روناهي/ الشيخ مقصود ـ نظّم يوم الأربعاء 15/7/2020 منتدى حلب الثّقافيّ في حي الشيخ مقصود محاضرة تحت عنوان “ثورة روج آفا مسيرة تحرير وعطاء”. بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة لثورة التاسع عشر من تموز التي انطلقت في روج آفا.
حضر المحاضرة العشرات من أعضاء المنتدى والمؤسسات والأحزاب السياسيّة، وبدأت المحاضرة بالوقوف دقيقة صمت، وألقى المحاضرة عضو منتدى حلب الثقافيّ وعضو هيئة تحرير صحيفة روناهي رامان آزاد، فقال: ” إنّ ثورة روج آفا هي ثورة كرد سوريا بمعايير عصريّة، ثورة أصيلة ذات أبعاد وطنيّة بامتياز، لم تنغلق على ذاتها ولم تأسرها النزعة القومويّة، بل استقت قوّتها من مناهل الفكر الديمقراطيّ، لتكونَ رائدة التغيير وترسم معالم مستقبل أفضل لسوريا ديمقراطيّة تعدديّة، وتكون دعوة مفتوحةً للحوار الوطنيّ، وبندقية مصوّبة إلى الإرهاب”.
أهمية الوعي الثوريّ
وأكّد آزاد على أهمية الوعي الثوريّ والنظرية الثوريّة “وعي الثورة من أهم العوامل التي تسهم في نجاحها، ذلك لأنّ الوعي هو المعوّل لتصحيح مسارِ الثورة من الشططِ عندما تخرجُ عن أهدافها، وهو الذي يحفظها من التخبّط، ويضمن عدم انقلابها على نفسها، ولأنّ المرحلة المعاشة خلال الثورة هي مخاضُ التغييرِ وهي على درجةٍ كبيرة من الحساسيّة، ولربما تقعُ أخطاءٌ هنا أو هناك في سياق إحداث التغيير”
ونوه بأن الرؤية كانت مختلفة في روج آفا إذ وضع نصب العين أنّ تحريرَ المؤسسات إنّما يعني إحياءها لتؤدّي عملها بالشكل الصحيح في الخدمة المجتمعيّة، وعلى العكس كان المطلوب رفع كفاءة المؤسسات الخدميّة، باعتبار أنّ غاية الثورة هي رفع المعاناة والظلم عن كاهل المواطن لا إضافة آلام جديدة وتعميق الأزمات، فكانت أولى الخطوات تشكيل مجالس شعبيّة تعكس حقيقة الواقع بمشاركة كلّ المكوّنات والشعوب لتأكيد وجودها ضمن البناء المؤسساتيّ الذي سيتطور ليكون أساس الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة.
وضمن المحاضرة ركز آزاد على نقطة مهمة وهي أن الثورة تتطلب التخلّص من كلّ عواملِ الخوف والعوائق التي تمنعُ ظهور كل مفرداتِ الشخصيةِ الثوريّةِ النضاليّةِ التي تتحلّى بالشجاعةِ والإقدامِ وحسن المبادرة والثقةِ بالذاتِ والصدقِ ومطابقةِ العملِ مع الشعارِ المطروحِ، وبذلك تصبحُ مؤهلةً لتكونَ القدوةَ القادرةَ على قيادةِ الجماهير والمستعدّة لافتداء غايات الثورة النبيلة.
كما نوّه آزاد بأنّ ما حدث في سوريا كان إرهاصات ثورة جماهيرية توفّرت كل أسبابها، واستوفت شروطها من أجل التغيير وإنجاز التحوّل الديمقراطيّ وحل كل القضايا المجتمعيّة وفي مقدّمها قضية كرد سوريا، ولم يكنِ الموقف في روج آفا مخالفاً لإرادة الشعوب السوريّة بالتّغيير، ولكنّها لم تكن في وارد الارتجال، فآثرت أن تتوقّف وتستعرض مجريات الأحداث وتقرأها بتمعّنٍ واستفاضةٍ.
