No Result
View All Result
المشاهدات 2
تقرير / مصطفى السعيد – ماهر أحمد –
يمتد تاريخ المناطق الأثريّة الواقعة على ضفاف بحيرة «الفرات» إلى الألف التاسع قبل الميلاد، وتتركز المعطيات التاريخيّة في خبايا التلول المنتشرة في المنطقة، والتي كشفت عنها معاول التنقيب، كما تنتشر في هذه المناطق حضارات تلت مراحل الوجود البشري الأول، وصولاً إلى السويات الأثرية التي تبرز معطيات الحضارة المتعاقبة في المنطقة.
انتشرت المدافن القديمة في المنطقة وتكثر هذه المدافن في جبل «السن»، وهي منطقة واقعة قرب بلدة الجرنية.
يقع التل غرب «الرقة» بنحو100كم، بالقرب من تل «الممباقة»، على الجهة اليسرى لبحيرة «الفرات»، ويقابله من الجهة الثانية جبل «عرودة»، الذي له دلالات في الذاكرة الشعبية المحلية، وقد ازدهرت أجزاء من هذا الموقع الممتد على ضفة الفرات في طور أو آخر من أطوار التاريخ، وتعاقبت عليه حضارات، عديدة منها الحضارة الإسلامية، حيث عٌثر على شواهد عديدة تؤكد على ذلك.
تنتشر المدافن في منطقة وادي الفرات بأشكال ثلاثة، فقد كشفت مجريات التنقيب الأثريّ عن بضعة قبور من الفترة العربيّة الإسلاميّة دون معرفة نوعها وتحديد تاريخها، وأخذت تظهر جماجم مجمّعة بشكل ثنائيّ وثلاثيّ ورباعيّ، ثم تبيّن فيما بعد أنّه مدفنٌ جماعيّ من العهد البيزنطيّ، يضمُّ مئات الهياكل العظميّة، دُفنت دون نظام معيّن ضمن صناديق من الخشب، جميعها قد تفتت بالكامل، وبعض الهياكل دفنت بدون صناديق. وكعادة قدماء البشر، عثر المنقّبون مع هذه الهياكل، على مجموعة كبيرة من المصابيح الفخاريّة، كي يستعملها المتوفى لإنارة قبره المظلم في حياته الثانية، كانت هذه المصابيح الفخاريّة من النمط المسيحيّ، وتتصف بدقّة الصنعة وعليها زخارف نافرة كالصليب مثلاً، وقد تجاوز عدد السليم منها المائة سراج، وتشير التقارير العلميّة للبعثات المنقّبة أنَّه يمكن ردّها إلى عشرة أصناف تؤرّخ ما بين القرن الرابع الميلاديّ والقرن السابع.
كما عُثر في هذا المدفن الجماعيّ على أوانٍ فخاريّة وكؤوس زجاجيّة من النوع المسيحيّ، مع مصباح وأساور زجاجيّة وأخرى معدنيّة، إلى جانب مجموعة من اللُقى الأثريّة المتنوعة، مثل الخرز الملون من أشكال وألوان مختلفة، وكذلك الأبازيم البرونزيّة والصُّلبان، وتعاويذ مألوفة، وبعضها عليه إشارة رمز القديس «سمعان العموديّ» .
وقد عُثر على مدفن آخر مزدوج الشكل، مُشيّد من الحجارة الكلسيّة المحليّة ذات اللون الأبيض، ويتألف هذا المدفن من قسمين وخمس واجهات للدفن، وكامل المدفن مبنٍ من الحجارة المنحوتة.
كانت أرضيّة هذا المدفن بالأصل منخفضة عن مستوى الأرض المجاورة، وجزؤه العِلويّ كان منسوبه فوق مستوى الأرض، ويتألف المدفن من غرفتين مخصصتين للدفن متجاورتين، وعلى المدماك العِلويّ الجنوبيّ للمدخل مدون بعض العبارات التذكاريّة بطريقة الحز العميق بلغات ثلاث هي، اليونانيّة والسريانيّة والعربيّة.
