمل وعن هذه التجربة خدمت أو ستخدم المجتمع بشكلٍ عام.
التعاونيات تخلق اقتصاداً مجتمعياً متماسكاً
إقليم شمال وشرق سوريا أعطى الاقتصاد الكومينالي أهمية من خلال التعاونيات؛ فالجمعيات التعاونية هي التطبيق العملي لفكرة الاقتصاد المجتمعي، والوصول إلى حدٍ جيد للاكتفاء الذاتي، من خلال تحويل الأراضي غير المزروعة في القرى بمشاركة العديد من المزارعين ضمن القرية لزراعتها لما يعود نفع ذلك للمجتمع ككل، وكذلك تشجيع المداجن وتشجيع الثروة الحيوانية وتنميتها إلى جانب السعي للوصول إلى تنظيم الأسواق المجتمعية، وكل هذه الخطوات ستصب في نهاية المطاف نحو الاكتفاء الذاتي للمنطقة وهو ما يعتمد بشكلٍ أكبر على شعوبنا ومدى تعاونهم لتحقيق الهدف المنشود.
جيهان أوضحت بهذا الصدد إن التعاونيات هي النموذج الأقرب للوصول إلى الغاية المنشودة لتحقيق اقتصاد كومينالي من خلال التدريبات المستمرة، لتوسيع هذا المفهوم وهي تدريبات فكرية عن العيش المشترك التعاوني الذي يؤدي إلى اقتصاد تشاركي بعيد عن احتكار الشخص الواحد، وتحقيق الاكتفاء الذاتي بطريقة مشروعة وأخلاقية.
كما أوضحت إدارية الجمعيات التعاونية في مقاطعة الحسكة “جيهان فرحو” أنهم يقومون على تمكين المجتمع بالتنسيق مع المجالس والكومينات وطرح مشاريع مناسبة لكل منطقة بمشاركة أبناء المنطقة ومن أبرز المشاريع التي لقيت نجاح كبير هي مشاريع الخياطة، حيث تم استهداف شريحة النساء التي تعتبر محرك الاقتصاد، لهذا تم إنشاء معامل ومشاغل خياطة وتم تحويل بعض الأفران إلى تعاونيات، حيث تحسّنت الجودة بالإضافة إلى زيادة دخل الأعضاء العاملين ضمن الأفران في ظل مفهوم الجمعيات التعاونية، مشددةً على أنهم كأعضاء الجمعيات التعاونية يواصلون ليلاً ونهاراً العمل بكل عزيمة وإصرار لتوسيع هذا المفهوم.
فالكومينالية هي من عمل على تعزيز الاقتصاد، وفتح عدد من المشاريع التي مثّلت القوة للتماسك الثقافي والاجتماعي، وكذلك خلق إرادة سياسية واقتصادية وفقاً لمفهوم الاقتصاد الكومينالي، وخلق توازن بين العمل والإنتاج، وذلك بعيد كل البعد عن الرأسمالية والانتهازية والاستغلال وهذا ما عملت عليه الإدارة الذاتية الديمقراطية على الرغم من العداوة الكبيرة التي خلقتها هذه السياسة مع الأنظمة الرأسمالية المحيطة في إقليم شمال وشرق سوريا.
لذا يرى مراقبون أن الاقتصاد المجتمعي من أبرز الثمرات التي أفرزتها ثورة التاسع عشر من تموز، ومن الواضح إن دولة الاحتلال التركي تسعى جاهدةً من خلال تصعيدها لخلق عقبة هدفها الرئيسي من ذلك هو إفشال مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية وتسعى لذلك بكل ما تملك من وسائل في سبيل تدمير البنى التحتية والاقتصاد بشكلٍ عام، كونها فشلت بمساعيها من الناحية السياسية فلجأت في المرحلة الأخيرة لضرب الاقتصاد من البنى التحتية والمنشآت الخدمية، بقصد تهجير وترحيل شعوب المنطقة.
لذا؛ فإن الإدارة الذاتية الديمقراطية لا زالت تسعى للنهوض بكل مقوماتها والصمود في وجه هذه التحديات، من خلال سعيها المتواصل لإعادة إعمار المنطقة وتقديم الخدمات للشعب بالمستوى المطلوب لغاية الوصول إلى الاقتصاد المجتمعي الشامل والذي يطمح له كل الشعب السوري في وقتٍ عانى ما عاناه من ويلات الاستغلال والابتزاز وحيتان الحرب والمال التي حكمت لقمة عيشه بقبضة من حديد.