إعداد/ غزال العمر-
ثريا الحافظ هي كاتبةٌ فذة، صديقة الأحبار، وعاشقة الكتب؛ وُلِدت في دمشق عام 1911م، فقدت والدها، في الخامسة من عمرها، إثّر إعدام الدولة العثمانية لوالدها، فنشأت ناقمة حاقدةً ثائرة عبر قلمها، وفكرها الثائر.
يبقى للمرأة السورية وزنها، وثقلها العلمي والثقافي، فهي سيدة مجتمع، وشاعرة، وطبيبة، ومناضلة، والتاريخ يشهد على صبرها وقوتها، وتضحياتها وصمودها في مواجهة العقلية الذكورية السلطوية
إعدامُ والدَها
الشهيد الأمير أمين لطفي الحافظ، توفي مع مجموعة الأحرار في 6 أيار 1916م، على يد جمال باشا السفاح الطاغية العثماني، لتنشأ ثريا يتيمة في كنف أمها، ورعاية عمها الأمير مصطفى الشهابي، وورثت مقارعة المسَتعمر، ومواجهته باكراً. خرجت في أّول مظاهرة نسائّية، تنّدد بالانتداب الفرنسي عام ١٩٢٨م، فيما بعد شاركت في العمل العسكري، فحملت السلاح، وأسعفت المصابين، وداوت الجرحى، وأغاثت، وصبّرت الثكالى، ورعت أطفال الشهداء، كما شاركت عام 1929م، في أّول مظاهرة نسائّية سوريّة، خرجت لتشّجيع الناخبين على اختيار ممثليهم من قائمة “الكتلة الوطنّية”، فبعد تخّرجها من “دار المعلمات” عام 1928م، عملت ثريا مدّرسة للأدب العربي، ثم مديرة في مدارس دمشق، وتزّوجت من الصحفي والكاتب منير الريس، رئيس تحرير جريدة “بردى” التي صدرت أواخر الأربعينات، واستمّرت حتّى مطلع الستينيات.
حقوقُ المرأةِ حاضرةٌ دائمًا في أعمالها
هذا وقد كان لعملها في مجال التعليم، ودعم زوجها لها، الدور البارز في تحديد أطر نضالها، إذ ومن خلال عملها عايشت ثريا الحافظ معاناة وضعف وعجز المرأة في المجتمع الذكوري المتخّلف، وتلّمست أوجاعها، فسكنها هاجس ضرورة تغيير هذا الواقع، عبر النهوض بمستوى المرأة والرجل معًا، وبكلّ ما أوتيت من قوة، إلى صياغة واقع جديد للمرأة، سواءً عبر الأحاديث الإذاعية، والمقالات الصحفّية، والمحاضرات، أو من خلال الأندية الثقافّية والأدبية، أو عبر العمل في الجمعيات الخيرّية، والثقافّية والنهضوّية التي أّسستها، أو ساهمت في تأّسيسها.
تُعد جمعّية “خريجات دار المعلمات”، التي أّسستها ثريا الحافظ عام ١٩٢٩م، من أوائل الجمعيات النسائّية الشعبية السورية المعنية بتوعية المرأة السورية بقدراتها، وتعريفها بإمكاناتها، والأخذ بيدها لتقوم بدورها في الحياة والمجتمع، هذا ولم يسبق أنّ عرفت سوريا في تلك الحقبة إلاّ جمعية واحدة، قد أّسسها الفرنسيون في سوريا، وأخرى للطبقة الحاكمة المرتبطة بالاستعمار الفرنسي، فيما ضّمت جمعية “خريجات دار المعلمات” ألمع الوجوه النسائّية السورية لتلك المرحلة، وزاوجت ثريا بين نضالاتها الوطنّية، وبين نشاطاتها الاجتماعية لخدمة المرأة، ولتطوير قدراتها، والتعريف بحقوقها، فأسهمت عام 1943م بتأسيس “جامعة النساء القوميات” للمطالبة بحق المرأة في المساهمة بالحياة السياسّية.
وبهدف الاهتمام ببنات الشهداء، وتقديم الرعاية والتعليم والتوجيه لهّن، ومساعدتهّن في الاعتماد على أنفسهنّ، وتمكينهنّ من القيام بدور منتج في المجتمع، أّسست الحافظ عام 1945 جمعية “دار كفالة الفتاة” التي ابتدأت أعمالها برعاية عشرين فتاة، واستمّرت حتّى عام 196٥، وقد بلغ عدد طالباتها عند إغلاقها 400 طالبة، كما ساهمت عام 1956م، بتأسيس جمعية “رعاية الجندي السوري عند الحدود” وجمعيات أخرى مثل “جمعية نقطة الحليب” و”جمعية الفنون”.
مِنْ أبرز شعاراتها “من حقّ المرأةِ أن تتعلّمَ”
لم تهمل ثريا الحافظ تلك النسوة اللواتي فاتهّن قطار التعلم، وكّن يشكلن الغالبية العظمى من مجموع السكان، فعمدت منذ 1918م، إلى تعليم المئات منهن مبادئ القراءة والكتابة، كخطوة أولى في محاربة الجهل، ونشر العلم والمعرفة، وبذلك عُدَّت ثريا من أوائل العاملات في محو الأمية، أقامت ثريا عام 1946 بالتعاون مع زهراء العابد زوجة رئيس الجمهورية السورية آنذاك، صالونها الأدبي “حلقة الزهراء الأدبية” الذي ضّم العديد من الشخصيات الثقافية والسياسّية، توفت سنة ٢٠٠٠م ودفنت بدمشق، تاركةً إرثاً نهضوياً، وثقافياً كبيراً لامرأة مسكت مشعل النضال للنساء السوريات ضد المستعمر أيّا كان.
وبهذا تكون ثريا الحافظ من ألمع الشخصيات النسوية السورية، المطالبة بحقوق المرأة وحريتها، حيث لا تزال المرأة السورية مستمرة في مواصلة النضال، وسلوك طريق التحرر، وأخذ الحقوق، والتمتع بها رغم ما تمر به البلاد من ظروفٍ سياسية، واقتصادية، واجتماعية، تكاد تكبل المرأة غير أنّ المرأة تثبت بكلِّ مرة أنّها أقوى؛ لأنها أنثى.