لا نجاحَ للثّورةِ ما لم تكن وطنيّة في منطلقها ومستقرّها
كما تطرّق آزاد في المحاضرة التي ألقاها: “لعلّ الثورةَ في أحد أهم معانيها هي تجسيدٌ لحالة خيارٍ سليمٍ بين ذهنيتين، ومعيار صحة الخيار هو الوطنية، فإمّا إرادةُ تجسيد الهوية والذات أو الانقلاب عليها بمسايرة العدو، وبالتالي فإنّ تصنيف كل حالات التموضع واختلاف المسميات تشتقّ اعتباراً من الخيار، ووحده المنطلق الوطني لا يحتاج تجميلاً وتبريراً إذ تستمدّ شرعيتها من أصحاب المصلحة فيها وهم الجماهير، وهنا محل اختبار كل حالاتِ المعارضة، وتسقط المعارضة أخلاقياً وسياسياً عندما لا تجسّد الخيار الوطني، ولن تنجح ثورة إلّا أن تكون وطنيّة في منطلقها ومستقرها، أي وطنية في قادتها وروّادها وأدواتها، وتصبّ في مصلحة كل الجماهير”.
ثورة روج آفا كانت ثورة المجتمع
وأكّد آزاد بأنّ أهم ملامح التميّز وأسباب نجاح ثورة روج آفا قراءتها للواقع السياسي والاجتماعي جيداً في سوريا، ولم تنطلق من فراغٍ، ولم تتبنَّ إسقاط النظام هدفاً أساسياً، بل إنجاز جملة تغييرات في بنية المجتمع السوري، فهي أدركت أن لا ثورة يمكن أن يكتب لها النجاح ما لم يتلمّس أبناء المجتمع حجم التغيير فيها، وأنهم هدف الثورة، ولذلك كان اللافت توجّه الثورةِ إلى المرأةِ لتحرّرها من تخلّف العادات والتقاليد المجتمعية والضغوط السياسية وقصور النصّ القانوني وشمولية الوصاية، حتّى تتحرّر بذلك نحو نصف طاقات المجتمع، وجعلت الشباب محرك الثورة وجوهرها، ولذلك لم تكن ثورة روج آفا نموذجاً مستنسخاً لثورة أخرى.
وتابع آزاد حديثه بالقول: “كان 19 تموز من عام 2012 يوم الانطلاقة والإعلان عن الثورة وتفعيل الخيار البديل الذي تمّ التوافق الشعبي حوله، لتأسيس نظامٍ اجتماعي متكامل يكون بديلاً عن مؤسسة الدولة التي نخرها الفساد والبيروقراطية والنزوع إلى الاحتكارية المتسلّطة على كدح الشعب، فكانت أول ثورة في الشرق الأوسط، ضمن ربيع الشعوب، تتحرّك وتثور بشكل مغاير تماماً عن سياق الثورات التي اجتاحت البلدان العربية بما فيها الثورة السورية نفسها”.
ثورة سوريّة وطنيّة مقاومة
واختتم آزاد حديثه أنّ ثورة روج آفا لم تكن حراكاً لتحييد الكرد عن المسار الوطني، بل تأكيداً له، لتكون ثورةً سوريةً وطنيةً مقاومةً، انطلقت على أسسٍ صحيحةٍ وسليمةٍ، وارتكزت إلى رؤية استشرافية للمستقبل وقراءة دقيقة للواقع والمعطيات التي برزت فيه، وتصدّت للدفاع عن جميع المكوّنات السورية من غير تفرقةٍ أو تمييزٍ، ما يعزّز الثقة بصوابية المنهج الوطني الذي اعتمدته الإدارة الذاتية والتطلع لمستقبل جديد لسوريا ديمقراطية تعدديّة لكل السوريين.