أما الأقسام العلوية لهذه المدافن، فقد هدمت من قبل لصوص وتجار الآثار، كما أنَّ أغلب الحجارة التي تحمل زخارف نباتية هي الأخرى سُرقت، ولم يبق منها إلاَّ بعض الزخارف القليلة التي لا تمكن الدارس من أخذ أو إعطاء فكرة عن نوعية السقف الذي كان يغطي المدفن.
المدفن الثاني بيزنطـي، وهو أصغر حجماً من القبر الروماني ـ البيزنطي، وقد تعرضت كغيرها من المدافن الأخرى للنهب من قبل لصوص وتجار الآثار. والمدافن مبنية من حجارة الفرات الكلسية الناصعة البياض، وهو على عمق يتراوح ما بين /20-60/سم، أبعاده /325×325/سم، ويتم الولوج إليه عبر دهليز واقع في الجهة الجنوبية من المدفن. وتمتد شرقاً وغرباً، وأحدها مبلط بمادة الآجر، ولم يبق من محتوياتها إلاَّ القليل اليسير من بعض الأسرجة الفخارية، وبعض اللقى الأخرى.
النوع الثالث من لمدافن: وهي المــدافن الحلقيــّة، وتشكّل الكم الأكبر بين أنواع القبور المكتشفة خلال موسم عام/1972/. وهذا النوع من المقابر هو على شكل حلقات مخروطيّة، وهي أنواع معروفة لدى الآثاريين باسم «التومولوس» هذا النوع من المقابر منتشر بشكل واسع في جميع أنحاء المنطقة، وعُثر على أنواع منه على ضفتي نهر الفرات، وتتألف هذه القبور من حلقات حجريّة كبيرة ومستديرة الشكل يصل قطرها أحياناً إلى تسعة أمتار، يحفر في وسط كل منها قبرين، وأحياناً أكثر، والقبور تكون مشيدة من مادة الحجر أو اللبن، يجمع فوقها التراب وتُطلى جدرانها بمادة الجص الأبيض من الداخل، وحقيقة وجود مثل هذا النوع من المقابر، يُعزى إلى التأثيرات المتبادلة بين الشرق والغرب، أو ربما يعود أيضاً إلى وجود وسكن مجموعات عرقيّة في المنطقة في أواخر الفترة الهلنستيّة، وبداية الفترة الرومانيّة، علماً أنَّ مثل هذه العرقيات كانت متواجدة في المنطقة.
جبل «السن» هو عبارة عن مدينة أثرية أبنيتها من الحجر الكلسي الأبيض، ولوحظ وجود خزانات مياه، وعشرات المدافن التي تعود للفترة البيزنطية، منها ما تعرض للنهب من قبل لصوص الآثار سابقاً، كما وجد العديد من المغاور و هي عبارة عن مدافن جماعية لم تفتح بعد وتحتاج إلى أعمال تنقيب بعثة وطنية دائمة بالمنطقة المذكورة، نظراً لأهمية المدافن ووجود آبار وغرف سكنية.
وخلال عمليات التنقيب تم العثور بعد رفع الأتربة من داخل المدافن، لوحظ بداخل أحدها على سبعة هياكل عظمية، وعثرت البعثة على مجموعة خرز مختلفة الأحجام والأشكال والألوان، وأسرجة مختلفة فخارية، وأدوات معدنيّة صدئة، وحلق وخاتم معدنيّ، ومجموعة كسر معدنية لأساور، وأجزاء من أسرجة، وبعض الكسر الفخاريّة.
توجد عشرات المدافن على أطراف الجبل وضمن منطقة الحراج، وما تحتويه من مناطق أثرية هامة تعود لذات الفترة البيزنطيّة، ويدلًّ توزع المدافن على أطراف جبل «السن» ذلك على أن المنطقة تعود لمراكز سكن حضارات متعاقبة في المنطقة ولعصور ما قبل التاريخ، و ترجع أهميّة الموقع لقربه من موقعي تل «العبد» و تل «الممباقة» الأثريين اللذان يعودان إلى الألف الثاني والثالث قبل الميلاد.
No Result
View All Result