بلغة الأرقام ارتفع عدد حالات العنف المسلّط على النساء في تونس في فترة الحجر الصحي الشامل حسب الإحصائيات التي قدّمتها وزارة المرأة فيها منذ شهر – تقريباً- خمس مرات مقارنةً بالمعدلات العادية، وهذا مؤشر سلبي وخطير للغاية ويضع قانون القضاء على العنف ضدّ المرأة تحت المجهر، كما يجعل من هذا الملف عاجلاً ومن الضروري مناقشته بين كلّ الأطراف المتداخلة لوضع خارطة طريق واضحة تجمع بين القانوني والواقعي.
تم تعزيز الترسانة القانونية للدفاع عن المرأة وحقوقها بحزمة من القوانين بتونس، لعلّ آخرها القانون الأساسي عدد 58 المؤرخ في 2017 والمتعلق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة، قانون لاقى إجماعاً كبيراً وترحيباً من قبل كلّ الأطراف السياسية منها والحقوقية الوطنية والدولية، ولكن وعلى أرض الواقع يتبين وجود عدّة إشكاليات على مستوى التفعيل تترجمها الأرقام المفزعة التي تم تسجيلها في عدد النساء المعنفات خاصةً خلال جائحة كورونا التي كشفت عن سبعة آلاف حالة وعرت الحقيقة الكاملة لهذه الظاهرة وضرورة التصدي لها.
على المستوى القضائي أكدت وزيرة العدل بتونس ثريا الجريبي مؤخراً أن النيابة العمومية لم تتلق إلا 164 محضراً بكامل تراب الجمهورية من بين سبعة آلاف حالة اعتداء بالعنف ضدّ نساء سجّلتها وزارة المرأة عبر الرقم الأخضر المجاني الذي وضعته خلال فترة الكوفيد 19. الذي وصف بالوجع المخفي لظاهرة العنف ضدّ المرأة.
حقيقة وواقع العنف المسلط ضد المرأة
هذا وأوضحت ثريا الجريبي لـ “وكالة أخبار المرأة ” حول هذا الموضوع بأن البيانات المتاحة رغم أنها مفزعة إلا أنها لا تعكس حقيقة وواقع العنف المسلط ضد المرأة والاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من خلال كلّ هذه المعطيات أن المرأة تلعب دوراً كبيراً وأن وارتفاع أعداد النساء المعنفات من خلال اتباع سياسة الصمت سواءً كان اختيارياً لظروف عائلية وشخصية أو بحكم الحجر الصحي وصعوبة الوصول إلى النيابة العمومية وفق بعض الملاحظين.
في هذا السياق علّقت وزيرة العدل وقالت: “إزاء عدم التمسك بتتبع المعتدين في قضايا الحال، تم إحالة 138 متهما فقط في قضايا عنف ضد المرأة على أنظار القضاء وتطبيق أحكام القانون عدد 58 لسنة 2017، منهم 52 بحالة إيقاف و86 تمت إحالتهم بحالة سراح”.
هذا واعتبرت أن “انتشار الوباء قد ساهم في تفاقم الأوضاع تبعاً للعزل المنزلي والصحي لفترات طويلة والتعايش «القسري» بين الرجل والمرأة أثناء هذا الحجر وتفاقم الضغوطات الاقتصادية، مما أدى إلى الارتفاع المفزع لحالات العنف الأسري”.
لا بد للمرأة أن تكسر حاجز الصمت..
إن حماية المرأة من كل أشكال العنف المسلط عليها تعد أحد أهم المبادئ الدستورية التي كرسها الفصل 46 من الدستور التونسي، حيث حمل الدولة كامل المسؤولية في اتخاذ التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف المسلط ضد المرأة، هنا نتساءل ماذا فعلت الدولة من أجل الوصول إلى هذا الهدف؟ وهل أن الموجود ناجع وكافٍ أم لا بد من تلافي عديد النقائص؟ الإجابة واضحة من خلال الأرقام المقدّمة سلفاً، فلئن تم سنّ القانون الأساسي عدد 58 المؤرخ في 2017 والمتعلق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة فإننا نجد عدد النساء المعنفات بتونس في ارتفاع جنوني خلال فترة وجيزة كشفت المستور، علماً بأن هذا المشرع عند تطبيقه تم التفطن إلى عديد الثغرات والإشكاليات التي أعاقت نوعاً ما عمل القضاة المختصين في هذه الملفات، وهو ما جعل العديد منهم يطالبون بتنقيحه، من جهة أخرى فلا بد لتونس من وضع استراتيجية واضحة المعالم تشارك فيها كلّ الأطراف المتداخلة، ومن جانب آخر لا بد من أن تتغيّر العقلية سواءً لدى الرجل أو المرأة التي لا بد أن تكسر حاجز الصمت.
وأمام هذه الأرقام التي أقل ما يقال عنها أنها مفزعة وخطيرة خاصةً في ظلّ قانون مناهضة العنف ضدّ المرأة فقد دعا المختصون في مجال حقوق الإنسان عامةً وحقوق المرأة بصفة خاصة إلى إطلاق مصطلح «جائحة الظل» على العنف المسلط على النساء خلال فترات الحجر الشامل في العالم تبعاً لانتشار وباء العنف المسلط على النساء.